علمت «الحياة» أن السلطات السودانية طردت في شهري كانون الثاني (يناير) الجاري وكانون الأول (ديسمبر) الماضي عشرات الإسلاميين المصريين الذين سافروا إلى السودان في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) من العام 2013. وكشفت النيابة العامة في مصر في إطار تحقيقاتها في قضية خلية «حسم» التي نفّذت هجمات في محيط القاهرة قبل أيام، أن نحو 70 متهماً ضمن 144 موقوفاً، من بين أكثر من 300 متهم في القضية، أدلوا باعترافات تفصيلية عن تدريب عشرات منهم في معسكرات في السودان بإشراف من كتائب «عز الدين القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، وأنهم تلقوا دعماً استخباراتياً من تركيا وقطر. وقال مصدر مصري لـ «الحياة» إن المعلومات التي جمعتها أجهزة الأمن دلّت على فرار عشرات من المطلوبين على ذمة اتهامات بالعنف والإرهاب إلى السودان، وإن عدداً كبيراً من هؤلاء قد سافر من هذا البلد في الأسابيع الأخيرة. لكنه لم يوضح إن كان سفرهم تم بعد اتصالات بين السلطات في البلدين وبطلب مصري أم لأسباب تخص السلطات السودانية، وأكد المصدر أن تلك المجموعة تضم أعضاء في «الجماعة الإسلامية» و «الإخوان المسلمين». وأكد القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» محمد ياسين، وهو محامٍ لقيادات الجماعة الموقوفين في مصر ومسؤول ملف علاقاتها الخارجية لعقود، لـ «الحياة» صحة تلك المعلومات. وأوضح ياسين أن السلطات السودانية «طردت عشرات الإسلاميين المصريين الشهر الجاري وأواخر الشهر الماضي، وأن بينهم قيادات في الجماعة الإسلامية وقيادات وسطى في جماعة الإخوان وغالبيتهم أعضاء وليست بينهم قيادات». لكنه تحفّظ عن كشف الأسماء. وأوضح ياسين أن عدد الإسلاميين المصريين في السودان يُقدّر بالمئات، لكن السلطات السودانية طردت «من ذُكرت أسماؤهم في تحقيقات في مصر، ومن تضع عليهم السلطات المصرية ملاحظات»، في إشارة إلى أن الخطوة السودانية ربما تمت بترتيب مع السلطات المصرية أو بطلب منها. وكان الرئيس السوداني عمر البشير زار القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتفقّدا معاً وحدات من الجيش المصري. وأوضح ياسين أن قيادات في «الجماعة الإسلامية» ما زالت موجودة في السودان، لكن في الحقيقة «هم من عقلاء الجماعة». وأشار إلى أن السلطات السودانية «لم تقم بتوقيف المطرودين أو ترحيلهم. حصلت أمور ولما نوقشت رأى الإخوة أن من الأسلم أن يسافروا من السودان». وقال: «حدث تضييق على بعض الإسلاميين المصريين، ووصلت لهم رسائل غير مباشرة من السلطات بأن من الأفضل أن يغادروا السودان. بعضهم سافر إلى ماليزيا وبعض آخر إلى تركيا». وأضاف: «في البداية بدأت السلطات السودانية تطلب منهم ضرورة الإبلاغ عن تحركاتهم في شكل مسبق، ثم عدم الخروج والتحرك خارج نطاق معين، ثم الاعتراض على بعض التصرفات والتهديد بالترحيل. وبدأ الإخوة يتوجّسون خيفة، وقرروا الرحيل بعد أن تم إبلاغهم بأن من الأفضل أن يغادروا السودان، في أعقاب تحقيق مشروعاتهم الاقتصادية خسائر فادحة، ولما فكّروا في بدائل للحد من تلك الخسائر رفضتها السلطات». وقال ياسين: «هؤلاء القليل منهم قيادات في «الجماعة الإسلامية» وجماعة «الإخوان» وكثير منهم أفراد عاديون، وأتوقع طرد المزيد من الإسلاميين المصريين من السودان في الفترة المقبلة». وأوضح أن وضع الإسلاميين المصريين في الخارج «لن يستمر على الحال ذاتها طويلاً. كل الدول التي تؤوي الإسلاميين المصريين تُراجع سياستها حالياً في شأن هذا الملف، خصوصاً بعد وصول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حتى تركيا أتوقّع أن تراجع هي الأخرى سياستها على رغم أنها حتى هذه اللحظة لم تغيّر سياستها بخصوص المصريين». وقال القيادي السابق في «الجماعة الإسلامية» الدكتور ناجح إبراهيم لـ «الحياة» إن تلك الأمور متوقعة دائماً، وطالما حدثت مع الإسلاميين الملاحقين من بلادهم، خصوصاً في السودان، الذي له تاريخ طويل في إيواء الإسلاميين لـ «استخدامهم» ثم طردهم حين تفرض العلاقات الدولية هذا القرار. وقال: «في الحقيقة اللاجئ السياسي سلعة تُباع وتُشترى في سوق العلاقات الدولية المتأرجحة». وأشار إلى أن الخطوة نفسها اتخذت في شكل أكثر حدة مع قيادي كبير في «الجماعة الإسلامية» هو مصطفى حمزة، حين حاصرت الضغوط إيران بسبب إيوائه فيها، فطردته إلى السودان، ولما وضعت السلطات المصرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك شرطاً لتسليم حمزة من أجل تحسين العلاقات، أبلغته السلطات السودانية بالأمر، وهو وافق على تسليمه لمصر في ذلك الحين.
مشاركة :