بعد مرور قرن ونصف القرن لا يزال الأميركيون يعانون التفرقة العنصرية في بلادهم بسبب اللون والجنس، خصوصا بعد تولي ترامب للحكم. العربحبيب المباركي [نُشرفي2017/01/28، العدد: 10526، ص(7)] يجادل الغارقون في مستنقع الأحلام والرؤى كثيرا بشأن مسائل حسمها التاريخ. مسائل تستبطن أشكالا خرافية من النبيذ المسلط على العقول سواء السياسية أو الفكرية أو حتى المتعلقة منها بالحريات الشخصية. لكن الأشد من ذلك كله أن يعود النقاش مجددا للحديث عن مسائل متعلقة بالجنس واللون والانتماء. وتبدو المسألة في نظر العديد من المحللين مفروغا البحث في أسبابها. لكن الخطابات المشحونة المتكررة للرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وبعدها أعادت النقاش إلى المربع الصفر. الملياردير النيويوركي وفي إطار حملته توعّد بالكثير من الإجراءات الثورية التي ستطال المجتمع الأميركي ووعد بـ”أميركا جديدة”، لكنه في الآن ذاته لم ينكر التصفيات مع من يعتبرهم “خصوم واشنطن”. ما يهمّنا هو المحور المتعلق بظاهرة التمييز العنصري. فقد عرف المجتمع الأميركي ظاهرة التمييز العنصري منذ فترة طويلة واستطاع التكيّف معها ومجاراة نسقها والتعامل مع ما خلّفته في الذاكرة الجمعية للأميركيين من تأثيرات بعد إقرار جملة من القوانين والتشريعات التي حدّت منها نسبيا دون أن تقصي الظاهرة كليا. فقد غذى التطور الحضاري وانفتاح المجتمع الأميركي على العالم، وخصوصا الأوروبي منه السلوك القائم على مقت النزعة الانفصالية بسبب الانتماء أو اللون خصوصا وتجاوزها في الكثير من المراحل. إلا أن المتابع للسيرورة التاريخية للشعب الأميركي يلاحظ أن هذه النزعة ما فتئت تلقى صدى واسعا لدى فئة واسعة من الأميركيين، حيث أنها تبدو جدّ متأصلة في السلوك اليومي للأميركي ونابعة من جذور تكوينه الأولى. انطلاقا من تعريف بسيط لمفهوم العنصرية يمكن القول إنها “سياسة رسمية أساسها التفرقة في المعاملة بين السود والبيض”، وتاريخيا تعود جذور هذه السياسة إلى القرن الماضي وقد عرفت أوجها في المستعمرات الأميركية حينما طرحت مشكلة السود بأكثر عمق. ورغم الوعود التي شحن بها أوباما شرائح واسعة من الأميركيين خلال خوضه للانتخابات الرئاسية وخصوصا من أبناء جلدته، والزيارة التاريخية التي قام بها إلى أفريقيا موطنه الأصلي كأوّل رئيس أميركي يزور القارة السمراء، فإن ذلك لم يشفع له محو أسوأ جرائم من ولايته الرئاسية وقعت ضد السود. حمل أوباما أملا كبيرا للأميركيين من أصول أفريقية في إنهاء ذلك الانقسام العرقي والتاريخي الذي استمرّ عقودا من الزمن، وظنوا أنه جاء لاستكمال مسيرة مارتن لوثر كينغ، أحد أهم الزعماء المدافعين عن الحرية وحقوق الإنسان ونبذ التفرقة بسبب اللون والجنس، وصاحب مقولة، “نحن لا نصنع التاريخ.. بل التاريخ هو الذي يصنعنا.. الفصل العنصري جريمة زنا محرمة بين الظلم والخلود”، إلا أن أحلام الأميركيين سرعان ما تبخّرت، فالسود مازالوا يُقتلون ويعذبون على أيدي الشرطة الأميركية، دون أيّ ذنب سوى أنهم من ذوي البشرة السوداء، في الوقت الذي يكتفي الرئيس الأميركي السابق ببيانات التنديد مطالبا بالمزيد من المراجعات والإصلاحات بشأن هذه الفئة. ويبدو أنه بعد مرور قرن ونصف القرن لا يزال الأميركيون يعانون التفرقة العنصرية في بلادهم بسبب اللون والجنس، خصوصا بعد تولي ترامب للحكم، وهو ما يرسّخ حقيقة حاول الكثيرون مجاراتها والتعامل معها بحيادية، ولكنها أضحت واقعا ملموسا مفاده “أن العنصرية في أميركا آفة يصعب القضاء عليها” وما بالك في عهد رئيس شعاره “أميركا أولا”. كاتب تونسي حبيب المباركي :: مقالات أخرى لـ حبيب المباركي التمييز العنصري في أميركا.. ظاهرة متأصلة أم عنصر تفرقة, 2017/01/28 تونس أول العرب العابرين للدوري الثاني من أمم أفريقيا, 2017/01/25 قليلا من التواضع , 2017/01/24 حدثني عن العقلية في ذكرى رحيل ابن الأفريقي, 2017/01/06 الثورة التونسية.. ست سنوات من الانتكاسة فهل من أمل, 2016/12/20 أرشيف الكاتب
مشاركة :