تكمن خطورة مرض الالتهاب الرئوي في ارتباطه بالجهاز التنفسي الذي يكتسي طابعاً حيوياً خاصاً بالنسبة لصحة الإنسان، حيث إنه المسؤول عن تغذية خلايا وأجهزة وأعضاء وأنسجة الجسم بالأكسحين اللازم للقيام بكل العمليات الحيوية، وأي تقصير في علاج هذا المرض يؤدي إلى تفاقمه وتطوره بصورة كبيرة تجعل حياة الشخص المصاب على المحك. ويعتبر الالتهاب الرئوي من الأمراض الناشئة عن مضاعفات لأمراض بسيطة، خاصة بين الأطفال، وكبار السن، وضعاف المناعة، ويهدد حياة مرضى السكر، والقلب، والسرطان، فكان حتى عهد قريب يؤدي إلى وفاة ما يقرب من 35% من إجمالي المصابين، وذلك قبل التطور الكبير والطفرة التي حدثت في إنتاج الأدوية والمضادات واسعة التأثير التي أصبح لها دور كبير في الحد من زيادة عدد الوفيات وتقلصها، ولكن مازال المرض ضمن قائمة الأمراض المسببة للوفيات، أو تلك التي يسارع فيها المريض إلى دخول المستشفى لتلقي الرعاية الكاملة خوفاً من أي أضرار. تجنب العدوى ويوضح المختصون أن مرض الالتهاب الرئوي ينتج عن عدوى فيروسية أو بكتيرية، ويكون ـ في بعض الحالات ـ بسبب الإصابة ببعض الفطريات، ما يؤدي إلى مهاجمة المرض لإحدى الرئتين أو هما معاً، حيث تدخل هذه الجراثيم والميكروبات وتستقر داخل الحويصلات الهوائية، ثم تتكاثر بكميات كبيرة، ما يجعل الجهاز المناعي يهاجم هذا التكاثر وتنتج عن المعركة مخلفات في صورة سوائل مخاطية، وبلغم، وتقيحات تملأ المنطقة المصابة، فيحاول المصاب طردها بالسعال، والكحة الشديدة. ويصيب هذا المرض الكثير من الأشخاص في الحياة اليومية العادية، خاصة في فصل الشتاء، في الأماكن المزدحمة، كالمدارس، والجامعات، ودور الحضانة، ومراكز رعاية المسنين، والمستشفيات. وتنتقل هذه العدوى عن طريق استنشاق بعض الهواء المحمل بالفيروسات والبكتيريا المسببة للمرض الصادرة من حالات العطاس أو السعال المستمر للمريض المصاب، وفي حالة القرب من المريض المصاب بصورة لصيقة ينتقل أثناء التحدث. إفرازات الأنف والفم ويمكن أن تدخل هذه الجراثيم والميكروبات إلى الرئة أيضاً عن طريق الإفرازات الطبيعية في الأنف والفم أثناء النوم، وعلى الفور يصاب الشخص بنوع من الشرقة المفاجأة، ما يسهل لهذه الفيروسات والبكتيريا عملية الدخول بصورة عادية غير مقصودة إلى الرئة. وسرعان ما تنتاب الشخص حالة من السعال الشديد في محاولة لطرد هذه الكائنات الدقيقة، فيبدأ الجهاز المناعي بالتأهب للقيام بدورة في إفراز أجسام مضادة للقضاء على هذه الجراثيم والميكروبات، لوقاية الشخص من الإصابة بالمرض، كما سجلت بعض الدراسات إصابة حالات قليلة بمرض الالتهاب الرئوي نتيجة التعرض لبعض العناصر والمواد السامة، واستنشاق بخار بعض المواد الكيماوية، التي تحدث تهيّجاً شديداً في الرئة. كما أن دخول جسم غريب بالخطأ عن طريق الجهاز التنفسي يؤدي إلى الإصابة بهذه الالتهابات. البكتيري والفيروسي ويسبب مرض الالتهاب الرئوي العديد من الأعراض التي تختلف من حالة إلى أخرى، حسب شدة المرض وحدّته، والحالة الصحية العامة للمريض، ومدى سلامة الجهاز المناعي لديه، وأيضاً حسب نوع المسبب للمرض. فغالباً ما تكون للالتهاب الرئوي البكتيري أعراضاً أكثر قوة وقسوة من الالتهاب الرئوي الفيروسي. ومن هذه الأعراض الإحساس بأعراض نزلة البرد، والارتفاع الحاد في درجات حرارة الجسم التي تسجل في بعض الحالات أكثر 40 درجة مئوية. وتنتاب الجسم رعشة وارتجاف من الإحساس بالبرد، ويبدأ المريض في السعال الجاف القاسي المصاحب للبلغم، وفي بعض الحالات يكون هذا البلغم مختلطاً بقطرات من الدم. ويصاب المريض بصعوبة في التنفس يشعر معها بألم في عظام القص بالصدر تظهر بوضوح أثناء التنفس بعمق، وتزيد معدلات نبض القلب. ويمكن لهذه الأعراض أن تمتد فترة، وبعدها يحدث تطور للمرض وتزيد حدة الأعراض، فيصبح السعال أكثر حدة وقوة، مع حدوث أوجاع في عضلات الجسم، وإصابة بصداع شديد. وتصل الأعراض في بعض الحالات إلى تحول لون الجلد إلى الأزرق، وهذا دليل على شح الأكسحين الواصل إلى هذه المناطق، ما يؤدي إلى اختناقها وظهور اللون الغامق للجلد. وتتلخص الأعراض الملحوظة عند الأطفال المصابين في ارتفاع درجة الحرارة، ودائماً ما يميلون إلى النعاس نتيجة الضعف الذي أصاب أجسامهم الصغيرة. فئات أكثر إصابة وتكشف الدراسات أن هناك بعضاً من الأشخاص تزيد فرص إصابتهم بمرض الالتهاب الرئوي أكثر من غيرهم، نتيجة عدة عوامل منها ضعف جهاز المناعة بصفة عامة. فالكثير من الناس يحملون هذه الفيروسات والجراثيم المسببة للمرض، دون أن تحدث لهم إصابة بهذا الالتهاب، إلى أن تستغل هذه الميكروبات والجراثيم حالة ضعف جهاز المناعة لهؤلاء الأشخاص نتيجة عوامل كثيرة، منها على سبيل المثال كثرة التدخين، حيث ثبت أن النيكوتين الموجود في السيجارة، أو الشيشة، يعطل عمل الجهاز المناعي أو يضعفه، وبذلك يكون المدخنون، والمدمنون، ومتناولو الخمور، من المعرضين للإصابة بهذا المرض، فضلاً عن بعض الذين يتعاطون أدوية مثبطة للمناعة لأي سبب. فتتسلل هذه الميكروبات إلى الرئة مسبب للإصابة بالالتهاب الرئوي، وينطبق هذا أيضاً على الأطفال الرضع؛ لأن جهاز المناعة لديهم لم يكتمل بصورة كافية تجعله قادراً على مجابهة هذه البكتيريا والفيروسات، فيصابون جراء ذلك ببكتيريا العنقوديات الذهبية، علاوة على كبار السن الذين ضعفت المناعة لديهم. كما أن الأشخاص الذين أصيبوا بهذه الفيروسات منذ فترة حديثة أو قريبة، ترتفع لديهم نسبة الإصابة بهذا المرض، خاصة بعض الحالات التي تعاني الإنهاك والضعف العام للجسم، نتيجة الإصابة ببعض الأمراض الأخرى، مثل مشاكل القلب، وحدوث بعض الجلطات، والأشخاص المصابين بمرض في الرئة، وبعض من يعانون مشاكل في عملية البلع، ومن تنتابهم حالات التشنج وأصحاب النويات العصبية المختلفة، ومن أصيبوا بالسكتة الدماغية، وبعض الحالات التي تفرط في تناول الأدوية وتسيء تعاطي بعض العقاقير. تسمم الدم وتذكر الدراسات أن إهمال معالجة مرض الالتهاب الرئوي وتفاقمه في بعض الحالات، يؤدي إلى الإصابة ببعض المضاعفات الخطيرة، التي منها تسمم الدم. وفي هذه الحالة يصبح هناك خطر ومؤكد على صحة المريض وحياته في حالة زيادة التعفن والتسمم في الدم. كما أن بعض المضاعفات الأخرى قد تصل بالشخص المصاب إلى الفشل التنفسي، وهو عدم حصول الجسم على كفايته من عميلة تبديل غازات الأكسحين، وثاني أكسيد الكربون، أثناء التنفس، وهذه الحالة يمكن أن تكون حادة، وقد تتحول إلى فشل تنفسي مزمن. التغذية والرضاعة وتمكن الوقاية من مرض الالتهاب الرئوي عن طريق التغذية السليمة الصحية، التي تحسن الأداء الدفاعي للأطفال والكبار معاً، مع زيادة المناعة للذين يحتمل إصابتهم بالمرض. كما أن النظافة بصفة عامة، والنظافة الشخصية من غسل اليدين بالصابون جيداً بعد أي مهام، وقبل الأكل وبعده، وتجنب الأشخاص المصابين، والبعد عن مواطن الشبهات بهذا الفيروس أو البكتيريا، والتصدي قدر الإمكان للعوامل البيئية، يمكن أن تساهم في الوقاية منه، هذا فضلاً عن حرص الأم على الرضاعة الطبيعية لطفلها خلال الشهور 6 الأولى على الأقل، لحماية وتقليص فرص احتمالات إصابة الطفل الرضيع بهذا المرض. المضادات الحيوية والراحة ويمكن أن تتماثل أغلب حالات مرضى الالتهاب الرئوي للشفاء من خلال بعض العلاجات الخفيفة، والراحة التامة، دون الحاجة إلى المستشفيات. وفي الحالة الطبيعية يستمر الالتهاب الرئوي من 15 إلى 30 يوماً ثم يختفي تلقائياً. ويقرر الطبيب البنسلين كمضاد حيوي لمساعدة جهاز المناعة على التخلص من المرض، فهو يعطي نتيجة عالية وتحسناً ملحوظاً. ومن أخطر أنواع الالتهابات الرئوية تلك التي تحدث داخل المستشفيات، لأن الجراثيم هناك كونت حصانة ضد المضادات الحيوية، وبالتالي يصعب علاجها. كما أن الالتهاب الرئوي يكون صعباً بالنسبة لكبار السن والأطفال ويحتاج عناية ورعاية خاصة. ضحايا المرض ما زال مرض الالتهاب الرئوي يحتل مرتبة متقدمة في أسباب حدوث الوفيات خاصة لدى الاطفال، حيث اعلنت احدث التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية ان مرض الالتهاب الرئوي حصد أرواح ما يقرب من مليون طفل اصغر من 5 سنوات في عام 2015 من جميع انحاء العالم، أي ان نسبة وفيات الاطفال بهذا المرض وصلت إلى حوالي 16% من اجمالي عدد الوفيات في فئات هذا العمر من الصغار، وذلك على الرغم من توافر الكثير من العلاجات والمضادات الحيوية التي تساعد على الشفاء من هذا المرض، ما يؤشر إلى ان الالتهاب الرئوي يحتاج إلى المزيد من الجهود الطبية ونشر الوعي الصحي حول هذا المرض، ويسبب اضراراً بالغة للطفل ويزعج الأم والأسرة، ومن السهل الوقاية منه باتباع بعض التدابير والطرق والأساليب البسيطة، وعلاجه قبل التفاقم بنوع من الرعاية الصحية المتوفرة وغير المكلفة التي لا تحتاج إلى أجهزة متطورة ذات تقنيات حديثة.
مشاركة :