أشارت ورقة «نقد موقف» للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أنه على الرغم من صعوبة التنبؤ بسياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلا أنها رجحت أن يتعرّض الموقف الأميركي لتغييرات كبيرة إزاء قضايا مثل الاستيطان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والمفاوضات السياسية، وسيكون لذلك تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وعلى العلاقات العربية - الأميركية. وحذر المركز في الوقت ذاته، الدول العربية إن هي تركت قضية فلسطين مرةً أخرى للاستخدام الإيراني، ولا سيما أنّ العلاقات الإيرانية - الأميركية في مرحلة ترمب ستدفع إيران للبحث عن أدوات للصراع.. وإلى نص الورقة: مقدمة مع تولي إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب مقاليد الأمور رسمياً في الولايات المتحدة، يترقّب العالم مقارباته للسياسة الخارجية، خصوصاً أنه لم يقدّم رؤية سياسية خارجية متماسكة، فضلاً عن أنّ مواقفه التي عبّر عنها حتى اليوم، يشوبها كثير من الغموض والمفارقات. ولا يمثل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي استثناءً، فقد سبق لترمب أنّ عبّر عن الموقف ونقيضه مرات عدة؛ فقد اعتبر نفسه الشخص الأكثر تأهيلًا لتحقيق «السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه سيكون «محايداً» بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وفي المقابل أشار إلى أن إسرائيل لا تريد السلام. وبعد ذلك، تبني الأجندة اليمينية الإسرائيلية بالكامل، ووعد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، لكنه يعود ويؤكد أنه سيعمل على تحقيق «سلام» فلسطيني إسرائيلي عبر تعيين زوج ابنته الشاب، جاريد كوشنر، مشرفاً على عملية السلام في الشرق الأوسط. تحاول هذه الورقة تلمّس ما قد تكون عليه سياسة إدارة ترمب نحو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من خلال أربعة ملفات، هي: العلاقة مع إسرائيل، والموقف من المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاستيطان. تودّد الرئيس الأميركي لإسرائيل تشير ورقة «تقدر الموقف» للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنه لا توجد معلومات عن علاقات خاصة ومتميزة جمعت ترمب بإسرائيل، وهو ما بدا واضحاً خلال حملته الانتخابية الرئاسية؛ إذ إن أقصى ما استطاع أن يتودّد به لليهود الأميركيين كانت شهادات تقدير حصل عليها من منظمات صهيونية، مثل صندوق النقد اليهودي الذي أسبغ عليه «جائزة شجرة الحياة» عام 1983، وهي جائزة تمنح «لأفراد تقديراً لخدماتهم المجتمعية وتفانيهم في موضوع الصداقة الأميركية - الإسرائيلية»، وشارك في «احتفال يوم إسرائيل» عام 2004 في نيويورك، كما حصل على شهادة تقديرية مطلع عام 2015 من منظمة صهيونية أميركية محافظة. ويمكن أيضاً الإشارة هنا إلى أن ثمة علاقة خاصة جمعت بين ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، إذ قام بتسجيل فيديو خاص لحضّ الإسرائيليين على دعم حملة ترشّح نتنياهو عام 2013. وتضيف الورقة: غير أنّ علاقة ترمب الخاصة بنتنياهو، وبعض الجوائز التقديرية من منظمات يهودية أميركية وإسرائيلية، لم تترجم إلى مواقف سياسية واضحة في دعم إسرائيل وسياساتها، ما أثار شكوكاً حوله بين اليهود الجمهوريين واليهود الأميركيين عموماً خلال الحملة الانتخابية الرئاسية مع تكراره مراراً أنه «يحب إسرائيل». فقد صرح خلال إحدى المناظرات الانتخابية الجمهورية في فبراير 2015، مثلاً، أنه يريد أن يكون «رجلًا محايدًا» في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي ديسمبر 2015، أثار حنق اليهود الأميركيين مرة أخرى عندما قال إن تحقيق السلام يعتمد على «إن كانت إسرائيل تريد التوصل إلى صفقة أم لا، وإن كانت إسرائيل مستعدة للتضحية ببعض الأشياء أم لا». وتعاظمت شكوك اليهود الأميركيين بترمب عندما تعهّد في الشهر نفسه بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل. غير أن مواقف ترمب من إسرائيل، شهدت تغييراً كبيراً منذ مارس 2016، وذلك عندما ألقى خطاباً أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية «إيباك» في واشنطن، أعلن فيه أنه «في اليوم الذي سأصبح فيه رئيساً، فإن معاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية ستنتهي». كما تعهد بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب «إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، القدس». وأكد ترمب أنه سيجتمع مع نتنياهو في حال انتخابه رئيساً «للعمل معاً على تحقيق الاستقرار والسلام في إسرائيل والمنطقة بأسرها». ومنذ ذلك الحين، انتقل ترمب مباشرة إلى تبني مواقف اليمين الإسرائيلي المتطرف، وثبت في مواقفه وتصريحاته الداعمة لإسرائيل وتوسعها الاستيطاني، وحتى بعد انتخابه رئيساً، فقد أكد أنه ملتزم بوعده نقل السفارة الأميركية إلى القدس. كما خالف التقاليد الأميركية المتعارف عليها، وذلك عندما قام في ديسمبر 2016 بإدانة قرار إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بالامتناع عن نقض قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334 الذي دان التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واعتبر الأراضي المحتلة بعد الرابع من يونيو 1967 أراضي محتلة، وكل المستوطنات التي بنيت فيها غير شرعية. وللتأكيد على أنه ملتزم بوعوده نحو إسرائيل، تحادث ترمب هاتفياً مع نتنياهو بعد يومين من تنصيبه رئيساً، فأكد التزامه بعلاقات وثيقة مع إسرائيل «والتزامه غير المسبوق بأمنها»، ودعاه إلى زيارة البيت الأبيض مطلع فبراير. نقل السفارة إلى القدس لدى تطرقها لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، تقول الورقة: قبل يوم واحد من تنصيبه رئيسا، أكد ترمب أنه سيفي بتعهده بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. ولكن، وبعد تحذيرات من مسؤولين أميركيين ودول حليفة، أوروبية وعربية، من أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفجّر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمنطقة كلها، وتؤثر في المصالح والأمن القومي الأميركي، يبدو أن إدارة ترمب آثرت التريث، وهو ما عبّر عنه الناطق باسم البيت الأبيض، عندما قال إن الإدارة لا تزال «في المراحل الأولى في مناقشة هذا الموضوع». بل ثمة مؤشرات على أن إسرائيل نفسها قد لا تكون متحمسة لهذا الموضوع الآن، لأنها غير مستعدة لتفجّر عنفٍ محتملٍ جراء مثل هذه الخطوة في وقت تريد أن ينصبّ التركيز فيه على احتواء إيران. وحسب مصادر إسرائيلية، فإن نتنياهو لم يسع إلى الضغط على ترمب خلال المحادثة الهاتفية بينهما للحصول على التزام منه بشأن نقل السفارة ولا حتى على جدول زمني لتحقيق ذلك. ومع ذلك، يبدو أن إدارة ترمب جادة في موضوع نقل السفارة، ولكن بخطوات متدرجة للتخفيف من وطأة القرار، خصوصاً أن نقلها لا يمكن أن يتم عمليا قبل الأول من يونيو القادم، لأن أوباما وقع في ديسمبر 2016 التأجيل المعتاد منذ عام 1995 لقرار النقل لمدة ستة أشهر. ومن ضمن الخيارات المطروحة في المرحلة التمهيدية للنقل، أن يعيش السفير في القدس في حين يعمل من السفارة الأميركية في تل أبيب، أو أن يقوم السفير بالعمل من جناح خاص في فندق أو مكتب معين في القنصلية الأميركية في القدس من دون نقل السفارة عملياً. ومع ذلك، فإنه لا يمكن أبداً التكهن بالقرار النهائي الذي سيتخذه ترمب في هذا الصدد. صعوبة التنبؤ بسياساته خلصت ورقة «تقدير الموقف» للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسيات، إلى القول: مع أنه يصعب التنبؤ بسياسات إدارة ترمب، فإنه يبدو واضحاً أنّ الموقف الأميركي من الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي قد يتعرّض لتغييرات كبيرة في موضوعات مثل الاستيطان ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والمفاوضات السياسية، وأن هذا سيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وعلى العلاقات العربية - الأميركية، على المستوى الدولي والشعبي على الأقل؛ إذ بدأت القضية الفلسطينية تعود إلى دائرة الاهتمام، وتجلّى ذلك في قرارات دولية عديدة من منظمة اليونسكو ومجلس الأمن. ويخطئ العرب خطأً فادحاً إذا تجاهلوا المواقف الأميركية الداعمة لليمين الإسرائيلي المتطرف بشأن القدس والمستوطنات، وإذا تركوا قضية فلسطين مرةً أخرى للاستخدام الإيراني، ولا سيما أنّ العلاقات الإيرانية - الأميركية في مرحلة ترمب ستدفع إيران للبحث عن أدوات للصراع.;
مشاركة :