في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المجتمعية المطالبة بتعزيز جهود توطين الوظائف وتتواصل فيه الجهود الرسمية الهادفة لخلق المزيد من فرص العمل للمواطنين، ولا سيما لدى القطاع الخاص، تشهد قبة مجلس الشورى نقاشا محتدما حول تعديلات تقترحها وزارة العمل على نظام العمل. إحدى المواد الأكثر جدلية في التعديل المقترح هي المادة 55 التي تتعلق بالبعد الأكثر أهمية للموظف وهو الأمان الوظيفي، حيث إن المادة في شكلها الحالي تنص على تجديد عقد الموظف السعودي تلقائيا بعد انقضاء 3 سنوات على تعيينه، في حين أن التعديل المطروح للنقاش يستهدف جعل العقد محدد المدة ويخضع للتجديد سنويا بناء على رغبة الطرف الأقوى في العلاقة التعاقدية وهو صاحب العمل. وغني عن القول، فإن نجاح واستمرار العلاقة القانونية بين الطرفين يتوقف إلى حد كبير على تحقيق مصلحة متبادلة لكليهما بحقوق وواجبات متكافئة، فإذا مالت كفة طرف على آخر، اختل توازن تلك العلاقة وزادت فرص تعدي أحد الطرفين على الآخر؛ لذلك فإن الاعتراض على النص المقترح أو التحفظ عليه لا ينطلق من رؤية عاطفية، بل من موقف يغلب مصلحة الوطن وحماية أبنائه ودعم استقراره وأمنه الاجتماعي؛ لأن عدم أخذ هذه الأبعاد في الاعتبار من شأنه تهديد الكثير من تلك المكتسبات. ومن المؤكد، فإن تمرير التعديل بالصيغة المقترحة سوف يضع الموظف السعودي تحت رحمة صاحب العمل ويجعله عرضة لتهديده المستمر ويزيد من فرص استغلال المؤسسات للنظام المعدل من أجل فصل الموظفين تعسفيا، ولأسباب قد تفتقر للموضوعية والعدالة علما بأن النص الحالي للمادة 55 يعطي صاحب العمل الحق في إنهاء العلاقة التعاقدية خلال السنوات الثلاث الأولى. وليس سرا أن مكاتب الفصل في النزاعات العمالية تضج بحالات كثيرة قام فيها أرباب أعمال بالاستغناء عن موظفيهم بإرادة منفردة تفتقر للمسوغات النظامية، أو لأسباب إذعانية كمعاقبتهم على تجرؤهم على المطالبة بحقوقهم التعاقدية أو النظامية التي استلبها أو انتقص منها صاحب العمل مثل اعتراض الموظف على تقييم الأداء أو مقدار الحوافز أوعدم توفير التأمين الطبي أو حجب الزيادة على المرتب أو منع الترقية أو التهميش والإقصاء أو إيقاف التدريب أو عدم صرف بدل العمل خارج الدوام، كما أن هناك حالات تم فصل الموظف فيها على خلفية خلافات شخصية بينه وبين المتنفذين في المؤسسة. كما أعرف شخصيا العديد من أصحاب القضايا العمالية الذين لا تزال قضاياهم منظورة أمام جهات الاختصاص، بعد أن تم الاستغناء عن خدماتهم لرغبة المؤسسة في تعيين موظفين جدد على وظائفهم فقط؛ لأن الجدد أقل كلفة منهم ليخسر المفصولون الامتيازات الوظيفية والمالية التي اكتسبوها عبر سنوات، علما بأن الأعوام الثلاثة الأولى من بدء التعاقد هي فترة أكثر من كافية في تقديري ليتعرف خلالها صاحب العمل على إمكانات الموظف ومدى كفاءته وانضباطه وكشف أي قصور أوخلل يتعلق بأدائه أو حتى بسلوكه الشخصي. ومما لا شك فيه، فإن الغاية النهائية لأي منظومة تشريعية عندما تقوم بالنظر في تحديث الأنظمة لا بد أن تنطلق من الرغبة في معالجة أخطاء في النظام المراد تعديله أو استكمال نواقص فيه، وبالتأكيد فإنه ليس من بين غايات المشرعين إضافة عيوب أو عراقيل على الأنظمة، لذلك فإنني أعتقد أن التعديل المقترح على المادة 55 هو بمثابة خطوة «نظامية» إلى الوراء، عوضا عن أن يكون خطوة في اتجاه زيادة جاذبية بيئات الأعمال الخاصة لاستقطاب المواطنين، وبالتالي التخفيف من الإقبال على القطاع الحكومي المتخم بأكثر من مليون موظف تستقطع مرتباتهم البند الأكبر من ميزانية الدولة. أما إذا كان لا بد من تعديل المادة 55، فإن هناك تصورا من شأنه تحقيق التوازن المنشود بين طرفي العلاقة التعاقدية، بحيث نضمن عدم طغيان الطرف القوي على الضعيف والتصور هو تضمين النظام منح الموظف المفصول تعويضا ماليا تتزايد قيمته طرديا مع الفترة التي أمضاها الموظف في خدمة المؤسسة. تعويض كهذا من شأنه ردع القطاع الخاص عن التمادي في استغلال التعديل المقترح على المادة 55 طالما ستكون له كلفته المالية. وفي الختام، فإنني على ثقة بأن كلا من مجلس الشورى ووزارة العمل سيتوصلان لصيغة قانونية متوازنة من شأنها تشجيع المواطنين على العمل لدى القطاع الخاص وفق شروط وأحكام تكفل حقوق الطرفين وتدعم الاستراتيجية الوطنية لتوطين الوظائف، وفي ذات الوقت توفر مظلة حمائية للطرف الأضعف وهو الموظف السعودي. gbadkook@yahoo.com !!Article.extended.picture_caption!!
مشاركة :