يجر محمود، البائع المتجول، عربته في سوق بنت جبيل، مدينته الجنوبية التي عاد اليها بعد 25 يوما امضاها في سورية يقاتل في صفوف "حزب الله" ضد "مرتزقة" قدموا لاسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، بحسب قوله. ومحمود (50 عاما)، وهو ليس اسمه الحقيقي، واحد من آلاف عناصر الحزب الشيعي القادمين من اوساط مختلفة (بعضهم مزارعون وغيرهم تجار ومعظمهم طلاب) والذين يخوضون في سورية "معركة وجود"، على حد تعبيرهم. ويقول محمود "أمضيت 25 يوما في سورية. حاربت في مناطق عدة (...) عندما طلبوني، تركت عملي وذهبت". ويضيف "انا لا اخافهم. نحن اصحاب قضية، اما هم فقد أتوا من الشيشان واليمن وليبيا لاسقاط نظام بشار الاسد الذي دعمنا في حرب تموز (يوليو) 2006 ضد اسرائيل، وعلينا ان نرد له الجميل"، في اشارة الى الجماعات الاسلامية المتطرفة الناشطة في سورية. ويملك "حزب الله" ترسانة ضخمة من الاسلحة يحصل عليها بشكل رئيسي من ايران، وسورية هي المعبر الوحيد لهذه الاسلحة. ولم يعد عناصر الحزب يترددون في الحديث عن مشاركتهم في المعارك السورية، لا بل يفاخرون بذلك، ولو انهم يرفضون الدخول في تفاصيل الجبهات والاماكن وعديد المقاتلين وقيمة الرواتب التي يتقاضونها. وفي بلدة حدودية مع اسرائيل، تروي فاطمة (46 عاما) المتشحة بعباءة سوداء، ان زوجها قتل السنة الماضية بينما كان يحارب في منطقة القصير في محافظة حمص. على الرغم من ذلك، "ارسلت ابني الاصغر خضر مع العشرات من فتيان قريتنا وبعض القرى المجاورة ليشارك في دورة تدريب تستغرق شهرا كاملا في سفح احد الاودية في لبنان. يجب ان يتعلم كيف يحمل السلاح ليكون مقاتلا مثل والده". خضر في السادسة عشرة من عمره، يجلس عند مدخل منزل العائلة المتواضع غير المكتمل البناء، ويساعد والدته وشقيقه الاكبر وسام، المقاتل هو ايضا في "حزب الله"، في تحضير شتول التبغ لزراعتها. تغطي لحيته النامية حديثاً وجهه، وعيناه تخفيان حزنا عميقا. يرتدي قميصا اسود طويلا يظهر منه طرف مسدس وضعه على جنبه. من عنقه، يتدلى خيط اسود علق فيه صورة لوالده "الشهيد"، وعلى صدره، زر يحمل صورة للأمين العام للحزب حسن نصرالله. ويقول مراسل "فرانس برس" ان بعض الاشخاص وبينهم والد شاب قتل في سورية، ابدوا تململا من "ارسال اولادهم الى الموت"، لكنهم قلة في الوسط الشيعي، وفي اي حال يبقون بعيدين عن وسائل الاعلام. ويروي سكان مناطق شيعية في الجنوب والبقاع (شرق) ان وتيرة التدريب والتجنيد في صفوف "حزب الله" شهدت ارتفاعا بعد بدء الحرب في سورية، وبلغت اوجها العام الماضي، قبل ان تتراجع قبل اشهر، "لان العدد اصبح كافيا"، على حد تعبير احد المقاتلين. الشهر الماضي، كان لا يزال في الامكان رؤية ملصق على ابواب بعض الثانويات في الجنوب يعلن فيه الحزب تنظيم "دورات كشفية" للراغبين. الا ان الملصق كان يحمل صورة شاب باللباس العسكري يتسلق حبالا، ويوحي بتدريبات عسكرية اكثر منها كشفية. ويقول الطالب عبدالله (17 عاما) الذي يستعد للحاق برفاق له يقاتلون في سورية ان "الشباب يرسلون لنا عبر تويتر صور انتصاراتهم في القصير وريف دمشق والسيدة زينب والقلمون. نحن نتحضر للحاق بهم اذا طلب منا ذلك"، مضيفا "اتمنى ان استشهد لان مصيري سيكون الجنة". ويؤكد اسامة (38 عاما) المتحدر من مدينة صور والمقاتل المتفرغ في "حزب الله" منذ العام 2008 بعد ان اقفل مقهى كان يديره، انه لا يخشى الموت. "مستقبل عائلتي مؤمن اذا استشهدت، فالحزب يؤمن تعليم اطفالي والطبابة والملبس". في بعلبك (شرق)، اقامت عائلة حسين حفل عشاء وداعيا له الاسبوع الماضي قبل توجهه الى ايران للخضوع لدورة تدريبية. حسين عازب في الثانية والعشرين، يعرف عن نفسه بأنه "ابن مقاوم ومقاومة"، اذ ان والده مقاتل ووالدته تعمل مع الهيئات النسائية في الحزب. ويشرح الطالب في علم النفس (22 عاما) وهو يتناول طبق الارز واللحم بشهية الى جانب كل افراد العائلة مجتمعين، انه قاتل مع "حزب الله" في محافظة حلب في شمال سورية، وسبق له ان قام بدورات تدريبية في لبنان وخارجه، وسيشارك في ايران في "دورة قيادية". وتقول والدته، وهي تنظر اليه بفخر، "يا ربي اجعله ينال الشهادة، يا رب".
مشاركة :