بالرغم من أن نعمة الأمومة فطرة جبلت عليها المرأة إلا أن الأبوة تختلف تمامًا عن فطرة الأمومة. إذاً إنها فطرة تعوّد - كما يطلق عليها المختصون - بمعنى أن الأم لايمكن لها وإن اتصفت بأي صفة من اللامسؤولية أن تنسى أو تهمل أبناءها بخلاف الرجل وفي ظل المشاغل اليومية الملقاة على عاتقه نراه ينسى أبناءه في زحمة الأيام لا يتودد لهم لا يشعرهم بأهميتهم في حياته وإن انشغل عنهم وما جعلني أكتب اليوم عن الأبوة هي رسالة وردت لي من قارئة تشتكى زوجها وأنه هجر أبناءه دون أدنى مسؤولية، متناسيا الآثار السلبية التى خلفها وراءه وماتحملته من معاناة واضطراب خلّفه هذا البعد بسبب انشغال الأب الدائم دون توضيح الأسباب لأبنائه لإشعارهم بأهميتهم في حياته وفي الحقيقة هي ظاهرة أصبحت منتشرة وتعاني منها كثير من الأسر وباعتقاد كثير من الرجال أن الأبناء ملكية مسجلة في الأوراق الرسمية بأسمائهم دون أن يدركوا أن الإهمال وعدم الاكتراث بهم يمكن أن يحرمه من مشاعرهم وحبهم وإن تظاهروا بعكس ذلك، وكثيرون هم من يعتبرون أن الأبناء ملك لهم وليسوا مطالبين ببذل أدنى جهد للتودد لأبنائهم لأنه أمر مفروغ منه، فهم أبنائهم ويعتبر من المسلمات في حين أن الأبوة هي ممارسة وتعود وحنين وحب واهتمام يزرعه الأب في أبنائه في الصغر ليحصده عندما يبلغ من العمر عتيا لكن مايحدث اليوم هو إهمالهم وإسقاطهم من الحسابات اليومية لكثير من الآباء، وبالتالي فهو حينها يبني في أطفاله مشاعر لايمكن تداركها إن كبر وبمقابل رسالة الزوجة المقهورة استحضرتني وأنا أقرؤها قصة لشاب بريطاني تخرج بدرجة الدكتوراه في عام 2000 وفوجئ بعد تخرجه بيومين أن والداه كانا منفصلين منذ أن كان عمره 15 سنة وقررا عدم إبلاغه ليكمل دراسته وليمارسا مسؤوليتهما كأب وأم راعين رغم الانفصال وهذه قمة الروعة في التفاني والتضحية لأن مايحدث اليوم هو العكس أن الأبناء هم من يضحون بكل مشاعرهم كي لا يحدث الخلاف لا أن يتجاوز الأب والأم مشكلاتهما ويكملا السير بالمركب بأقل الخسائر، وهذا ما نفتقده يوميا من خلال القصص التى ترد إلينا من مشكلات يتخلى فيها الأب عن الأم والأبناء.. وكأن مسؤولية الأبوة مجرد اسم في الأوراق الرسمية وبالمقابل فلا يزال هناك آباء رائعون يعكسون نماذج مذهلة في التضحية ومراعاة نفسية الأبناء، وهؤلاء نرفع لهم القبعة تحية وإجلالا فكانوا آباء رحماء ملتزمين حتى وإن لم يستطعوا الاستمرار في مؤسسة الزواج.
مشاركة :