وسط حملة ترويج ودعوات أطلقتها حكومة تيريزا ماي للالتزام بـ«ثقة الشعب» الذي صوت بـ«نعم» لصالح خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، بدأ البرلمان البريطاني ظهر أمس ماراثونا يستمر على مدار يومين لمناقشة مشروع القانون الذي يهدف إلى السماح للحكومة ببدء مفاوضات «بريكست». وذلك قبل التصويت المتوقع أن يدعم المشروع في اليوم التالي. من جانبه، قال وزير «بريكست» ديفيد ديفيس لدى افتتاح النقاش في مجلس العموم إنه «ليس مشروع قانون لتحديد ما إذا كانت بريطانيا ستخرج أو لا تخرج من الاتحاد الأوروبي، أو كيف ستفعل ذلك. إنه ببساطة تطبيق لقرار متخذ أصلا بعد أن تم اجتياز نقطة اللاعودة». وأضاف ديفيس أن الحكومة لديها «تفويض ديمقراطي واضح» من خلال استفتاء أجري في يونيو (حزيران) الماضي بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتحت عنوان «مشروع قانون للاتحاد الأوروبي (إبلاغ بالخروج)» يطالب هذا النص المقتضب جدا والذي نشر الخميس المنصرم، النواب بـ«تفويض رئيسة الوزراء سلطة إبلاغ الاتحاد الأوروبي، وفق المادة 50 في معاهدته، نية المملكة المتحدة الانسحاب» من التكتل. ويتضمن النقاش الذي انطلق أمس ويكتمل اليوم النص من قبل النواب في مجلس العموم، على أن يتواصل النقاش لثلاثة أيام أخرى في السادس والسابع والثامن من شباط فبراير (شباط) قبل التصويت. والنص قصير ويمكن نظريا أن تتم المصادقة عليه بسرعة كما ترغب السلطة التنفيذية. لكنه أدى إلى تقديم «خمسة تعديلات مبررة» تهدف إلى نسف مشروع القانون، وذلك حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية أمس. وكانت رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماي تعهدت ببدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية مارس (آذار)، وتنوي تنفيذ هذا الجدول الزمني، بعد استفتاء 23 يونيو الذي قرر فيه البريطانيون مغادرة الاتحاد. من جانبها، ذكرت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية أن النواب المحافظين تلقوا توجيهات بالبقاء حتى منتصف الليل، الوقت المحدد لإنهاء مناقشات الثلاثاء، لتجنب استغلال البرلمانيين المؤيدين للبقاء في الاتحاد غياب نصف الأعضاء للموافقة على أي من طلبات التعديل. وفي اثنين من طلبات التعديل هذه التي يمكن الاطلاع عليها على الموقع الإلكتروني للبرلمان، يدعو النواب الذين تقدموا بها إلى عدم مناقشة المشروع لأنه «لا يضمن خصوصا انتماء المملكة المتحدة في المستقبل إلى السوق الموحدة» الأوروبية. ويرفض نواب في طلب تعديل آخر دراسة النص لأن برلمانات المقاطعات لن تتم استشارتها بشأن تفعيل المادة 50. ويدعو نواب آخرون في طلب منفصل إلى الأمر نفسه في غياب «كتاب أبيض» يوضح استراتيجية رئيسة الوزراء تيريزا ماي. وكانت ماي قبلت الأسبوع الماضي بنشر هذه الوثيقة التي ستكون مستوحاة من الخطاب الذي ألقته في 17 يناير (كانون الثاني) الحالي ودافعت فيه عن انفصال «واضح» عن الاتحاد الأوروبي، ما يعني الخروج من السوق الموحدة بهدف ضبط الحركة عبر حدود البلاد. لكنها رفضت تحديد موعد لنشر هذا «الكتاب الأبيض» على الرغم من إصرار زعيم المعارضة العمالية جيرمي كوربن على ذلك. وتتمتع طلبات التعديل هذه بفرص ضئيلة للنجاح؛ إذ إن حزب المحافظين يتمتع بأغلبية ضئيلة في مجلس العموم، بينما وعد الأعضاء العماليون الذين يمثلون أكبر أحزاب المعارضة بعدم عرقلة مشروع القانون. وحيال حزب عمالي منقسم حول هذه المسألة هدد زعيمه جيرمي كوربن باستبعاد من مناصب مسؤولة في الحزب أي نائب لن يصوت لصالح مشروع القانون، وهي مجازفة أعرب عدد من البرلمانيين عن استعدادهم للقيام بها، في اختبار لسلطته. وحسبما نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أمس، فمن المتوقع أن يقوم البرلمانيون عن الحزب الوطني الاسكوتلندي بجميع المحاولات لوقف قرار الحكومة. ويذكر أنه قد حاول أعضاء من الحزب في السابق تعطيل القرار. إلا أن هناك ستين صفحة من التعديلات التي قدمت بهدف توضيح النص ويفترض أن تناقش الأسبوع المقبل. وهي تهدف خصوصا إلى إلزام الحكومة بالخضوع للمساءلة أمام البرلمان بشكل منتظم. بعد ذلك سيقدم المشروع إلى مجلس اللوردات (المجلس الأعلى للبرلمان)، حيث يمكن أن تطرح تعديلات جديدة قبل عرضه على الملكة إليزابيث الثانية للحصول على الموافقة الملكية. ويأتي مشروع القانون هذا بعد قرار المحكمة العليا إجبار الحكومة على الحصول على موافقة البرلمان لتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، الخطوة التي ستطلق مفاوضات خروج المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي. وذكرت صحيفة «ذي تايمز» أن الحكومة طلبت من مجلس اللوردات الموافقة على النص في السابع من مارس، ما يمهد لبدء المفاوضات اعتبارا من التاسع من الشهر ذاته خلال اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل.
مشاركة :