التأمل والأفكار المجنونة

  • 2/2/2017
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

حين أنقطع إلى التأمل في الأشياء من حولي، أدرك أن الفكرة تقاتل فيَّ الجاهلي بلا هوادة، وتسعى إلى خلق وسيلة ما لهدم ما نطلق عليه قناعات أو مسلمات أو ثوابت، لها ارتباط وثيق بإيقاع الحياتي واليومي، وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نتصادم نفسيا وثقافيا مع الأفكار التي تبدو لأول وهلة أفكارا مجنونة، ولا مجال للتصالح معها، وهو ما يبدو لأول وهلة على الدوام، كردة فعل طبيعية على كل جديد، يقتحم اعتيادك الحياتي وترتيبه. في الواقع، ليس مهما أن أصر على مسألة الالتقاء الحتمي مع كل فكرة، لكن المهم عندي يتمثل في استمرارية زخم المطاردة بيننا، حتى لا يقتلني الجاهلي أو تراودني مشاعر الكراهية له، بل يجب أن أراه دائما على النحو الذي أستمد من خلال محاولته السلبية للتغيير، وتحويلها إلى طرق معرفية لإنتاج الفكرة الإيجابية، لأتخلص من قسوة النهاية التي يريدها بجهله. إذ لا شيء يجعلنا نكبر أكثر من التفكير، لأنه في الأصل لا توجد فكرة غير منتجة، والأفضل ألا نشعر يوما بأن فكرتنا فاشلة أو عديمة القيمة والجدوى مهما بلغ حجمها. فالتحكم الهائل الذي بلغه الإنسان في نظام الجينات الوراثية بدأ بفكرة، على الرغم من أن نتائجها تعطي دلالات ومؤشرات عن خطر عظيم، قد تدفع البشرية جمعاء ثمنه الباهظ في المستقبل. وأتذكر بعض الأفكار المدمرة التي جاءت في تقرير تم بثه على قناة MBC العام الماضي، سرد فيه أسوأ 10 أفكار مدمرة، كنا قريبين جدا من تنفيذ بعضها، أولاها حينما أمر ستالين زعيم الاتحاد السوفيتي بتنفيذ فكرة مجنونة لتطوير جنود نصف بشر ونصف قرود، عبر إخصاب أنثى شمبانزي بنطفة بشرية، بهدف إنتاج نسل يجمع بين ذكاء الإنسان وقوة القردة، لكنها باءت بالفشل. كما كانت نظرية داروين المسماة بـ"عملية الاصطفاء الطبيعي العمياء" غير معلومة الكيف، وانطلقت عبر فكرة أنتجها التأمل في الطبيعة، وباتت الآن شبه معلومة يتداولها الإنسان، بل وعلى دراية كبيرة بالكيفية التي تتم بها تلك العملية، حتى أصبح يتحكم في توجيه كثير من نتائجها، لكن المستقبل قد يكون مدمرا أيضا بقدر أكبر مما يبشر به ذلك التحكم، خاصة إذا ما وقع هذا التحكم في قبضة الشر. أمثلة كثيرة للفكرة المجنونة حاول الإنسان تطبيقها على أرض الواقع في مجالات لا حصر لها، كالتقنية التي تعتبر أكثر الأشياء سهولة وعرضة للتدمير، فقد أجرت أميركا عام 1962، تجربة لتعطيل الدارات الإلكترونية للصواريخ فور إطلاقها، فقامت بتفجير قنبلة هيدروجينية على بعد أكثر من 2000 كلم من مدينة هاواي في السماء، مما أعطب ثلث الأقمار الصناعية للأرض. وفي المجال السياسي تكثر الأفكار السلبية التدميرية البشعة، وتعود إحدى أفكارها المجنونة إلى عزم الأميركان القيام بتفجير نووي في الجانب المظلم من القمر، لإنتاج هالة ضوئية كبيرة، بغية إخافة العدو اللدود الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة التي استمرت عقودا بينهما! وفي الاقتصاد، الحقل الأكثر بحثا عن الأفكار الإنتاجية والخطط التسويقية، تكثر الأمثلة، ومنها تلك التي جاءت إحداها خبيثة عديمة الإنسانية عبر تطوير فطر يسمى Magnaporthe grisea، وهو أخطر أنواع الفطر التي تقضي على محاصيل الأرز والقمح، وقد حاولت أميركا استخدامه سلاحا ضد الأعداء لضربهم اقتصاديا وتجويعهم وإجبارهم على الاستسلام، ولو أنها استخدمت لكانت تهديدا خطيرا على الأمن الغذائي العالمي. الأفكار في الواقع مكون رئيسي لشكل الحلم الذي يسعى إليه صاحبه، ولا يمكن إيقاف السلبي منها إلا عبر رفع معدلات الوعي الإنساني، والتأكيد على مصير الجنس البشري، والتحول في التفكير إلى جوانب إيجابية، تبحث في كيفية إطالة رفع معدلات عمره، وتعويض أعضائه المفقودة، والقضاء على الفقر، والفيروسات القاتلة التي تهدد استمرار بقائه على الأرض.

مشاركة :