تحالف أميركا-أوروبا لم يعد ينظر إلى العالم من العدسة نفسها منذ الإعلان عن فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية توجه الاهتمام نحو أوروبا، حيث تأكد أن البركسيت لم يكن مجرد قرار بريطاني نبع عن مواطنين غاضبين على المهاجرين الذين يزاحمونهم في أعمالهم؛ فقد أكد فوز ترامب أن العالم يعيش على وقع موجة جديدة ستؤثر فيه بشكل كبير، والتاريخ يسجل مواقف موجات مشابهة كصعود الشيوعية والاشتراكية والنزعات النازية والفاشية، ثم انهيارها، وعلى غرار هذه الأحداث، ستكون أوروبا في قلب هذا التغيير وأميركا المحرك له. العربملهم الملائكة [نُشرفي2017/02/02، العدد: 10531، ص(6)] هوفر يتطلع إلى لوبان لتدارك خسارة اليمين في النمسا بون (ألمانيا) - استهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأيام المئة الأولى من ولايته بعاصفة خلافات مع أقرب حلفائه، وتحديدا أوروبا، التي رأت في فوز ترامب في الانتخابات مقدّمة لتقدم القوى الشعبوية اليمينية في بلدانها، وهو ما قد يصبح قطيعة سياسية بين القارتين. بركسيت أول القطر المخيف حين جرى الاستفتاء في بريطانيا على خيار بركسيت في مارس 2016 تعجّب غير المطلعين من هذا الخيار. وقال الكثير من المتفائلين إنّ الاستفتاء لن يقود إلى شيء لأنّ البريطانيين لن يغادروا الإجماع الأوروبي، لكنّ نتائج الاستفتاء جاءت صاعقة، فبريطانيا اختارت مغادرة التكتل الأوروبي وهو خيار وجه ضربة لسياسة الوحدة التي اتبعتها دول الاتحاد الكبرى. جاءت نتائج الاستفتاء كدليل ملموس وحاسم على تفوق التيار الشعبوي في بريطانيا، التي هي مهد التنوع. من هنا كان بركسيت ناقوس خطر لم يعره الكثير من الساسة اهتماما، إلا أنّ فوز ترامب الذي فاجأ النخب السياسية وأجهزة الإعلام الكبرى أعاد قرع هذا الناقوس بصوت يصم الآذان. كانت رئيسة الحكومة البريطانية بعد بركسيت تيريزا ماي أول زعيم أوروبي يصل إلى الولايات المتحدة الأميركية لتهنئة دونالد ترامب بالفوز، وتعزيز التعاون معه لرسم سياسة العالم الجديد. وقال ترامب وهو يمسك بذراعها إنّ “بركسيت سيكون شيئا عظيما”، مذكّرا أنّ والدته ولدت في إسكتلندا، وهو وصف وتصرف يقصد بهما تعزيز الوحدة الأنغلو ساكسونية في أوروبا وأميركا. ويبدو أنّ هذا الفوز تسونامي سيطيح بثوابت السياسة الأوروبية كما حدث مطلع القرن العشرين عشية الحرب العالمية الأولى، حيث هزت الانتصارات الشيوعية المتلاحقة وما أعقبها من انتصارات التيارات الاشتراكية والوطنية الأوروبية في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا عروش السياسة التي كانت مستقرة منذ مرحلة ما بعد الثورة الفرنسية والوحدة الألمانية والاتحاد الإيطالي. وأدت تلك الانتصارات إلى تقدم التيار الشعبوي بشكل ساحق إلى واجهة المشهد، وهو ما ذكّرت به مقالة نشرتها مجلة تسايت الألمانية في عددها الصادر يوم 26 يناير 2017. لا ترى النخب الأوروبية في ترامب سياسيا ينافس إنجازاتها، وكذلك منابر الإعلام الأوروبية الكبرى، لكن يبدو أنّ 63 مليون ناخب أميركي لا يتفقون مع رأي النخب الأوروبية ويرون في ترامب تعبيرا عن آمال الشعبويين، وهم الخاسر الأكبر في عصر العولمة. في ألمانيا، يهدد حزب البديل لأجل ألمانيا باكتساح صناديق الأصوات في الانتخابات، ويحقق كل يوم فوزا جديدا مستغلا مخاوف الألمان من اجتياح اللاجئين لبلدهم. حزب البديل لأجل ألمانيا يهدد باكتساح صناديق الانتخابات مستغلا مخاوف الألمان من اجتياح اللاجئين لبلدهم ويسلط الإعلام الضوء على اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط فحسب باعتبارهم أخطر تهديد لألمانيا التي قبلت نحو مليون ونصف مليون لاجئ منهم حتى الآن، لكنّ الهجرة الكبرى ما برحت تتراءى من أميركا اللاتينية ومن دول آسيوية ومن دول أوروبا الشرقية، وكل هذا يثير قشعريرة الألمان وهم يرون رفاه بلدهم وخدماته المتفوقة وسياسته الاشتراكية برداء مسيحي توشك أن تنهار، لذا فإنّ الزعيمة اليمينية فراوكه بيتري ما فتئت تتكلم بصوت عال متحدية الحزبين الكبيرين في ألمانيا (الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي)، علما أنّ إحصاءات غير رسمية تتحدث عن 18 مليون إنسان من أصول غير جرمانية يعملون ويقيمون في ألمانيا، نصفهم تقريبا وأبناؤهم يحملون الجنسية الألمانية. في فرنسا كانت زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن في طليعة الساسة الأوروبيين الذين هنأوا ترامب بالفوز، ولا أحد يدري أين ستكون لوبن في انتخابات مارس المقبلة حيث يتنافس ساركوزي وجوبيه على الرئاسة الفرنسية في صراع يشبه كثيرا صراع هيلاري كلينتون/ دونالد ترامب. الاستفتاء على الإصلاح الدستوري التشريعي الذي غامر رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي بمستقبله السياسي في سبيل تحقيقه، نتج عنه انهيار مريع لخطط النخب السياسية الإيطالية، فقد صوّت 60 بالمئة من الإيطاليين ضد الإصلاح، وهو ما يعني فوزا محققا لأصدقاء مارين لوبن الشعبويين المعارضين للاتحاد الأوروبي ولمنطقة اليورو ولسياسة الانفتاح الديمقراطي التي تخوضها أوروبا منذ أكثر من عقدين بلا وجل رغم النيران والعواصف التي تحيق بها. صوتت اليونان قبل عامين ضد مذكرة الإصلاح التي طالبت بها النخب السياسية في الاتحاد الأوروبي، ورعتها بالخصوص المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رغبة في إنقاذ اقتصاد اليونان المترنح والمحافظة على البلد الذي صنع تاريخ أوروبا القديمة وإبقائه عضوا في الاتحاد، لكنّ التيار الشعبوي كان أقوى وقاد التصويت إلى “لا” كبيرة ضد الجهد الأوروبي للوحدة. بعد فوز ترامب، كتب الصحافي اليوناني فيليب كريسوبولوس “على الإغريق أن يصدقوا ما قاله المستشار الأميركي- اليوناني للتحالف الوطني الداعم للتنوع في حملة ترامب الانتخابية كريستوس مارافاتسوس بإعلانه أنّ أغلب الجالية الأميركية اليونانية تدعم ترامب لأنّه رجل أفعال وليس رجل أقوال”. خلال الحملة الانتخابية أعلن كريستوس مارافاتسوس بلا لبس أنّ ترامب سيدعم موقف “الشعب” اليوناني دافعا بصندوق النقد الدولي وبالاتحاد الأوروبي إلى تقديم المساعدة بلا حدود لليونان التي تئن تحت نير الأزمة الاقتصادية الخانقة، متناسيا أنّ الأزمة سببها التهرب الضريبي والفساد الإداري الذي ينخر جسد الدولة في هذا البلد. اليمين الشعبوي غرب أوروبا في هولندا وعموم الأراضي المنخفضة أقصى غرب أوروبا تتعاظم شعبية خيرت فيلدرز. وبعد فوز ترامب وصفت الصحافة الهولندي فيلدرز بأنه “دونالد ترامب الهولندي” بسبب خطابه الشعبوي الموجه ضد المهاجرين عموما وضد المغاربة خصوصا. ويكشف صعود هذه الشخصية المثيرة للجدل أنّ الكثير من الهولنديين يملكون رأيا آخر بشأن التيار الشعبوي، وهو رأي يعزز قوة اليمين في أوروبا الذي يعززه اعتلاء دونالد ترامب أعلى هرم السياسة الأميركية. هؤلاء ليسوا أعداء لبلدهم، ولكنهم يختلفون في الرؤية مع النخب السياسية، وهذا الاختلاف في الرؤى هو المخيف في الموضوع، لا سيما أن خيرت فيلدرز سيخوض الانتخابات المقبلة في هولندا وتشير التوقعات إلى فوزه الساحق. روسيا الاتحادية تبدو كأنها تغرد مع سرب دونالد ترامب ما دام السرب يطير وفق هواها، فقد أعلن مصدر في إدارة الرئيس بوتين أنّ منع ترامب المسلمين من الهجرة إلى أميركا “شأن داخلي يخص الأميركيين ولا نريد التدخل فيه”، فيما مضت صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر في 6 يناير 2017 قبل تولي ترامب مهام منصبه بأيام إلى القول “إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو من أمر شخصيا بالتدخل في الانتخابات الأميركية وجعل أصواتها تميل لصالح دونالد ترامب”، ناسبة الكلام إلى تقارير وكالات الأمن والمخابرات الأميركية. كاتب من العراق :: اقرأ أيضاً تكنولوجيا الفضاء صناعة المستقبل القادمة تغييرات على ضفاف إيست ريفر.. الآذان المترصدة لمكالمات الرئيس في مصر: خلل أمني أم لعبة استخباراتية
مشاركة :