كان من المتوقع للفيلم الأمريكي الألماني "سارقة الكتب" The Book Thief والمقتبس من الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للروائي الأسترالي ماركوس زوساك، أن يحقق نجاحاً كبيراً في عام 2013، وهو ما لم يحدث. والحقيقة أن مشاهدة هذا الفيلم تحرض على التساؤل التالي: ما هي معادلة صناعة فيلم متميز فنياً؟. وهل اقتباس عمل أدبي ناجح وطاقم تمثيل جيد وصورة متميزة كافية أم أن المسألة أبعد من ذلك؟. بداية كان من الواضح الاقتباس الأدبي في التعليق الصوتي الذي أعاد إلى الأذهان أفلام الثلاثينيات والأربعينيات، فالفيلم يبدأ بصوت الموت (قام بالتعليق الصوتي روجر ألام) وهو يروي الأحداث من منظوره، ويتناول الحياة في ألمانيا من عام 1938 أي بعد خمس سنوات من حكم الحزب النازي بقيادة هتلر وحتى عام 1945 من خلال الأحداث التي تمر بها الطفلة ليزل ميمينجر (قامت بدورها الممثلة الكندية صوفي نيليس). منذ بداية الفيلم نعرف أننا أمام تصوير جميل جداً وممتع، فالمشهد الأول ندخل عالم الفيلم من خلال الغيوم وكأننا في عالم ميتافيزيقي ننظر إلى الشخصيات من بعيد يرافقنا صوت التعليق لكنه كان يختفي فنقترب من الشخصيات ثم يعود فنبتعد عنها مرة أخرى وهو ما أدى إلى ارتباك في النظر إلى الأحداث. ولو أن كاتب السيناريو استغنى عن هذا الصوت في الفيلم لكان أفضل، فوجود الراوي حيلة روائية جيدة إلا أنه لم يكن مناسباً للفيلم وقد شكل إحدى نقاط ضعفه الرئيسية. نرى في المشاهد الأولى ليزل وهي في القطار مع أمها وأخيها الصغير، ثم تكتشف الأم أثناء الرحلة موت صغيرها. أثناء دفن أخيها، تقوم ليزيل بإخفاء كتاب وقع من يد أحدهم وتحتفظ به. بعدها تتوقف سيارة تقلها إلى قرية أخرى حيث تجد بانتظارها هانس (جيفوري رش) وروزا (إيميلي واتسون) وقد كانوا بانتظار الأخ وأخته لتبنيهم. تعترض روزا بأن التبني كان مشروطاً للاثنين، وتتردد في المضي قدماً في موضوع التبني، لكن زوجها هانس ينجح في كسب ود ليزل وتقبل روزا صاغرة بتبني البنت فقط. في البداية تبدو روزا باردة وقاسية ولكننا تدريجيا نفهم أنها طيبة جداً ولكنها تحب أن تبدي هذا الوجه من الصرامة وقد أدت واتسون هذا الدور باقتدار كبير. تذهب ليزل للمدرسة فيضحك عليها التلاميذ لأنها لا تعرف القراءة ولكن أبوها بالتبني يعلمها القراءة بصبر وأناة. تتعلق ليزل بالكتب بشكل غريب، وتحزن على حرق الكتب العلني من قبل النازيين وتردد الأناشيد المدرسية مع حركة هتلر للشباب، ثم تعتريها مشاعر الغضب من النظام وكره هتلر تحديداً بعد أن تعرف أنها قد لا ترى أمها في يوم من الأيام لأنها شيوعية وتعتبر من أعداء النظام، وتعيش حالة الخوف والقلق بشكل أكبر بعد أن يلجأ ابن صديق والدها بالتبني إليهم خوفاً من القبض عليه وإرساله إلى معسكرات الاعتقال. ولكن ما يعين ليزل على تحمل كل هذه الأزمات التي تمر بها أمران: الكتب، حيث تتشكل من خلالها علاقاتها مع الآخرين، وصحبة ابن الجيران رودي (نيكو ليرش)، فقد كانت هذه الصحبة هي أول ما خفف من وطأة انتقالها إلى عائلة لا تعرفها ثم ساعدتها على تحمل مصاعب الحياة في ظل حكم النازي المرعب. كان من جوانب قوة الفيلم الأداء الجيد وخاصة من الكندية نيلس والصبي ليرش والرائعين إيملي واتسون وجيفوري رش، إضافة إلى الصورة الخلابة والمونتاج الجيد والموسيقى الجميلة. لكن الفيلم اهتم بالجماليات على حساب المصداقية واللمسة الواقعية مما جعل التفاعل مع القصة محدوداً، فعلى سبيل المثال كنا نشاهد الملابس الجميلة لطالبة من عائلة بسيطة لم تعد تجد النقود الكافية للأكل، كما كانت الجثث تظهر مرتبة ونظيفة من تحت الأنقاض، بل حتى الأنقاض مرتبة بشكل جميل. كذلك فإن عالم الفيلم تم التطرق إليه كثيراً ولم يكن يحمل شيئاً جديداً في موضوعه أو في معالجته للأحداث. يمكن القول إن فيلم "سارقة الكتب" الذي أخرجه برايان بيرسيفال وكتب السيناريو المقتبس له مايكل بيتروني، مثال آخر على أن العمل الأدبي الناجح لا يصنع بالضرورة عملاً سينمائياً جيداً، إن غابت اللغة السينمائية عن النص وغابت رؤية إخراجية قادرة على إدراك هفوات النص الموجودة وتفاديها.
مشاركة :