المرأة العاقر أمّ مثالية وزوجة رومانسية سماح بن عبادة كثيرات هن النساء اللاتي حرمن من نعمة الإنجاب، وحرمن من الأمومة لكن فيزيولوجيا فقط. وعندما تحرم المرأة من الإنجاب فإن مؤسسات كثيرة تهدم في حياتها مؤسسة الذات والأحلام الوردية ومؤسسة الأنوثة وأخيرا مؤسسة الأسرة التي حلمت بتكوينها. المرأة تكون لديها حساسية مضاعفة من العقم برأيي لأنها هي التي تحمل الجنين وترضعه عندما يولد. لا أحد في مجتمعنا لم يعرف امرأة عاقرا خاصة بعد تزايد حالات العقم في الدول العربية. لكن من يعرفهن عن قرب وتربيه إحداهن يتكون لديه انطباع وصورة مختلفين عن تلك النظرة التي ينظر بها إليهن المجتمع وهن أكثر من تعانين من نظرة مجتمعية دونية. شخصيا ربتني امرأة عاقر هي في نفس مرتبة أمي وهي عمتي أيضا ولمدة سبع سنوات تعرفت معها على الوجه الآخر للمرأة العاقر. هي امرأة يعاملها المقربون بقسوة وكأنهم يقتصون منها لأنها لم تنجب ويعتبرون أنوثتها منقوصة. ويتجنب الرجال الارتباط بها إن طُلّقت لأنه في أغلب الحالات يطلق الرجل المرأة التي لم تنجب ليتزوج بأخرى تنجب. وحتى داخل أسرتها كثيرا ما يتم تجاهلها وعن الميراث فحدّث ولا حرج فهي في نظر إخوتها لا يجب أن ترث أرزاق العائلة لأنها ليس لديها أبناء. إذن في المحصلة تجد أغلبية النساء العاقرات أنفسهن منبوذات وتعانين الظلم والازدراء والتجاهل رغم أن الجميع يدرك أن لا ذنب لهن في العقم. هذه المعاملة والجفاف والقسوة من الأسرة والمجتمع وخاصة من الرجل تزيد وضع المرأة العاقر سوءا؛ فهي تعاني من تداعيات عقمها نفسيا وجسديا وتضاف إليها معاناة من الآخر تصل إلى حد الإيذاء. تتكون لدى هذه المرأة عقد نفسية متعددة وتظهر للناس في صور مختلفة عن باقي النساء وفي أغلب الحالات تكون إما بمظهر قاس وطبع حاد أو تكون قابلة لصورة الاستضعاف وتبدو في هيئة المرأة الضعيفة المسكينة أو تكون لا مبالية زاهدة في الحياة. العاقر هي إنسان عادي جدا وببساطة ابتلاها الله بعدم الإنجاب مثلما يبتلي أيّ إنسان بأيّ نوع من الأمراض، لكن العقلية الذكورية التي تختزل المرأة في الإنجاب وتعتبرها ماكينة خلقها الله لتضمن تكاثر البشرية تزدريها وتنظر لها بعلوية على أنها ناقصة. في الواقع هؤلاء النساء عندما تعيش معهن تدرك أنهن قادرات على أن يكنّ أمهات مثاليات ولعل ذلك يرجع لشعورهن بالحرمان من الأمومة فيكون لديهن فائض من الحنان والحب مع الطفل يفوق في بعض الأحيان ذلك الذي تكتسبه الأم البيولوجية. هذا ما استنتجته وما توصل إليه كثيرون ممن عرفت من الذين كانت لديهم تجارب مع نساء عاقرات سواء كمربيات أو كأحد أفراد العائلة. تجربتي الشخصية جعلتني أنتبه إلى أن النساء العاقرات يكدن يمثلن فئة من المجتمع فريدة ومنفصلة عن باقي مكوناته وهن من النساء المنسيات. وفي أغلب الحالات يعشن عزلة ووحدة خانقتين وينساهن المحيطون بهن. أستذكر أن عمتي كانت تعيش هذه الحالة من الوحدة ونادرا ما يزورها إخوتها وأقاربها. ورسخت في ذهني صورة لها وهي في آخر أيامها في المستشفى وكانت النسوة اللاتي يتقاسمن معها الغرفة تمتلئ عليهن الغرفة في أوقات الزيارة بأبنائهن وأحفادهن وأزواج البنات وزوجات الأولاد. أما هي فكانت تضع يدها على خدها وتنظر إلى المشهد بألم وحسرة ولا أسمع منها إلا التنهيد والأنين، وكانت تحاول إخفاء هذا الشعور عليّ تعانقني وتقول لي أنت ابنتي وعيناها مليئتان ألما. علمت أنها لم تنجح في إخفاء هذا الشعور بالحرمان عليّ فقالت لي هل ترين كيف يحيط بهن أبناؤهن؟ هل رأيت كيف يهرعون إليهن وكلهم خوف واشتياق ولهفة؟ عليك أن تتزوجي وتنجبي أبناء كثرا لكي تجدي من يعيلك عند الكبر وعندما تصبحين عاجزة، ثم تردف مواسية نفسها الحمدلله لديّ أنت تزورينني وتشعرين بألمي وكأنها تخفف عني لأنها تتحسر على إنجاب الأبناء في وجودي. كانت امرأة قوية الشخصية إلى حد الجموح، إلى درجة أنها قبل وفاتها بسنوات وبعد أن افتك منها أقاربها كل الأطفال الذين ربتهم قررت أن تقنع زوجها بأن يطلقها ويتزوج بأخرى لكي ينجب أبناء. تحدّت الجميع وأرادت من فرط حبها له أن تجنبه مشاعرها بالحرمان والقهر والوحدة في الكبر. هذه الخطوة لم ينظر لها محيطهما العائلي والمجتمعي على أنها خطوة نبيلة من زوجة لم ترد إلا الخير للرجل الذي أمضت معه أكثر من ثلاثين عاما زواجا ولم يعتبروها تضحية في سبيل إسعاده بل سخروا منها وقيل إنها زوجت طليقها وكأنها تزوج ابنها لتكون لديها كنة مثل باقي النسوة. تعاليق تنمّ عن مجتمع مريض يفرح للرجل بتجديد حياته ويأبى الاعتراف بقيمة التضحية التي تبذلها المرأة لأجل سعادته ومستقبله. هذه المرأة رأيت فيها من القوة ما لم أره في الرجال وهي في الوقت ذاته على ما تبدو عليه من قسوة تخفي قلبا رقيقا مليئا بالحنان والحب والعطف. هي أمّ مثالية كانت تجيد اختيار الوقت المناسب لتظهر حزمها وشدتها عندما تتطلب تربية الطفل ذلك كما تجيد اختيار الوقت المناسب لتظهر حبها ودعمها وحنانها. المرأة العاقر ليست فقط أمّا مثالية بل هي زوجة مثالية أيضا خصوصا في حال كان زوجها يعاملها برفق واحترام وحب ولا يعتبر عقمها نقصا ولا يدينها بسببه، فهي وكأنما تحاول أن تعوّضه النقص والفراغ الذي يعيشه بدون أبناء، وكأن الحنان الذي لم تنجب أطفالا لتمنحهم إياه تقدمه لزوجها بسخاء فتكون عاطفية ورومانسية معه تسعى دوما لإرضائه ولاحتوائه بعاطفتها وتفهمها، لكنّ أغلب الرجال لا يتفطنون لهذا الجانب ويفضلون تطليقها. صحافية من تونس سراب/12
مشاركة :