عكَسَ كشْف الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط امس «أوراقه» رسمياً في ما خص قانون الانتخاب وفق معادلة «الستين (او قانون الدوحة النافذ حالياً) معدَّلاً او تطبيق اتفاق الطائف»، استمرار الأفق المسدود أمام اي اختراقٍ وشيك في هذا الملف الذي أدخل البلاد في مناخ مواجهةٍ سياسية يُخشى ان تشكّل «عود الثقاب» الداخلي لـ «حرق» التسوية التي كانت أنهت قبل نحو 100 يوم الفراغ الرئاسي وأعادتْ الانتظام الى عمل المؤسسات، وذلك على وهج خلط الأوراق الكبير في المنطقة الذي أحدثه وضْع العلاقات الأميركية - الإيرانية على خط «التوتر العالي» ونية إدارة الرئيس دونالد ترامب «تقليم أظافر» طهران ومشروعها التوسعي الذي يُعتبر «حزب الله» رأس حربةٍ فيه. وكادت مواقف جنبلاط ان تحجب الأنظار عن مهمة وزير الدولة لشؤون الخليج العربي في وزارة الخارجية السعودية ثامر السبهان في بيروت التي وصل اليها امس، في اول زيارةٍ رسمية لمسؤول سعودي رفيع منذ محادثات الرئيس ميشال عون في المملكة قبل نحو شهر. وقد حمل موقف الزعيم الدرزي الذي أطلقه في المؤتمر العام الـ 47 لـ «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي انعقد امس وتخلّله انتخاب القيادة الجديدة للحزب مع تزكية جنبلاط رئيساً، 3 أبعاد: * الأوّل «تحصين» مطلبه الحاسم بقانون انتخابٍ على أساس نظامِ الاقتراع الأكثري ورفْض اي نسبية ولو جزئياً، مع التمسك بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها (21 مايو) وفق قانون الستين وإبداء مرونة حيال إدخال تعديلات على بعض تقسيماته. * الثاني رسْم «السقف الأعلى» التفاوضي المتمثّل «بتطبيق الطائف كاملاً او تدريجاً وفق ظروف البلاد»، مذكّراً بأن الطائف «نص على إعادة النظر بالدوائر الانتخابية وبعدد المحافظات، وعلى إنشاء مجلس شيوخ بعد إلغاء الطائفية السياسية»، ومقترحاً «نستطيع ان نلغي الطائفية السياسية تدريجاً او كاملاً طبعاً مع الاحتفاظ بعُرف أساسي أن يبقى رئيس الجمهورية مسيحياً، وعندما يصبح البرلمان لا طائفياً عندها يمكن دراسة تطبيق النسبية كاملة او جزءاً منها»، ومؤكداً ان النسبية «لم ترد لا من قريب ولا من بعيد في الطائف». * الثالث الردّ «الناعم» على عون الذي كان طرح معادلة «الفراغ (في البرلمان) ولا تمديد ولا انتخابات على أساس الستين» ثم معادلة «الاستفتاء الشعبي المباشر» لاختيار قانون الانتخاب الأنسب والذي كان أطلق ايضاً سلسلة مواقف بدت بمثابة ردود ضمنية على جنبلاط ومواقف نواب من كتلته. واذ ذكّر الزعيم الدرزي رئيس الجمهورية «بأننا في النهاية شاركنا في هذا العهد ونتمثل بوزيرين وصوّتنا للرئيس عون ونتمنى عليه ان يتفهم وجهات النظر المختلفة وان نصل معه ومع الآخرين الى قانون انتخاب جديد، لكن ان تقام الانتخابات في موعدها وهذا أهم شيء»، بدا حريصاً على إبقاء التنوّع ضمن كتلته البرلمانية اي رفْض التسليم بمنطق ان تقتصر زعامته على حدود طائفته ورفْض ان يوصل نائباً مسيحياً من حصّته من ضمن «المعركة» التي يخوضها الثنائي المسيحي «التيار الوطني الحر» (حزب عون) و«القوات اللبنانية» لتحرير النواب المسيحيين من تأثير الطوائف الأخرى. وفي حين اعلن «لا لنقل مقاعد نيابية لأن هذا يطعن في التعدد والتنوع»، مبدياً تمسُّكاً كبيراً بمصالحة الجبل (المسيحية - الدرزية)، قال: «لا بد من إزالة أي انطباع بأن هناك خطراً او إقصاءً او تهميشاً لمكوّن من مكوّنات لبنان. فتاريخ لبنان مبني على التنوع وقبول الآخر والشراكة والتعدد وليس هناك أي خطر أو أي خوف. اللقاء الديموقراطي المتنوّع الذي تشرفتُ ان أترأسه ليس قضية عدد، بل الأمر بالموقف ومصلحة الشراكة وحماية التنوع والتعدد في لبنان. وتأكيد مصالحة الجبل أهمّ من قضية العدد في البرلمان». وما لم يقله رئيس «التقدمي» في كلمته أشارت اليه «الوثيقة السياسية» للحزب التي تمت مناقشتها وإقرارها في المؤتمر العام، مبدية في ردّ ضمني على الثنائي المسيحي «الاستعداد للمشاركة في أوسع ورشة إصلاحية سياسية واقتصادية وانتخابية بعيداً عن الكيدية او التلطي خلف العناوين البراقة التي تخفي نيات وغايات مبيّتة»، ومحذرة «من الدخول في مغامرات تعيد الأمور إلى ما قبل اتفاق الطائف»، وداعية الى «الابتعاد عن البدع الدستورية واحترام الأسس التي قام عليها الطائف». وبعدما قال جنبلاط كلمته «بالفم الملآن»، ترى أوساط سياسية ان المناخ الذي ركّز في الساعات الماضية على «النصف الملآن» من المشاورات المتصلة بقانون الانتخاب ليبني عليها تفاؤلاً بإمكان إنجاز القانون خلال أسبوعيْن يبقى غير واقعي ما يشي بأن الفترة الفاصلة عن دعوة الهيئات الناخبة قبل 21 الجاري لن تحمل أي مفاجآت ايجابية، الأمر الذي يعني ان رئيس الجمهورية سيترجم قراره بعدم توقيع مرسوم الدعوة على اساس قانون الستين فيما لو أصدره وزير الداخلية نهاد المشنوق، وتالياً سقوط إمكان إجراء الانتخابات وفق هذا القانون وجعل المفاوضات الشاقة حول القانون الجديد محكومة بتاريخ 20 يونيو وهو موعد انتهاء ولاية البرلمان وإلا الفراغ.
مشاركة :