يقرّ الجميع في بيروت بأن التمثيل الوزاري لحزب «القوات اللبنانية» في الحكومة يشكّل «علامة فارقة» توحي بالجدية والشفافية والمثابرة... من نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني، الى وزير الاعلام ملحم رياشي مروراً بوزير الشؤون الاجتماعية بيار بوعاصي الآتي من «العلاقات الخارجية» لحزبه بما يمكّنه بطبيعة الحال من الإحاطة بالملفات الداخلية في إطار رؤيةٍ أوسع لما يحوط بلبنان من أوضاع لاهبة ومعقّدة. ورغم ان وزارة الشؤون الاجتماعية تعنى اولاً وقبل أي شيء آخر بـ «الشجون اللبنانية»، فان اهتمامها بملف النازحين السوريين، كونها جزءا من اللجنة الوزارية المعنية وتملك الأدوات التنفيذية، يجعلها وزارة «ما فوق عادية» وعلى تماسٍ مع «المجتمع الدولي»، الذي يجيد بوعاصي التعاطي معه كملمٍّ بـ «العلاقات الخارجية» التي كسبها يوم كان ناشطاً سياسياً في فرنسا ويوم كان على تَواصُل مع الديبلوماسيين العرب والاجانب في لبنان.في مكتبه في مبنى وزارة الشؤون الاجتماعية الكائن على ما كان يُعرف إبان الحرب بـ «خط التماس»، التقينا وزير «القوات» التي لم تعد «قوات» وصارتْ حزباً سياسياً يوم خلع لبنان «المرقّط» في «اتفاق الطائف»... و«جولة الافق» مع بوعاصي تتجاوز بطبيعة الحال «الشؤون الاجتماعية» الى شؤون الساعة السياسية وفي مقدّمها قانون الانتخاب، الذي تحوّل عنواناً تحتشد خلفه كل عناصر الأزمة في البلاد، في أوجهها السياسية والطائفية. بدا الوزير الشاب (مواليد 1966) الذي يولي كل لحظة من العمر «الافتراضي» القصير للحكومة أهميةً لإنجاز ما فات من مرحلة العجز التي عاشها لبنان، مُطْمَئناً الى ان الحكومة وعبر لجنة من ثمانية وزراء برئاسة رئيسها سعد الحريري توصلت الى خطابٍ واحد حيال ملف النازحين والى خطة مشتركة لمقاربته، وهو قال «ان الجميع متفقون على انه يجب مساعدة النازح السوري وايضاً المواطن اللبناني وكذلك لبنان وبناه التحتية»، مشيراً الى انه «رغم تضارب الأرقام حيال حجم الدعم المالي الذي يستحقّه لبنان لمواجهة أعباء النزوح فان رقم 10 مليارات دولار ليس بعيداً أبداً عن الواقع». ولفت الى «اننا كنا نسمع سابقاً في ما خص ضعف المساعدات ان السبب هو الشلل المؤسساتي وعدم وجود حكومة فاعلة، والآن انتهى الشغور الرئاسي وتألّفت الحكومة الجديدة وعاد البرلمان الى عمله، ونحن مصرّون على اعتماد أعلى درجات الشفافية. وعندما يقصدني ممثلون لدول او جمعيات مانحة يكون لسان حالي ان مسؤوليتنا المشتركة تقضي بمراقبة ان كل قرشٍ يتم دفعه لأي برنامجٍ يُصرف في المكان المناسب». ورغم ان الأمر التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض لإعداد خطة لإقامة مناطق آمنة في سورية او المناطق المجاورة في غضون 90 يوماً لم يوضح المقصود بـ «المناطق المجاورة» وما اذا كان يشمل لبنان والأردن، سألْنا الوزير بوعاصي عن رأيه في هذه المسألة والمخاوف من توطين مقنَّع، فقال: «ان الموقف اللبناني الإجماعي، من كل الطوائف والطبقة السياسية، واضح جداً لجهة الرفض المطلق للتوطين سواء للفلسطينيين او للسوريين وبأي شكل». أما بالنسبة لآلية عودة النازحين السوريين الى بلدهم، فان عملية تصنيف المناطق الآمنة وتحديدها ليست سهلة، اذ في المطلق على الأمم المتحدة ان تعلن ان هذه المنطقة او تلك أصبحتْ آمنة. ومنذ تجربة سراييفو وإعلانها منطقة آمنة والفشل في حمايتها ووقوع المذبحة فيها، بات هناك خوف من الوقوع مجدداً في المحظور. واذا كانت الأمم المتحدة تتردّد في إعلان منطقة آمنة، بينما هي آمنة عملياً، فالى متى نُبقي النازحين السوريين هنا فيما هم مسلوخون من أرضهم وثقافتهم؟ وما نقوله انه حين يكون هناك وقف إطلاق نار في منطقة ما ويستمر لفترة مقبولة، يفترض ان تُعتبر هذه المنطقة آمنة وان يصار الى تشجيع السوريين على العودة اليها. ويضيف: «في ما خص ما نُقل عن الرئيس الاميركي لجهة المناطق الآمنة، ما زال من المبكر الحديث عن ذلك، فالأمر لم تتضح تفاصيله، ولا معطيات واضحة بعد حيال هذا الطرح وحدوده وجغرافيته وغيرها من النقاط». في الوضع اللبناني وكأن هناك دوراناً في المأزق في موضوع البحث عن قانون الانتخاب، وسط فيتوات متبادلة و«صيغة تأكل صيغة» فيما سباق الوقت على أشدّه، فهل يمكن توقُّع حصول خرق حقيقي في هذا الملف؟ يجيب بوعاصي: «القوات اللبنانية» أثبتت في ما خص قانون الانتخاب انها كانت منذ الأساس الأكثر دينامية في محاولة إنتاج قانون جديد يرضي أكبر عدد من الاطراف. وفي هذا السياق يجب التذكير بأن نصف اللبنانيين كانوا مع النسبة الكاملة والنصف الآخر مع الأكثرية الكاملة، فكان طرْحنا مشروع المختلط (68 على الأكثري و 60 على النسبي) الذي وافق عليه الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار «المستقبل». ثم طرح الرئيس نبيه بري المختلط مناصفةً بين الأكثري والنسبي، وبعد جهد كبير وصلنا الى صيغة المختلط التي تم طرْحها قبل أيام والتي لم تلبث ان قوبلت باعتراضات سريعة. والحقيقة اننا وصلنا الى واقع شبه كوميدي، في ظل أصوات تراوح بين لا نريد الستين، ولا للأكثري، ولا للنسبي ولا للمختلط، وفي الوقت نفسه نريد قانون انتخاب جديداً، فكيف يمكن الوصول الى مثل هذا القانون وسط هذه اللاءات؟ واضاف: «في رأينا ان القانون المختلط يرضي الجميع الى حدّ ما، علماً انه لا توجد صيغة ترضي الكل مئة في المئة. كما ان المختلط واقعي ويمكن ان نصل الى توافُق حوله لأن «المستقبل» و«الاشتراكي» و«القوات» وافقوا عليه، والرئيس بري وافق عليه بصيغة ما، و«التيار الوطني الحر» لم يكن ضدّه وكان يناقش فيه. وتالياً المختلط هو الذي يمكن ان يبنى عليه وإلا ليقترحوا علينا طرحاً واقعياً ينال الرضا. وفي كل مرة نجد في اللحظة الاخيرة، ومع احترامي للجميع، طرفاً ما يقول: لا، هذا لا أقبل به، ومن دون ان يقدّم بديلاً».ويجزم بوعاصي «اننا لا يمكن ان نسير بقانون الستين، والرئيس عون قالها نريد حلاً لكن ثمة مَن لا يريد لا الاكثري ولا النسبي ولا المختلط، فماذا يريد؟». ومَن هو الذي لا يريد هذا وذاك ولا يقدم بديلاً؟ يجيب بوعاصي «لا اريد التسمية رغبةً في تفادي التشنجات رغم اننا قد نضطر في لحظة ما الى وضع الأوراق على الطاولة ونسمي الأشياء بأسمائها. ومقاربة «القوات اللبنانية» جد ايجابية ونبذل كل الجهود من اجل الوصول الى نتيجة لا ترضينا وحدنا كطرف بل يشعر معها الجميع بعدم الغبن، لكن نريد قانوناً جديداً». واذ يلفت الى ان «العمل من اجل قانون انتخاب جديد لا يؤدي الى مأزق، بل المأزق قد ينجم عن مقاربات البعض للحاجة الى قانون انتخاب جديد»، يبدي الخشية من أنه في حال سقوط صيغة المختلط «من سيناريو يقوم على ان يَدْفَع البعض في اتجاه المشروع الذي كانت أعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (النظام النسبي مع تقسيم لبنان الى 13 دائرة) وفرْضه في أجواء من التشنج على الآخرين». ولا يتردد بوعاصي في تأييد موقف الرئيس عون لجهة رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وهو لا يجد في الأمر «قفزة في المجهول» ويقول «المشكلة اننا ننتظر منذ عقود التوافق على قانون انتخاب جديد ولا يمكن معاودة إنتاج السلطة وفق القانون الحالي». ورأى «ان أطرافاً تضمر الإبقاء على القانون الحالي لأسباب معروفة وأطرافاً اخرى أكثر ذكاءً تفضّل بقاء القانون الحالي ما دامت غير قادرة على فرض القانون الذي تريده، والذي يصبح الوصول اليه في مرحلة لاحقة أكثر صعوبة في حال تم الاتفاق الآن على قانون انتخاب جديد». واذا لم تتم الدعوة للانتخاب على اساس القانون النافذ (الستين) ولم يجر التوافق على قانون جديد لاجراء الانتخابات في موعدها، ألا تخشون الذهاب الى «الفراغ»؟... يردّ بوعاصي: «ما من فراغ وفق استمرارية عمل المؤسسات، لكننا سنكون أمام ضربة كبيرة». أما الخشية من ان يكون «الفراغ» بمثابة كمين يمكن ان يجرّ لبنان الى المؤتمر التأسيسي ولاسيما في ظل متغيرات صاخبة في المنطقة، فيراها «مجرد تهويل لا يؤدي الى مكان. فما يخدم لبنان هو ضخ دينامية جديدة من خلال اجراء الانتخابات وفق قانون جديد، والبقاء حيث نحن هو الشلل والخطر».
مشاركة :