التوجه الذي يعتبر تحولًا في تعامل الولايات المتحدة مع ملف الجماعات الإسلامية، من شأنه أن يمنح فرصة لتيار الإسلام السياسي، لحشد ذرائعه القديمة بأنه يخوض مواجهة وجودية مع “الغرب الصليبي”. وحذر هؤلاء من أن هذا المسعى الأميركي الجديد، سيؤدي إلى تعقيد الحرب على الإرهاب، حيث سيهدي تنظيمي القاعدة وداعش كيانات جديدة منتشرة حاليًا في ربوع العالم، بدافع تعرضها للمظلومية، ولم يستبعد دارسون ارتماء الإسلام السياسي بشكل أكبر في أحضان التنظيمات المحاربة للغرب، وتحوله بالكامل إلى خلايا سرية ونائمة، ردًا على الإجراءات التي تتخذ ضده. واشنطن، خاصة مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كانت تأمل في تحقيق مكاسب عديدة، من خلال توظيفها للحالة الإسلامية، وإصعاد الإسلاميين للسلطة، منها تخفيف عداء التيار الراديكالي للغرب، وأيضًا لخفض درجة عداء الشعوب الإسلامية والعربية، ومحاولة الحصول على تنازلات في ملفات يتداخل فيها الإخوان بقوة، كملف المقاومة وحفظ أمن إسرائيل، وإيجاد حلول للقضية الفلسطينية على حساب الحقوق العربية. الولايات المتحدة الأميركية تتخلى اليوم عن جماعة الإخوان المسلمين لأنها استنفدت أغراضها، وصارت عبئا عليها ونظرًا لهذا كله، شكك خبراء في أن يحدث إجماع بين المؤسسات ومراكز صنع القرار في الولايات المتحدة على توجه يفقد واشنطن مقدرتها على المناورة مع موسكو، ويحرمها من ورقة مهمة ظلت توظفها في مختلف المراحل، لتقليص وتحجيم النفوذ الروسي، ولإحراز مكاسب سياسية وإستراتيجية طوال عقود. متابعون للحركة الإسلامية، رأوا أن الغرب والولايات المتحدة استثمرا طويلا في تيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان، حيث مكن هذا التحالف واشنطن من التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط بأدوات الضغط والمساومة والمناورة، في مواجهة أنظمة ترفضها، وللحد من طموحات زعماء عرب، ما أتاح للجماعة، في عدة بلدان عربية، مباشرة الصراع مع مؤسسات تلك البلدان، وهو ما هدد حضور ومستقبل المؤسسات التقليدية في الحكم. مصطفى حمزة، الخبير في قضايا الإرهاب الدولي، قلل من قدرة الولايات المتحدة على حظر جماعة الإخوان داخل أراضيها، حتى لو صدر قرار من الكونغرس بذلك، معللًا ذلك في تصريحات لـ”العرب”، بوجود العشرات من الجمعيات التابعة للإخوان، التي تمارس أنشطتها دون أي ارتباط رسمي بالجماعة، وتزعم أنها غير تابعة لأي تنظيم، علاوة على وجود صعوبات في التوصيف القانوني للجماعة المراد حظرها، واستبعد غلق المؤسسات الاقتصادية للجماعة داخل أميركا. ورجح حمزة أن تحول الخلافات بين الأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات التي تتفق مع ترامب وبين حظر الجماعة، نظرًا لأن تلك الأجهزة ما زالت تميل لاحتواء الإخوان دون إتمام مشروعهم، مشيرا إلى أن أي إجراء أميركي لتصنيف الإخوان بالكامل منظمةً إرهابية سيؤدي إلى تعقيد العلاقات مع تركيا وحلفاء آخرين لواشنطن، يعوّلون على الاستفادة من نشاط الجماعة. وشدد على أن كل ما يمكن أن يفعله ترامب هو وقف الدعم المالي والسياسي لجماعة الإخوان بشكل مؤقت، وسيتذرع بالكلفة الاقتصادية التي تكبدتها أميركا من وراء هذا الدعم خلال السنوات الماضية دون مقابل مجزٍ. وترى واشنطن الآن أن روسيا التي سعت أميركا لمحاصرتها، تعود فاعلة وحاضرة بقوة في الشرق الأوسط، ولا تقوى الولايات المتحدة على إيجاد حلول لأزمات المنطقة بدونها، كما أن حلفاء واشنطن أقاموا علاقات إستراتيجية مع الصين وروسيا، ومن ثم تراجع نفوذها وراء الأطلسي. وعند سؤالهم عن مدى جدية واشنطن في التخلي عن الإخوان، قال مهتمون بالعلاقات الدولية في القاهرة لـ”العرب”، إن هذا التخلي يأتي في سياق سياسة الدولة الأميركية، وليس مجرد سياسة إدارة جديدة؛ فالولايات المتحدة تتخلى اليوم عن الجماعة لأنها استنفدت أغراضها، وصارت عبئا عليها، وأضعفت نفوذها في مواجهة روسيا، ودفعت بالحليف التركي إلى التفاهم مع موسكو. واشنطن كانت تأمل في تحقيق مكاسب عديدة، من خلال توظيفها للحالة الإسلامية، وإصعاد الإسلاميين للسلطة، منها تخفيف عداء التيار الراديكالي للغرب وعللوا الخلاف الظاهر بين إدارتَيْ كل من أوباما وترامب بكونه موظفًا فقط للدعاية الانتخابية، عندما حمّل دونالد ترامب إدارة الديمقراطيين مسؤولية منح التنظيمات الإرهابية مسوغات التوسع في الشرق الأوسط، أما جوهر المسألة فهو أن الولايات المتحدة تجنح لتوظيف اليمين الإسلامي في مرحلة معينة لتحقيق مصالح محددة، ثم تتخلص بعد الفراغ من المهمة، سواء أتحققت هذه المهمة كليا أم تحققت جزئيا. العلاقة بين الولايات المتحدة والإخوان، كانت قد شهدت ازدهارا منذ مغازلة باراك أوباما لهم في خطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، في العام 2009، ما أعطى الانطباع في حينها بأن واشنطن بدأت تتخلى عن حلفائها التقليديين بالمنطقة، ومن ثم غض الطرف عن النشاط العنيف للإسلام السياسي في الدول العربية، خاصة مصر وسوريا، ظنا بأن ذلك سيصرف الإرهاب بعيدا عن أوروبا وأميركا. ولتأريخ بداية هذا الارتباط، أشاروا إلى تقرير المجلس القومي للاستخبارات الأميركية عام 2009، الذي تضمن فتح “قنوات الاتصال السياسي مع الإسلاميين”، وتوقع التقرير أن الضغط لأجل المزيد من الديمقراطية والتعددية السياسية في الشرق الأوسط سيؤدي إلى دور أكبر للحركات الإسلامية، وستتخلل هذه العملية اضطرابات سياسية تمتد حتى 2025. حدد خبراء غربيون هدفين وراء تلك الشراكة، أولهما محاصرة روسيا والصين، من خلال خلط الأوراق، بإتمام التحالف مع الدول العربية والإسلامية لخلق طوق يحاصر المحور الشرقي، فضلاً عن اختراق هذه الدول ديموغرافيًا وجغرافيًا بحكم موقعها داخل قارة آسيا. والهدف الثاني، تهميش الإرهاب الذي يستهدف الغرب، ورأى هؤلاء الخبراء أن ذلك يتطلب التخلي عن الأنظمة العربية التقليدية والتحالف مع الإخوان. وحمل أوباما قبل رحيله شركاءه مسؤولية الإخفاق، وألقى باللائمة على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإخوان، وذكّرهم بالمنهج المتفق عليه، وبالعوامل التي تم التحالف على أساسها، والتي نتج عن الانحراف عنها تعثر المشروع. وإضافةً إلى ذلك عاينت الولايات المتحدة فشل الإخوان عندما وصلوا إلى السلطة في مصر وتردي جماهيريتهم، وكذلك انسحاب داعش، وفشلهم في العراق وسوريا. :: اقرأ أيضاً هيئة كبار علماء الأزهر.. الفتوى بدل القانون
مشاركة :