التغيرات الفكرية للجماعات المتطرفة تكشف عن ذكاء عملياتي تتمتع به للبقاء رغم الخسائر الميدانية التي تكبدتها تنظيمات مثل داعش في كل من سوريا والعراق.العرب هشام النجار [نُشر في 2017/10/27، العدد: 10794، ص(13)]مكافحة الإرهاب تبدأ قبل وقوع جرائمه مع فقدان تنظيم داعش للكثير من جاذبيته في مصر شرعت فصائل تابعة للقاعدة والإخوان في ملء فراغه بمسميات مختلفة وبخطاب أخف حدة، وبعنف موجه فقط للدولة وأجهزتها، وليس لكل الأطراف كما كان حال داعش. وبدت التنظيمات المتطرفة في مصر أكثر إدراكا لما ينبغي طرحه لمواصلة البقاء، وهو ما جعل الجماعات الجديدة تتبنى نهجا يستهدف الأمن دون غيره من أجل استقطاب أعضاء جدد وتوليد نسخ مصغرة تمارس العنف. وطرح حادث طريق الواحات (غرب القاهرة) قبل أيام وراح ضحيته 16 فردا من الشرطة في اشتباك مع عناصر تكفيرية، تساؤلات حول جدوى النهج الأمني المستخدم حاليا في مواجهة الإرهاب المتفشي في سيناء وبالقرب من الحدود الليبية. كشفت التغيرات الفكرية للجماعات المتطرفة عن ذكاء عملياتي تتمتع به للبقاء رغم الخسائر الميدانية التي تكبدتها تنظيمات مثل داعش في كل من سوريا والعراق، وآخرها تحرير الموصل والرقة.ما يجري إغفاله هو ما تمتلكه جماعات الإسلام السياسي من مقدرة على اختطاف قضايا الغالبية المهمشة والفقيرة وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن الإرهاب “يهدد المنطقة بأجمعها والشرق الأوسط وأوروبا، ولا بد من أن نتكاتف جميعا لأنه التحدي الحقيقي للإنسانية والاستقرار وللأمن في العالم كله”، مضيفا أن الخسائر في سوريا والعراق سيترتب عليها انتقال بعض العناصر منهما في اتجاه ليبيا ومصر وسيناء وغرب أفريقيا. ويفسر خبراء بأن تصريحات السيسي تفتح الباب أمام تغير كامل في استراتجية الأمن المصري في المواجهة وتدعو دولا أخرى إلى المشاركة في خطط جديدة من شأنها دحر الإرهاب قبل وصوله إلى مصر وأوروبا عن طريق ليبيا. يقارن البعض بين قدرة تنظيمات تابعة للإخوان والقاعدة على البقاء وتغيير جلدها في مصر وفشل داعش في تحقيق الشيء ذاته، ويرجعون المسألة إلى تغير الخطاب الإعلامي للجماعات المتطرفة والدور الذي تلعبه العوامل الأمنية والسياسية في مصر لتأجيج مشاعر الإحباط من الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. وتحدثت تلك التنظيمات المستنبتة من جماعتي القاعدة والإخوان في بيانات عدة عن المظلومية السياسية والاجتماعية، وقدمت نفسها كمنقذ ثوري ضد ما تسميه “الاحتلال العسكري” لإرساء العدالة الاجتماعية. وحرصت الجماعات الجديدة على المواءمة بين العداء لأجهزة الدولة ومؤسسة الجيش من جهة واحتواء البيئة المجتمعية الحاضنة التي لا تتقبل الاعتداء على المدنيين ولا تستسيغ الهجوم على الأقباط وعلى دور عبادتهم. والاتجاه السائد لدى المختصين هو النظر إلى مجمل تنظيمات الإسلام السياسي الكبرى كجزء من الحالة الإرهابية التكفيرية، وإن استخدم بعضها عناوين سياسية وثورية، والفارق هو براعتها في التعمية بعدم استعداء الحاضنة الاجتماعية، ونجحت في ذلك إلى حد بعيد في الحالة السورية، وهو ما تحاول تكراره في الحالة المصرية. مع التعبئة الأيديولوجية الملغمة بالتأويلات الدينية المغلوطة، تجد تلك التنظيمات طريقها لضخ نسخ جديدة بعناوين مختلفة، ليست بحجم التنظيم الأصلي، لكن تحمل منهجيته وتتبنى مقولاته الرئيسية وتخدم أهدافه.ما يجري إغفاله وفق رؤية البعض من الخبراء هو ما تمتلكه جماعات الإسلام السياسي من مقدرة على اختطاف قضايا الغالبية المهمشة الفقيرة التي تعاني من تدنى المستوى الاقتصادي. ويلفت أسامة الهتيمي الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي إلى أن دينامية تلك التنظيمات في الاستقطاب والتجنيد مستفادة من الواقع المتردي سواء المعيشي أو السياسي. وأوضح في تصريح لـ“العرب” أن التركيز في التعاطي مع الإرهاب على البعد الأمني يكشف عن مساحة صراع شاسعة، متروكة لنشاط شبكات صغيرة تتمتع بالمرونة التنظيمية، وتمتلك ما تغري به ذوي الإدراكات الثقافية والفكرية المتواضعة بالخروج عن المنظومة القيمية والقانونية التي يرجع إليها المجتمع.التنظيمات المستنبتة من جماعتي القاعدة والإخوان تحدثت في بيانات عدة عن المظلومية السياسية والاجتماعية، وقدمت نفسها كمنقذ ثوري ضد ما تسميه “الاحتلال العسكري” لإرساء العدالة الاجتماعية كلما اقتربت مصر من إنزال هزيمة نهائية بالتنظيمات الإرهابية في سيناء أو في محافظات الوادي والدلتا والصعيد، انكشفت بؤرة جديدة لتوليد المقاتلين تحت عنوان جديد وبسلاح أكثر تطورا وبمستويات تدريبية عالية. وخلال السنوات الأخيرة ظهرت العشرات من التنظيمات الجديدة التي مارست العنف خلال فترة وجيزة، وكشفت الإحصائيات عن ضخامة الخسائر، من جهة الكوادر البشرية في صفوف الجيش والشرطة، وما لحق بالاقتصاد وأمن البلاد واستقرارها وسلامها الاجتماعي من ضرر. ورصد متابعون حضورا لتيار ديني متشدد يمثل رافدا متجددا للتنظيمات الإرهابية، وهو الذي نشأ كنتيجة لعمل التنظيمات الراديكالية والأصولية وفصائل الإسلام السياسي كجهة موازية للدولة، في ظل غيابها خدميا في القرى النائية. ويقول ناجح إبراهيم القيادي الإسلامي السابق إن المغذي الرئيسي للتنظيمات المسلحة هو بطالة شباب القرى، علاوة على ضعف أداء غالبية الوزارات الجماهيرية بالحكومة، مشددا على ضرورة إصلاح منظومة التعليم والثقافة والأوقاف. ولم تعد هناك إشكاليات معقدة لانضمام أعضاء جدد إلى التنظيمات الصغيرة الناشطة في العمل المسلح، خاصة أن تجنيد العضو لا يتطلب الترقي في حفظ المتون الفقهية كما كان في السابق. ورجح مراقبون ارتبـاط الظـاهرة بالأوضاع الإقليمية والدعم الخارجي الذي تتلقاه تلك المجموعات من قبل مخابرات دول تمول الإرهاب لإضعاف الجبهة الداخلية لمصر. وتشكلت تنظيمات سرية مكونة من أعداد صغيرة، تصل في أكبرها إلى ما بين المئة والمئتي مقاتل، وقوامها جهاديون قدامى وشباب من الصف الثاني والثالث للجماعات، والبعض من تلك التشكيلات لا يتجاوز عددها الخمسة أفراد. وأصبحت أجهزة الأمن في مصر مطالبة بتقديم رؤية استراتيجية تستطيع إجهاض المزيد من العمليات قبل وقوعها، ولن يتوقف الإرهاب ما لم تتفوق أجهزة الأمن في جميع أسلحتها المادية والمعنوية، وتضع حلولا جذرية لما يظهر من أزمات تقود إلى مواصلة العنف وحلقاته.
مشاركة :