ما زال الغموض يحيط بمستقبل فرنسوا فيون، مرشح اليمين المحافظ، في ظل تكاثر الدعوات من معسكره للتنحي عن ترشحه وإفساح المجال أمام شخصية يمينية أخرى بعد الفضائح متعددة الأوجه التي كشفتها الصحافة، وجعلت شعبيته تتراجع إلى درجة تثير مخاوف قادة اليمين من خسارة الانتخابات الرئاسية الفرنسية في الربيع المقبل. وفيما تبين استطلاعات الرأي أن مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان تتربع على المرتبة الأولى، وأنها ستتأهل للجولة الثانية يتبعها المرشح إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد السابق والذي يخوض المنافسة بعيدا عن اليمين واليسار، فإن فيون تراجع إلى المرتبة الثالثة ما يعني أنه يمكن أن يخرج من المنافسة بعد الدورة الأولى وهو ما يثير هلع اليمين الساعي إلى استعادة الرئاسة والأكثرية النيابية في البرلمان بعد خمسة أعوام من حكم الاشتراكيين. يومًا بعد يوم، تقوى الضغوط على فيون لتلافي الكارثة السياسية ولقبول الانسحاب. لكن الأخير لا يبدو مستعدا للتضحية وهو عازم على الاستمرار في ترشحه الذي حصل عليه بعد انتخابات تمهيدية خرج منها فائزا على منافسيه الكبار أمثال الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه. ويعول فيون على حملة إعلامية وسياسية لإقناع اليمين وناخبيه بأنه ما زال المرشح الأفضل وأنه قادر على قلب المسار الحالي ووضع حد لتراجع شعبيته التي هبطت إلى درجة أن 68 في المائة من الفرنسيين يريدون أن يترك السباق الانتخابي. وأمس، سعى فيون إلى استدرار عطف ناخبي اليمين والوسط والفرنسيين بشكل عام عن طريق «اعتذاره عن الخطأ» الذي ارتكبه طيلة سنوات وهو «تشغيل» زوجته بينيلوبي كمساعدة برلمانية له وتشغيل اثنين من أولاده لمهمات مشابهة عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ. غير أن ما يصدم الرأي العام أن بينيلوبي حصلت على نحو مليون يورو عن عمل لم تترك فيه أي أثر مادي ملموس ما جعل القضاء يأمر بفتح تحقيق للتأكد ما إذا كانت قد قامت حقيقة بعمل المساعدة البرلمانية أم أنها شغلت طيلة سنوات وظيفة «وهمية». كما أن الشبهات التي تحوم حول حقيقة عملها كمساعدة برلمانية موجودة أيضا بشأن عملها في مجلة أدبية لعامين حصلت بفضله على 84 ألف يورو، لكنها في الواقع لم تقدم سوى قراءة نقدية لكتابين ليس إلا. وبحسب صحيفة «لوموند» في عددها ليوم أمس، فإن ثمة شبهات حول حقيقة هذه الوظيفة وحول وجود علاقة ما بين منح صاحب المجلة وهو رجل أعمال ثري وصديق قديم لعائلة فيون، وساما رفيعا هو الأعلى في إطار جوقة الشرق وبين «تشغيل» بينيلوبي في المجلة المذكورة. وحتى تكتمل الصورة، يتعين الإشارة إلى وجود تساؤلات حول مصدر العائدات المالية التي تحصلت عليها شركة 2F CONSEIL التي أسسها فيون مباشرة بعد تركه منصبه رئيسا للوزراء وعودته نائبا للبرلمان في عام 2012. ووفق الصحيفة المذكورة، فإن عائدات الشركة التي ليس سوى مساهم واحد هو فرنسوا فيون نفسه، جنت عائدات تزيد على 750 ألف يورو ما بين 2012 و2016 وهي ما زالت قائمة اليوم. ولا يتردد البعض من غير توفير أدلة مادية في القول إن فيون عمل مع بلدان أجنبية بينها روسيا ما يفسر سبب دفاعه عن الرئيس الروسي ودعوته للتقارب مع موسكو. إزاء هذا الوضع الحرج، كان السؤال الذي تناوله المحللون أمس هو معرفة ما إذا كان «اعتذار» فيون للفرنسيين واعترافه أنه قد ارتكب «خطأ» كافيين لوقف هبوط شعبيته وتعويم ترشحيه والاستمرار في السباق الانتخابي. وجاء هذا التطور بعد مرحلة كان فيون يركز فيها على اتهام السلطة الاشتراكية بالوقوف وراء «مؤامرة» لإبعاده عن الساحة. بيد أن هذا الدفاع لم يقنع لا الفرنسيين ولا قادة اليمين ولا مستشاري المرشح فيون الأمر الذي اضطره أخيرا لـ«بق البحصة» والاعتراف بالخطأ. وسيواجه مرشح اليمين اليوم «لحظة الحقيقة» بمناسبة اجتماع مع نواب وأعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون اليمين والوسط. وفي اجتماع سابق قبل سبعة أيام، طلب فيون من هؤلاء أن يمنحوه أسبوعين لمعرفة ما إذا كانت الهجمة التي تستهدفه ستوقف، وإذا ما كان يستطيع استعادة الدينامية السياسية التي من شأنها أن تقوده بعد أقل من 80 يوما إلى قصر الإليزيه. والمشكلة أن قادة اليمين والوسط منقسمون بين من يدعو لتنحية فيون فورا وبين من يرى أن شيئا كهذا سيعيد خلط الأوراق وسيحدث انقسامات إضافية لن تحسمها انتخابات تمهيدية جديدة لا يتوافر الوقت لتنظيمها بينما المرشحون الآخرون، أكانوا ماكرون أو مارين لوبان أو المرشح الاشتراكي بونوا هامون ومنافسه من اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون، قد رتبوا أوضاعهم وانطلقوا في حملاتهم ومهرجاناتهم الانتخابية. خلال نهاية الأسبوع المنصرم، شهدت مدينة ليون ثلاثة مهرجانات انتخابية رئيسية لمرشحة اليمين المتطرف ولماكرون وأيضا لمرشح اليسار المتشدد ميلونشون الذي جاء بجديد من خلال وجوده جسديا في ليون وبصورة ثلاثية الأبعاد (تسمى هولوغرام) في مهرجان نظم في الوقت نفسه في ضاحية باريسية. وأهم ما جاء يومي السبت والأحد أن المرشحة لوبان كشفت عن برنامجها الانتخابي الذي يضم 144 «التزاما» يغطي مناحي الحياة السياسية الداخلية والخارجية والإجراءات والتدابير الاقتصادية التي تندرج جميعها تحت شعار «فرنسا أولا». وقدمت لوبان نفسها على أنها «مرشحة الشعب» في وجه مرشحي المال أكانوا من اليمين واليسار. وفيما أكدت أنها تريد استعادة «أربع سيادات» من أوروبا «النقدية (اليورو) والتشريع والاقتصاد والسيطرة على الحدود»، وإلا فإنها تنوي الخروج من أوروبا على غرار بريطانيا ومن منطقة اليورو والعودة إلى العملة الوطنية «الفرنك». كذلك كشفت عن تدابير تريد إقرارها لوقف تيار الهجرة ومحاربة التطرف الإسلامي واستعادة الهوية الفرنسية والسيطرة على مناطق الداخل «الخارجة على القانون». وتريد لوبان أن ينظر إليها على أنها حامية الطبقة الوضيعة وأنظمة الرعاية الاجتماعية ومشجعة الإنتاج الوطني والشخص الذي يخفف من آثار العولمة. وإذ تجاهلت لوبان المرشح فرنسوا فيون، فإنها ركزت انتقاداتها على المرشح إيمانويل ماكرون لأنها تعتبر أنه سيكون منافسها الأخطر.
مشاركة :