على الرغم من لهجة البيان الوزاري الذي صدر في أعقاب اجتماع مجلس الوزراء أول من أمس، التي تهاجم الاستجواب المقدم لوزير الإعلام وزير الشباب الشيخ سلمان الحمود، وتصفه بأنه «انحرف عن غاياته السامية وخرج عن مساره القانوني والدستوري»، على الرغم من هذه اللهجة القاسية في الرد على تداعيات الاستجواب، فإن النتيجة التي آلت إليها تلك التداعيات تؤكد أن المستجوبين سجلوا هدفا في مرمى الحكومة لينتهي شوط المواجهة الأول بانتصار النواب. فمع استقالة الوزير الحمود، ولهجة التهدئة التي مالت إليها التصريحات النيابية، وعززها تصريح رئيس المجلس عن العودة إلى التعاون بين السلطتين، نعيش الآن استراحة ما بين شوطي المواجهة، ولاسيما أن ملفات التصعيد لا تزال مفتوحة، كما أصر الكثير من النواب، لعل أكثرها سخونة وحضوراً ملف الجنسيات المسحوبة، يليها ملف أسعار البنزين. فليس هناك من يرغب أو ينحو نحو مواجهة جديدة وربما تكون مصيرية بين السلطتين، ولاسيما ان هناك تعديلات على قوانين يرى النواب أنها ملحة ومصيرية، ولا بد من إنجازها عاجلاً، وهو ما لا يتيحه أي تصعيد جديد قد يفضي إلى مصير مجهول للمجلس. مراقبون تحدثوا عن أولويات ضرورية قد تؤجل أي استجاب جديد إلى حين إنجازها، منها على سبيل المثال، تعديل نظام الانتخابات، في ظل تعديل مطروح ويبدو أن عليه توافقاً كبيراً بين الحكومة والمجلس، وهو اعتماد نظام الدوائر الخمس بصوتين. ويرى النواب ان إقرار هذا التعديل أهم من أي استجواب يقدم حالياً، لأنهم لا يريدون العودة إلى انتخابات جديدة بنظام «الصوت الواحد»، وهو ما جعلهم يتحدثون عن أولويات تم الاتفاق عليها، وهو ما يعني بطبيعة الحال تأجيل أي مواجهة لحين إنجاز هذا التعديل على الأقل. كما أن ملف الجنسيات المسحوبة يشكل تحدياً مهماً للنواب في ظل الوعود التي قطعوها للناخبين بحل القضية، وهو ما جعلهم يسلكون كل الطرق للوصول إلى هدفهم، فكانت لقاءاتهم مع القيادة السياسية، والوعود التي نقلوها بحل المسألة، إضافة إلى التعديل الأخير الذي أجرته لجنة الداخلية والدفاع البرلمانية على قانون الجنسية، والذي ينص على عدم سحب الجنسية من أي مواطن إلا بحكم قضائي. أضف إلى ذلك القضايا الشعبوية التي تعهد النواب أمام ناخبيهم بالتعاطي معها والتي تتقدمها مسألة رفع أسعار البنزين التي يدور ملفها بين مكاتب اللجان البرلمانية، وأيضا كان لها دور في التشريع من خلال تقديم اقتراح بقانون يمنع الحكومة من إجراء أي زيادة على أسعار السلع والخدمات إلا بقانون. ليؤكد ذلك كله أن استراحة ما بين شوطي المواجهة قد تطول قليلاً، ولفترة أكثر مما وعد به نواب أعطوا الحكومة فرصة حتى مارس المقبل لإنجاز القضايا الخلافية، قبل أن تتحول الأمور إلى مواجهة. إذاً فالوضع الحالي يؤكد أن الغلبة للنواب وأنهم الآن يجردون حسبتهم بعد الاستجواب، ويدرسون الوضع من كل جوانبه، وهو ما دعاهم لأخذ فترة الراحة والهدوء، وقد تتجاوب الحكومة مع هذه الأجواء في ظل غلبة المزاج المعارض لها في المجلس، عندما شهد طلب طرح الثقة بالوزير الحمود تأييد أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، وهو الأمر الذي جعلها تعيش أسبوعاً عصيباً بانتظار جلسة طرح الثقة التي كانت مزمعة اليوم، قبل أن تحسم أمرها باستقالة الوزير وخروجه من المشهد السياسي، وخروج الحكومة بأقل الأضرار. أما في ما يتعلق بتداعيات الاستجواب، فقد أكدت الأحداث أن حقيبة وزارة الإعلام «حارقة» فهي دون غيرها من الحقائب الوزارية، فكثيرون من الوزراء أطاحت بهم الحقيبة خارج الوزارة، ولم ينج وزير إعلام قدم له استجواب من مقصلة «طرح الثقة»، بدءا من الشيخ سعود ناصر الصباح، وصولا إلى سلمان الحمود، مرورا بكل من الشيخ أحمد العبدالله والشيخ أحمد الفهد ومحمد أبو الحسن ومحمد السنعوسي، ما يؤكد أن من يتولى حمل حقيبة هذه الوزارة فدائي يجازف بمصيره وتاريخه السياسي، فمن هو الفدائي المقبل الذي يقبل بحمل الحقيبة بكل ما تحتويه من ألغام وقنابل موقوتة؟ H.alasidan@hotmail.com @Dr_alasidan
مشاركة :