كم مرة اشتريت شيئاً جديداً، مثل حذاء، أو سيارة أو هاتف جوال، عقدت عزمك على شرائه فقط؛ لتجد جميع من حولك يمتلك مثله أو يذكره لك؟ كم كلمة جديدة تعلمتها فتفاجأ بها تصادفك من حيث لا تعلم في دعايات تجارية، أو تمر أمامك مكتوبة على شاحنة؟ هل انتشر ما تريده وتفكر فيه من حولك مُصادفة؟ أم هناك شيء غامض لا تعرفه؟ اطمئن، لست وحدك؛ أنت فقط تعاني مثل الجميع ظاهرة ""؛ أي وهم التكرار. وهم التكرار ظاهرة "بادر-ماينهوف"، هي أن تشعر بكل شيء جديد تفكر فيه يظهر حولك مرات عديدة، قد تعتقد أنها صدف، لكنها ليست كذلك. صنَّف، مختص اللغويات بجامعة ستانفورد، هذه الظاهرة بشكل علمي عام 2006، مع أنها عرفت منذ زمن. صنفها زويكي إلى مرحلتين؛ الأولى يبدأ عقلك بتسليط الضوء على ما تهتم به والبحث عنه ليُرضي شغفك، وتسمى هذه المرحلة "التركيز الانتقائي". يعرف دماغك ما يثير حماستك، وما يُشعرك بالفضول، وإثر اختبارك أو معرفتك الجديدة بشيء ما؛ يرى أنك أصبحت مهتماً به ويتجه تلقائياً لمساعدتك. فكل تلك الأشياء كانت موجودة منذ البداية، ولم تظهر فجأة من العدم بعد معرفتك بها مثلما يُخيل لك؛ ولكنها فقط لم تكن ضمن نطاق اهتماماتك، فأصبحت تلاحظها الآن ببساطة. المرحلة الأخرى ضمن ظاهرة "، هي "الانحياز التأكيدي"، وهو الميل الطبيعي للدماغ لاكتشاف والبحث عن النمط الجديد الذي تهتم به فقط دون ما سواه، فيؤثِر أن يراها دون غيرها، ويُفسر كل شيء تبعاً لها. يتم كل ذلك في عقلك دون أن تعلم؛ يُنقب الدماغ عما حولك، ويركز عليه ولكن دون التفكير فيه فعلياً، فلا تشعر بأنه منوط بك تلك العملية ولا يبدو شيئاً مقصوداً، وتلك إحدى الخدع من عقولنا الذكية. هل "بادر-ماينهوف" نافعة أم ضارة؟ يرى بعضهم أن الظاهرة غير نافعة؛ إذ إنها تركز على أنماط معينة دون غيرها، قد تكون محض هراء وغير مهمة لنا فعلياً، فلا تستحق هذا التضخيم، فيعتقد عقلك أن شيئاً ما مهم ويستمر في التركيز عليه دون فائدة. يقول بشبكة Mother Nature، إن "بادر-ماينهوف" تجعلنا ننظر إلى الأحداث فقط، ولكن دون معرفة سبب حدوثها؛ إذ قد لا يكون هناك سبب معقول، ولكن هذا غير منطقي! فينبغي أن نعرف لماذا تحدث لنا الأشياء. العالم أكثر تعقيداً من دون سبب، ولكنه أيضاً لا يخلو منها؛ فيجب أيضاً مراقبة الأمور ونسب حدوثها، بشرط عدم الإفراط؛ إذ إن المراقبة بحد ذاتها أظهرت لنا أنها معيبة أيضاً، وقد تجعلك تولي أموراً أخرى اهتماماً أكثر مما ينبغي، فيجب عدم الوثوق بها والسير وفقاً لها. جماعة إرهابية متشددة سبب تسمية الظاهرة "بادر-ماينهوف" ليس اسم العالم مكتشف الظاهرة، ولكن يعود اسمها إلى عام 1995؛ فكانت هناك مناقشة قائمة عنها في ""، وكيف يظهر لك ما تفكر فيه حديثاً بصورة متكررة ولم تكن معروفة باسم وقتها، ولكن علق أحد الحاضرين بأن تسمى "بادر-ماينهوف"، وهو اسم متطرفة من اليسارالألماني، كانت شهيرة في سبعينات القرن الماضي. وسبب رغبته في تسميتها تيمناً بها؛ لتجربته الشخصية مع الظاهرة، فعندما سمع بالاسم أول مرة صادفه مرتين خلال 24 ساعة، فاختبر الظاهرة عبره في البداية. أطلق عليها أرنولد زويكي "وهم التكرار"، بعد أن صنفها ودرسها، إلا أن الاسمين شائعان للظاهرة على حد سواء. يستمر عقلنا البشري في مفاجأتنا، وعلى ما يبدو يعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا، ويُشبع فضولنا وغرائزنا في معرفة ما نهتم به في حياتنا، وإن لم نعلم ذلك.
مشاركة :