استمع عوني صادق أخيراً، تم إخلاء البؤرة الاستيطانية المسماة عمونا، المقامة في منطقة خلة السلطان في الضفة الغربية! بعد سنوات من المماطلة والحرب الدائرة بين أصحاب الأرض والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وصدور قرار لم ينفذ من محكمة إسرائيلية بإخلائها في العام 1991، وصل الأمر إلى ما يسمى محكمة العدل العليا التي لم تجد مفراً من الإخلاء. لم يكن ذلك إحقاقاً للحق والعدل، كما يقول إبراهيم حماد، أحد أصحاب الأرض المستولى عليها، بل حرص على مظهر دولة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي. بعد الإخلاء، أعلن نتنياهو أنه سيتم بناء مستوطنة جديدة بدلاً من البؤرة، إضافة إلى (3000) وحدة استيطانية جديدة. وزاد عليه نفتالي بينيت، زعيم حزب (البيت اليهودي)، وزير التربية، أن السيادة الإسرائيلية ستفرض على الضفة الغربية! كل الذين توقّفوا أمام عملية الإخلاء، يهوداً وعرباً، من غير المستوطنين أو المؤيدين للاستيطان، اعتبروها مسرحية، والمحكمة العليا عندما قضت بالإخلاء لم تكن تحرص على صورة دولة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي في واقعة معينة فقط، بل حرص على خلق وهم بأن دولتها دولة قانون. وقضاة المحكمة بقرارهم، أسقطوا الحائط الرابع، ليس لأنهم من أتباع برتولد بريخت، ولا لأنهم أرادوا إسقاط الوهم القائم بين المتفرجين على المشروع الاستيطاني من الرأي العام العالمي والممثلين، بل لخلق الوهم بأن دولتهم دولة قانون! فالمسرحية التي مثّلوها تجاهلت أن كل فلسطين هي أراض فلسطينية وجعلتها مجرد بؤرة غير قانونية! وبهذه المسرحية التي اعترفت بأن عمونا غير شرعية، جعلوا من كل المستوطنات الكبرى والأخرى التي يريد قانون التسوية تبييضها شرعية! لقد كسرت المحكمة العليا الحائط الرابع، عندما جعلت نتنياهو وليبرمان وبنيت وزعماء المستوطنين في حوار وهمي مع المحكمة التي قضت بالإخلاء، وهكذا استغلت تقنيات المسرح البريختي ضد بريخت! لكن اللعبة لم تنطل حتى على بعض اليهود الذين يرون أن الاستيطان خطر على دولة اليهود. وفي صحيفة (هآرتس - 3/2/2017)، كتب جدعون ليفي: الإخلاء جاء بعد لعبة استمرت طويلاً، بما في ذلك النقاشات التي لا تنتهي في محكمة العدل العليا، تلك المحكمة التي لبست قناع القانون والعدل والمساواة...! وأضاف فاضحاً الغرض من هذا الإخلاء: الإخلاء الذي تحاول إسرائيل الظهور كدولة قانون من خلاله، من خلال عدد من المستوطنين الذين عاشوا بشكل غير قانوني، وكأنه توجد مستوطنة قانونية، وتحتم إسكان ألف شخص على أراض مسروقة أيضاً، لكن الآن الضم على الطريق والتسوية على الأبواب! تلك هي الوقائع التي تسقط الوهم، وليست مسرحية محكمة العدل العليا. ففي الوقت الذي يتم فيه إخلاء (40) شخصاً استولوا على أرض ليست لهم، يتم الإعلان عن بناء مستوطنة جديدة و(300) وحدة استيطانية جديدة، وتتم الموافقة على ما يسمى (قانون التسوية) الذي يسمح بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الباقية، وقانون آخر بإلغاء صلاحية المحكمة العليا في الإخلاء مستقبلاً، ثم بالإعلان عن ضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها في وقت لاحق!! والسؤال هل تنطلي مسرحية تافهة مثل مسرحية عمونا على من له عينان؟ وهل تنجح في إحلال وهم القانون والعدل على الوقائع الصارخة في طبيعة المشروع الاستيطاني التوسعي العنصري؟! بنيامين نتنياهو وزبانيته يستندون في تطلعاتهم إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الجديدة، وهم يرون الفرصة سانحة لتنفيذ مخططاتهم التوسعية. وآخر الأخبار تفيد بأن نتنياهو نسق في محادثاته التلفونية مع ترامب مسألة تبييض المستوطنات، وفي لقائه معه، الأسبوع المقبل، سيؤكد ذلك. والتصريح الذي صدر عن البيت الأبيض بخصوص المستوطنات، والذي اعتبر توسيع المستوطنات مشروعاً ولا اعتراض عليه، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن بناء مستوطنات جديدة يمثّل عقبة في طريق السلام ولا يساعد على تحقيقه، فسره البعض بأنه ضوء أخضر، وفسره آخرون بأنه ضوء أحمر! لكن المؤكد أن ترامب لن يكون بأي حال عقبة في طريق نتنياهو أو في طريق المستوطنين. وإزاء التغوّل الاستيطاني الجاري، والمواقف الدولية المتواطئة، تبقى مسألة في منتهى الوضوح، وهي أن الشعب الفلسطيني وحده القادر على وقف هذا التغوّل وذلك التواطؤ. وإذا كان في الإمكان الإفادة من المجتمع الدولي، فإنه لن يضع حداً للسياسة الإسرائيلية المتمادية في تطلعاتها الاستعمارية. إن التمسك باتفاق أوسلو وأسلوب المفاوضات هما ما يخلق الوهم بوجود عملية سلام، والتخلي عن الاتفاق ووهم الدولتين، وإطلاق طاقات الشعب في مواجهة الاحتلال ودولته، هو ما يسقط الوهم وما يضع حداً لكل الجرائم التي تقترف يومياً ضد الأرض الفلسطينية والإنسان الفلسطيني. awni.sadiq@hotmail.com
مشاركة :