القاهرة: «الخليج» في السادس عشر من مارس/آذار 1978 قامت منظمة «الألوية الحمراء» اليسارية باعتراض موكب رئيس الوزراء الإيطالي «ألدو مورو» وقامت بتصفية حراسه، واختطفته إلى مكان مجهول، وطالبت الحكومة الإيطالية بإطلاق سراح 16 عضواً بالجماعة، معتقلين في السجون الإيطالية، وعلى مدى 55 يوماً سمح الخاطفون ل«ألدو مورو» بكتابة خطابات لأسرته وأصدقائه من السياسيين، طالب فيها بإنقاذ حياته، والاستجابة لمطالب الخاطفين.كانت إيطاليا في ذلك الوقت قد تعرضت لعمليات اختطاف واغتيال عديدة من جماعات مسلحة، يمينية ويسارية متطرفة، ومع ذلك رفضت التفاوض نهائياً مع الخاطفين، وأعلن قادة الحزب الذي ينتمي إليه «ألدو مورو» أن الرسائل كتبت تحت التهديد، وأنها لا تعبر عن رغبة حقيقية لدى «ألدو مورو» وانتقل النقاش إلى إمكانية تعذيب أحد عناصر «الألوية الحمراء» للوصول إلى معلومات عن الخاطفين، ورفض الجميع ذلك؛ حيث إنه يمكن تعويض خسارة ألدو مورو؛ لكن إيطاليا لن تتمكن من تعويض ما سينتج عن تعذيب سجين للحصول على معلومات منه؛ باعتباره بداية ستصبح عادة بعد ذلك.طالت مدة الاختطاف من دون استجابة الدولة، فقامت «الألوية الحمراء» بقتل ألدو مورو رمياً بالرصاص في 9 مايو/أيار 1978 وقدم وزير الداخلية استقالته، وفيما بعد سيصبح رئيساً للجمهورية، والمثير أن الحكومة الإيطالية قد استجابت لطلبات المختطفين في حالات أخرى، ما يبعث علامات استفهام حول موقفها من عملية اختطاف رئيس وزرائها السابق «ألدو مورو» الذي يبدو أنه كانت هناك عملية تضحية به.أثارت حادثة الاختطاف وقتل ألدو مورو خيال الفنانين، فتم تناول الموضوع في العديد من الأعمال السينمائية والمسرحية، كما أثارت جدلاً كبيراً داخل المجتمع الإيطالي، وفي العام 1981 كتب الكاتب المسرحي الإيطالي الحاصل على جائزة نوبل عام 1997 «داريو فو» نص «الأبواق والتوت البري»، مستلهماً حادثة الاختطاف والاغتيال، طارحاً سؤال: ماذا لو كان الذي تعرض للاختطاف، أحد أباطرة الاقتصاد الإيطاليين؟ماذا لو كان المختطف هو «جياني أجنيللي» صاحب ومالك ورئيس مجلس إدارة شركة فيات وغيرها من المؤسسات الصناعية والاقتصادية الكبرى؟ كتب «داريو فو» نصاً مسرحياً كوميدياً يضع فيه آراءه ومواقفه السياسية، ويناقش مع المجتمع وجهات نظره، بداية من «أجنيللي» و«رونالد ريجان» رئيس أمريكا، والمواطن العادي المقهور، الذي لا يسلم من تهمة الإرهاب، كل هذا في إطار من السخرية والنقد اللاذع، أي أن داريو فو يسعى إلى تحقيق المعادلة الصعبة، وهي الجمع بين عنصرين مهمين هما المتعة والهدف السياسي الجاد.قامت د. سامية دياب بترجمة «الأبواق والتوت البري» إلى العربية؛ حيث توضح في مقدمة الكتاب أن «فو» كان يسعى إلى تحقيق إمكان تقديم العرض في أي مكان، من دون الارتباط بخشبة مسرح معينة، كما أنه كان يسعى إلى تقليد عروض المسرح الشعبي التي كانت تقام في الأسواق والأماكن العامة، ونظراً لتركيزه على العناصر الفكرية والسياسية في النص فإن عنصر الديكور يتسم بالبساطة، إن حركة الديكور تسهم في تحديد إيقاع العمل؛ حيث لا توجد فواصل والمسرح لا يتوقف من أجل تغيير الديكور، لكن في لحظات يتم تغيير الديكور في الخلفية بينما يحدث حوار في مقدمة الخشبة.يضع داريو فو غزير الإنتاج اسمه إلى جانب كتاب المسرح الإيطالي مثل بيراندلو ودي فيليبو وجولدوني؛ لكنه يشترك مع بريخت في مجموعة من النقاط أهمها الأهداف السياسية، من حيث انحيازهما إلى الطبقة العاملة، وسعيهما إلى إيقاظ الجمهور من خلال طرح قضايا الطبقات الفقيرة ومناقشتها، وقد اتجه داريو فو إلى تقديم عروضه المسرحية في المصانع والملاعب الرياضية والساحات، وصولاً إلى التبرع بإيراد تلك العروض لمصلحة العمال وأسرهم ودعم النقابات العمالية، ويشير «فو» إلى أنه لا يهتم بالسياسة قدر اهتمامه بالعدالة، وقد تسبب هذا الاهتمام في هجومه الدائم على المؤسسات الراسخة بإيطاليا وخارجها مثل الحكومة والبوليس والفاتيكان وعصابات المافيا، وحتى الحزب الشيوعي الذي كان يدعمه، وصولاً إلى انتقاد أمريكا وسياساتها ومحاولة الهيمنة على العالم.في مرحلته المتأخرة التي ارتبطت بالسياسة والحركات العمالية كان فو يعيد كتابة نصوصه وفقاً للواقع الذي يتغير ويختلف، أي أنه كان يعيد كتابة النصوص وفقاً للأحداث الجارية، وقد استخدم عناصر ملحمية في عروضه ومنها إدخال عروض الصور والمقاطع السينمائية واستخدامها في المسرح، وتحطيم الحائط الرابع (كسر الإيهام) واستخدام الراوي وصعود الممثلين للمسرح دفعة واحدة.
مشاركة :