إعداد: محمد فتحي منذ افتتاحها قبل 44 عاماً كصرح موسيقي متكامل وأيقونة معمارية لا مثيل لها، برزت أوبرا سيدني ومضة سافرت عبر الزمن آتية من الماضي السحيق لتضيء العالم بفنونها وتطرب آذان العالم بأصوات المغنين العذبة وتتربع على عرش الفنون الأوبرالية، وعلى الرغم من حداثتها فإنها أصبحت أيقونة معمارية وفنية ذات قيمة هائلة، وكأنها إحدى عجائب العالم المفقود الذي تُنسج حوله الأساطير عبر الأزمان، لتطل علينا من جديد وتبهرنا بأروع الفنون القديمة والحديثة على حد سواء. لم تكن أوبرا سيدني أقدم دور أوبرا في العالم، ولكنها أصبحت أشهرها على الإطلاق، وهو ما يعكس تفردها بالعديد من المميزات الفنية والحضارية أيقونة معمارية فريدة وقاعدة ومركز لمختلف الفنون الأوبرالية العالمية ووجهة جاذبة لكل عشاق الفنون من جميع دول العالم. تعد أوبرا سيدني صرحاً فنياً وعلمياً وثقافياً متكاملاً يمتد تأثيره إلى جميع دول العالم، وهو ما أهلها لتكون ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو في 28 يونيو عام 2007. كما أظهر الاستفتاء الذي أجرته جريدة التايمز البريطانية عام 1992 أن نحو 70% من القراء اعتبروها أهم أعجوبة في العالم الحديث. وهي تعد رمزاً ليس فقط لمدينة سيدني، بل لأستراليا بأسرها، واستخدم المنظر العام لها كشعار للألعاب الأولمبية بأستراليا في العام 2000. تصميم الأوبرا الفريد أول ملامح شهرتها ومكانتها العالمية، وأول ما يميزها في أعين الآخرين، ووصف تصميمها كثير من المعماريين بأنها ملتقى الفن والإبداع والجمال بشموخ أشرعتها على الواجهة البحرية للمدينة، أما تحت سقفها المثلث فتُعزف أجمل سيمفونيات الأوركسترا العالمية وتتمايل راقصات البالية في إيقاعات بديعة، إلى جانب استضافة نخبة من المغنين ليصدحوا بأصواتهم داخل قاعتها الرئيسية التي تعود بنا إلى أزمان كلاسيكية ليس لها مثيل في عالم الموسيقى. ويعد مبنى الأوبرا أفضل أيقونة معمارية أسترالية على الإطلاق، صممها المعماري الدنماركي يورن أوتسون وحرص على تكوين شراعين متشابكين، ما جعل منها عملاً هندسياً مميزاً لم يسبقه إليه أحد من قبل. وإلى جانب جمال التصميم الخارجي، راعى المصمم التصميم الداخلي، ليكوّن فراغاً جماليا يعمل على التقليل من مشاكل الصدى الصوتي ما يؤثر في العروض الموسيقية بدرجة كبيرة. وبإمكان دار أوبرا سيدني استيعاب أكثر من 6600 من المشاهدين، وقاعاتها مخصصة لإقامة حفلات الموسيقى وكل من المعزوفات الكبيرة والصغيرة وعروض الأوبرا، والمسرحيات، والرقص الإيقاعي، والباليه، والأفلام، والعزف المنفرد، وإقامة المعارض، والمناسبات. وتضم الدار قاعة احتفال رئيسية تسع نحو 2700 شخص، وبينما يسع مسرح جوان ساذرلاند لنحو 1500 شخص، إضافة إلى مسرح صغير يتضمن 400 مقعد، كما يضم استوديو للتسجيل وغرفة متعددة الأغراض تتسع لنحو 200 شخص أطلق عليها غرفة أوتسون عام 2004. أصبحت دار أوبرا سيدني ملتقى عالمياً لجميع الفنون الأوبرالية والموسيقية، وتواكب بعروضها جميع الفعاليات والمهرجانات والاحتفالات العالمية والتي تميز كل دولة، كما تتميز بزخم هائل يتمثل في أكثر من 40 عرضاً خلال الأسبوع الواحد من مختلف دول العالم وبالعديد من اللغات العالمية. وتواكب الأوبرا دائماً التطور الهائل في مختلف الفنون الاستعراضية والغنائية الراقية، فعلى سبيل المثال تستضيف الأوبرا هذا الأسبوع مجموعة شديدة التنوع من العروض مثل عروض سيرك Barbu الفرنسي التي انطلقت أخيراً وتستمر حتى 4 مارس المقبل، ويقدم الفريق فقرات كوميدية في قالب إنساني والمصحوبة بموسيقى لأمهر العازفين. كما أن هذا الأسبوع هناك موعد مع أروع عروض أوبرا سيدني Great Opera Hits مع نخبة من أشهر الراقصين والمغنين الأستراليين مع مقطوعات بيزيه وبوتشيني وروسيني وفيردي. وفي موعد مع الفنون المعاصرة، تنطلق عروض Murder and Redemption أو القتل والخلاص للفنان سام أميدون الذي يفتح نافذة التاريخ الأمريكي من خلال عروض وأغان متنوعة الأحد المقبل. وبمناسبة الاحتفال برأس السنة القمرية الصينية، تنظم أوبرا سيدني حفل Music under the Moon أو الموسيقى تحت القمر، الذي ينقسم إلى عرضي النمر المرابض والتنين المختفي التقليديين. وأوبرا سيدني شريك أساسي في تنظيم غالبية المهرجانات التي تشتهر بها مدينة سيدني، بصفتها مركزاً ثقافياً هائلاً، حيث يبدأ العديد من الفعاليات والعروض الشائقة لمواكبة تلك الاحتفالات وأبرزها مهرجان فيفيد سيدني الذي ينطلق على هيئة كرنفالات ملونة صاخبة تزين أشرعة أوبرا سيدني، ويحتفل المهرجان بالضوء والموسيقى والأفكار الجديدة، وهو ما يجعل الأوبرا تتصدر مشهد المهرجان وتصبح علامة مميزة له من خلال العديد من الفقرات والفعاليات. أما في مهرجان سيدني فتتصدر أوبرا سيدني المشهد الذي يزخر بعدد هائل من الفنون المعاصرة التي تتراوح بين العروض الفنية والمعارض وجلسات التصوير ومسابقات الفن التشكيلي والعروض المسرحية والحفلات الغنائية الصاخبة، وتنال أوبرا سيدني نصيباً كبيراً من تلك الفعاليات سواء داخل قاعاتها أو داخل ساحاتها الفسيحة التي باتت مزاراً سياحياً. تنظم أوبرا سيدني أيضاً مهرجان Festival of Dangerous Ideas (الأفكار الخطرة)، وعلى عكس طبيعة الأوبرا الفنية، فإن ذلك المهرجان عبارة عن عدد من المحاضرات والحلقات النقاشية التي يحضرها المهتمون يتناول العديد من الأفكار المطروحة على الساحة الاجتماعية والفنية والثقافية وحتى السياسية. تجارب فريدة تمنح أوبرا سيدني زوارها العديد من التجارب المدهشة، والتي تنفرد بها عن بقية دور الأوبرا العالمية، فإلى جانب الجلوس أمام الفرق الاستعراضية والاستمتاع بالموسيقى والعروض الأوبرالية الحية، تنظم أوبرا سيدني جولات خلف الكواليس التي تمنح الزوار فرصة لمشاهدة استعدادات وتدريبات الفرق الاستعراضية انطلاقاً من دورها الريادي بالتعريف بمختلف أصول الفنون الأوبرالية وكيفية تأديتها منذ مراحلها الأولية. كما يتم التعرف خلال تلك الجولات إلى التصميم الداخلي للأوبرا وحجرات تشغيل أنظمة الصوت والموسيقى، ومراحل إعداد المسرح وقاعات الاحتفالات في جميع المناسبات. وتخصص عادة تلك الجولات لأعداد قليلة لضمان سير العمل بسلاسة داخل الأوبرا، وعدم إزعاج الفرق الاستعراضية أثناء تدريباتها. وفي إطار شراكتها في العديد من القضايا الإنسانية، تنظم أوبرا سيدني عروضا درامية وفنية خاصة تلقي الضوء على أهم تلك القضايا التي تشغل المجتمعات العالمية، فعلى سبيل المثال تتبنى الأوبرا مهرجان All About Women أو (كل ما يتعلق بالمرأة) الذي ينطلق في 5 مارس المقبل يتضمن عددا من الفقرات الفنية التي تستعرض أهم تحديات المرأة داخل المجتمعات العصرية بمختلف أنواعها في العديد من الدول.
مشاركة :