«جنيف 4».. هل يفك طلاسم الأزمة السورية؟

  • 2/9/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد سيد أحمد ما بين جنيف1 في نهاية 2012، وجنيف4 في فبراير/ شباط 2017، شهد المسار السياسي للأزمة السورية محطات عديدة تخللتها جنيف2 و3، وفيينا 1و2، وعشرات المبادرات، تحطمت جميعها على صخرة الواقع السوري وتعقيداته المتشابكة داخلياً وإقليمياً ودولياً، وأخفقت في التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة، بينما استمر المسار العسكري لأكثر من ست سنوات، أفضى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وملايين اللاجئين والمصابين، وتدمير البنية الأساسية للدولة. شكل مؤتمر أستانة، الذي عقد في يومي 23 و24 يناير/ كانون الثاني الماضي، نقلة مهمة في تفاعلات الأزمة بعد تثبيت وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه، وتشكيل آلية مراقبة ثلاثية روسية تركية إيرانية استطاع الصمود حتى الآن، رغم الخروقات العديدة، التي تقع في كثير من المناطق والمدن، فهل ينجح مؤتمر جنيف المقرر في العشرين من هذا الشهر في فك طلاسم الأزمة السورية، والتوصل إلى حل نهائي أم يكون مصيره كغيره من المؤتمرات؟. ثمة عوامل تدفع باتجاه التفاؤل حول إمكانية نجاح جنيف4 تتمثل في: } أولاً: قناعة جميع الأطراف المتشابكة في الأزمة بفشل الحل العسكري، وأهمية الحل السياسي في تحقيق تسوية شاملة، فرغم رهان الأطراف المختلفة الداخلية والخارجية على الحسم العسكري، خلال السنوات الست السابقة، لفرض الطرف المنتصر رؤيته لشكل الحل السياسي، إلا أنها فشلت جميعاً، وظلت الأزمة في حالة اللاحسم. } ثانياً: تغير خريطة التوازنات والمواقف في الأزمة السورية، فقد تغيرت موازين القوى خلال العامين الأخيرين بشكل كبير لصالح النظام السوري وحلفائه، بعد التدخل الروسي، وتحرير شرق حلب، وهو ما أضعف شوكة المعارضة المسلحة، ودفعها إلى إبداء المرونة النسبية، للمشاركة في الحل السياسي ومحادثات أستانة، كما اتجهت روسيا بعد معركة حلب إلى ضرورة التوصل إلى حل سياسي، نتيجة للتكلفة الباهظة لاستمرار انخراطها في الصراع عسكرياً، كما تبدل الموقف التركي من الأزمة، وأصبح أكثر برغماتية بعد التراجع عن أولوية إسقاط الرئيس السوري لصالح التركيز على محاربة الإرهاب وتنظيم داعش، ووقف تصاعد النفوذ الكردي في شمال سوريا. وقد نجحت روسيا وتركيا في تحريك مسار الأزمة، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتثبيته وتهيئة المناخ أمام الحل السياسي، كذلك تبدل الموقف الأمريكي في ظل إدارة ترامب، والانتقال من حالة التردد، التي اتسمت بها إدارة أوباما وأدت لتصاعد نفوذ داعش، إلى بلورة موقف أكثر وضوحاً في التركيز على محاربة الإرهاب بالتعاون مع روسيا، والسعي لإقامة مناطق آمنة في شمال البلاد، لإيواء النازحين وإعادة اللاجئين السوريين في الخارج إليها، رغم ضبابية الفكرة وكيفية تنفيذها ومعارضة الأمم المتحدة لها، خشية تكرار تجربة رواندا عام 1994. ويزيد من فرص النجاح أن مفاوضات جنيف4 تنطلق من محادثات أستانة وتحت رعاية الأمم المتحدة، ووجود حالة توافق دولي عام على إنهاء الأزمة. في المقابل، ثمة تحديات تواجه المفاوضات، وتقلل من فرص نجاحها، وتتمثل في: } أولها: الانقسام المتزايد بين المعارضة السورية، ودخولها في حالة الاقتتال فيما بينها، وعدم وجود موقف موحد من المفاوضات، وقد انعكس ذلك في عدم الاتفاق على من يمثل المعارضة، ما دفع مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا إلى التهديد بتشكيل وفد المعارضة لجنيف، إذا لم تتفق على وفد موحد، وجاء هذا الانقسام نتيجة لحالة الاستقطاب المتزايدة ما بين سعي روسيا لإشراك فصائل معينة من المعارضة، وتهميش الهيئة العليا للمفاوضات والائتلاف الوطني للثورة من جهة، وسعي بعض الأطراف الدولية إلى اعتبار الهيئة العليا هي الممثل الشرعي للمعارضة واتهام روسيا بتفصيل معارضة على مقاسها لفرض حل سياسي معين من جهة أخرى، كذلك إصرار تركيا على استبعاد المعارضة الكردية، بعد أن نجحت في استبعادها من أستانة. ويمثل انقسام المعارضة تحديا كبيرا أمام تحقيق تسوية توافقية تشمل جميع الأطراف سواء المعارضة السياسية أو المعارضة المسلحة على الأرض، ويرتبط بذلك التحدي كيفية ضمان الحفاظ على وقف إطلاق النار في ظل الخروقات المتعددة لها، كذلك عدم شموله لتنظيم داعش وفتح الشام، اللذين يسيطران على مساحات كبيرة من الأرض، ويتداخلان مع مناطق المعارضة السورية المسلحة. } ثانيها: تناقض المواقف حول شكل الحل السياسي ومرجعيته، وهو اللغم الأكبر، الذي أعاق المسار السياسي لسنوات عديدة، ويمكن أن يفجر جنيف4، فالنظام السوري وحلفاؤه يستهدفون تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من المعارضة المعتدلة بعد تسليم أسلحتها، وعدم التطرق إلى مصير الرئيس السوري، بل وتسعى روسيا إلى طرح مسودة دستور جديد لسوريا يقوم على إعطاء صلاحيات أكبر للبرلمان. في المقابل تهدف المعارضة وحلفاؤها من الأطراف الإقليمية والدولية تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة، وفقاً لبيان جنيف1 تقوم بالإشراف على الفترة الانتقالية، وتشكيل دستور جديد، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، واستبعاد الرئيس السوري من أية ترتيبات مستقبلية، وتطبيق الجوانب الإنسانية لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشأن فك الحصار على المدنيين، وإيصال المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المعتقلين، وهو ما يرفضه النظام وحلفاؤه، خاصة أن الحديث عن هيئة انتقالية قد تم استبدالها لهيئة حكم ذات مصداقية وغير طائفية في جنيف2 ثم تحولت إلى حكومة وطنية ذات مصداقية وغير طائفية في جنيف3؛ ولذا التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق التوافق بين رؤيتي النظام والمعارضة في ظل موازين القوى الجديدة، وتبدل المواقف الدولية، وكيف يمكن أن يكون الحل السياسي نتاج مساومات الأطراف المختلفة، فروسيا تسعى لاستثمار دورها الفاعل في الأزمة في الحفاظ على مصالحها ونفوذها السياسي والعسكري، وإيران التي ترى أنها قدمت تضحيات كبيرة من أجل بقاء النظام وتستهدف تحقيق مكتسبات اقتصادية وسياسية، وتركيا بعد أن نجحت في إقامة شريط حدودي عبر عملية درع الفرات تسعى لوقف تمدد النفوذ الكردي، وتخشى من الدعم الأمريكي النوعي لقوات سوريا الديمقراطية، والولايات المتحدة تريد محاربة داعش وفتح الشام ووقف نزوح اللاجئين عبر فكرة المناطق الآمنة. ولذلك فإن نجاح جنيف4 يتوقف على تفاعل كل هذه العوامل مجتمعة ومدى تحقيق التوافق بين المواقف المتناقضة والمصالح المتضاربة، وهو ما يعني أن مفاوضات جنيف لن تنجح في التوصل إلى حل سياسي نهائي، ومن المتوقع أن تستغرق جولات أخرى، وما يمكن أن تفضي إليه هو المحافظة على وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات، لكن المؤكد أن نجاح الحل السياسي يرتهن بشكل كبير برغبة وقدرة الأطراف السورية ذاتها، سواء النظام أو المعارضة في التوصل إلى حل سياسي شامل يستوعب جميع السوريين، انطلاقاً من أن الحل بأيديهم أولاً وأخيراً وليس بأيدي غيرهم، ويوقف آلة القتل والدمار، ويحافظ على وحدة الدولة واستقرارها ومحاربة الإرهاب، ودون ذلك فإن فرض الحل السياسي من الخارج سيكون هشاً ومؤقتاً، وستكون جنيف4 محطة من محطات الصراع الطويلة، التي يدفع ثمنها الشعب السوري وحده. *خبير العلاقات الدولية في الأهرام

مشاركة :