القاهرة: خالد محمود عمان: محمد الدعمة في أحدث عمل إرهابي يستهدف البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية في العاصمة الليبية طرابلس، خطف مسلحون ملثمون السفير الأردني فواز العيطان في منطقة قريبة من وسط العاصمة طرابلس، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن «عائلة معتقل ليبي متطرف في السجون الأردنية، يدعى محمد الدرسي، تقف وراء عملية الخطف في محاولة لإجبار السلطات الأردنية على مقايضته وإبرام صفقة لإطلاق سراحه». فيما حملت الحكومة الأردنية، مسؤولية سلامة سفيرها لدى ليبيا للجهة الخاطفة. في وقت ألغت فيه الخطوط الجوية الأردنية رحلتها التي كان مقررا أن تتجه إلى طرابلس أمس، موضحة أنها تتابع الوضع في ليبيا لاتخاذ القرار المناسب بشأن الرحلات الجوية التي تشغلها الشركة بين البلدين. وقال شهود عيان ومسؤولون رسميون ليبيون إن «مجهولين ملثمين في سيارتين من دون لوحات هاجموا السفير وسائقه واختطفوا السفير واقتادوه إلى جهة غير معروفة». وطبقا لرواية أحد شهود العيان التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن عملية الخطف جرت بواسطة أربعة شباب صغار السن وملثمين في منطقة المنصورة خلف باب العزيزية في وسط العاصمة طرابلس، نحو الساعة الثامنة والربع صباحا بالتوقيت المحلي، حيث أصاب المهاجمون سائق السفير بالرصاص في قدميه، واصطحبوا السفير في سيارة بيضاء إلى مكان مجهول. وقالت زوجة السفير الأردني إن «الخاطفين، وفي أول اتصال من نوعه، اتصلوا بمديرة مكتبه وأكدوا لها أنه بخير». مشيرة إلى أنها المرة الأولى التي يخرج زوجها في موكب مؤلف من سيارتين، وأنه كان يقود إحداهما بنفسه. والسفير المختطف، هو ابن أحد زعماء أكبر القبائل الأردنية وهي قبيلة بني حسن التي يبلغ عددها مليون شخص، وتتمركز في منطقة المفرق على الحدود الأردنية السورية. وخضع السائق المغربي للسفير لعملية جراحية عاجلة بعدما أصيب جراء الهجوم برصاصتين، حيث قالت مصادر بمستشفى طرابلس المركزي إن «حالته الصحية مستقرة وليست خطرة وأنه ينتظر خروجه من المستشفى في وقت لاحق». وكشفت مصادر ليبية النقاب عن أن عائلة مواطن ليبي يدعى محمد سعيد الدرسي، وهو أحد عناصر التيار الإسلامي المتطرف، تقف وراء عملية الخطف بعد فشل محاولتها إقناع السلطات الأردنية بإطلاق سراحه، مشيرة إلى أن الخاطفين قاموا بمراقبة تحركات السفير قبل أسبوع لمعرفة خط سيره تمهيدا لاختطافه. وقال عصام بيت المال، عضو فريق التحقيق الليبي في حادثة الخطف، لوكالة «رويترز» إن «الخاطفين طلبوا الإفراج عن الدرسي، وقالوا إن السفير لم يصب بأذى». وأضاف أنهم «لا يعلمون حتى الآن هوية الخاطفين الذين اتصلوا بالهاتف المحمول الذي كان قد تركه السفير في سيارته». وقال أحد أصدقاء الدرسي، الشهير بمحمد النص، إنه خرج من السجون الليبية عقب مصرع أخيه في مواجهات مع جهاز الأمن الداخلي السابق عام 1998، مشيرا إلى أنه قرر الذهاب إلى العراق وسافر إلى تركيا، ومنها حاول الدخول إلى سوريا، لكن محاولاته باءت بالفشل، فتوجه إلى الأردن لمحاولة العبور من هناك. من جهته، قال محامي التنظيمات الإسلامية في الأردن موسى العبد اللات إنه على استعداد أن يتوجه إلى ليبيا من أجل الوساطة مع الخاطفين للسفير، «شريطة أن أحصل من الحكومة الأردنية على ضمانات بالإفراج عن موكلي سعيد محمد الدرسي، المحكوم بالأشغال الشاقة المؤبدة». وأضاف العبد اللات لـ«الشرق الأوسط» أن «موكله الدرسي يعاني من أمراض جراء عمليات جراحية سابقة في بطنه، وأنه مريض ونقل قبل ثلاثة أسابيع إلى مستشفى جميل التوتنجي في مادبا للعلاج، والآن يقبع في سجن الموفر، على بعد 30 كيلومترا شرق العاصمة عمان». وأوضح العبد اللات أنه أرسل إلى رئيس الحكومة الأردنية «رسالة استرحام» من أجل تأمين الإفراج عن موكله من خلال «عفو خاص» وإعادته إلى أهله في ليبيا، لكن المسؤولين الأردنيين لم يتجاوبوا مع هذه النداءات. يشار إلى أن الدرسي حكم عليه عام 2007 من قبل محكمة أمن الدولة الأردنية، بعد أن قبض عليه في مطار الملكة علياء، وكان يخطط لتفجير المطار في ذلك الحين، وينتمي إلى تنظيم القاعدة حسب التهم التي وجهتها له المحكمة الأردنية. من جهته، قال رئيس الوزراء الأردني، عبد الله النسور، خلال جلسة لمجلس النواب أمس: «نحمل مسؤولية سلامة السفير العيطان للجهة الخاطفة»، مؤكدا أن الحكومة الأردنية تؤكد عمق العلاقات بين الشعبين الأردني والليبي وبين الدولتين، وأن الأردن وقف إلى جانب ليبيا، ولم يتدخل في شؤون الدول إلا بما فيه خير. وقال إن «الأردن لم يكن يوما إلا إلى جانب الشعب الليبي الشقيق من أجل أمنه واستقراره وازدهاره»، داعيا السلطات الليبية والشعب الليبي للعمل على إطلاق سراح السفير. وبدوره، قال وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني، ناصر جودة، للصحافيين: «نعرف تماما أن الوضع الأمني في ليبيا وضع صعب جدا، ولم تصلنا حتى الآن أي اتصالات من الجهة الخاطفة»، واصفا حادث الاختطاف بأنه «يشكل منعطفا خطيرا». وأضاف «فور ورود الخبر اجتمعنا على كل المستويات، وبتوجيهات مباشرة من الملك عبد الله الثاني ومتابعة رئيس الحكومة وتنسيق مع مختلف الأجهزة المعنية. ونحن نقف على تفاصيل وتطورات هذا الحادث». وأشار جودة إلى أنه على اتصال مع وزير خارجية ليبيا، وطلب منه أن «تبذل كل المؤسسات والجهات المعنية في ليبيا كل ما تملك من جهد وطاقة للعثور على مكان احتجاز السفير والعمل على الإفراج عنه فورا»، موضحا أن وزير الخارجية الليبي أبدى كل تفهم وعبر عن أسفه الشديد عن هذه الحادثة، وأكد أنهم لن يدخروا أي جهد في هذا المجال، مؤكدين حرصهم على العلاقات الطيبة مع الأردن الذي كان من أكبر الداعمين وما زال لليبيا. وقال جودة إن «السفير العيطان من الدبلوماسيين النشيطين جدا، وإنه لم يتردد لحظة واحدة عندما طلبنا منه، وفي ظل ظروف أمنية صعبة جدا (في ليبيا) أن يذهب لتمثيل الأردن في طرابلس. وحتى مع ازدياد الأوضاع الأمنية سوءا، بقي على رأس عمله». موضحا التواصل مع أسرة العطيان، وأضاف: «طلبنا أيضا، من خلال بعثتنا الدائمة في نيويورك، أن نخاطب مجلس الأمن لإصدار بيان لإدانة هذا العمل المرفوض، والذي استهدف المملكة الأردنية الهاشمية وتمثيلها الدبلوماسي في ليبيا». وشهدت العلاقات الليبية الأردنية تطورا ملحوظا بعد نجاح ثورة 17 فبراير (شباط) وسقوط نظام القذافي، بعد أن ساهم الأردن في تقديم الخدمات اللوجيستية والمشاركة مع حلف الناتو في تأمين الدعم الجوي للثورة الليبية. كما قام الأردن بتدريب قوات الشرطة والأمن وقوات من الجيش الليبي. على صعيد متصل، توقعت مصادر مطلعة في الأردن أن تكون عملية اختطاف السفير الأردني رسالة سياسية للحكومة الأردنية، تهدف إلى الحد من تطور العلاقات الثنائية مع ليبيا. إلا أن مصادر أخرى توقعت أن تكون العملية رسالة للضغط على الأردن من أجل الإفراج عن أحد الليبيين المحكوم عليه بالسجن المؤبد، إلا أن مصادر حكومية استبعدت هذا الاحتمال. من جهة أخرى، ألغت الخطوط الملكية الأردنية رحلتها التي كان مقررا أن تتجه إلى العاصمة الليبية طرابلس أمس، وقالت الشركة في بيان إنها «تتابع الوضع في ليبيا بعد اختطاف السفير الأردني لاتخاذ القرار المناسب بشأن الرحلات الجوية التي تشغلها بين عمان وكل من طرابلس (عشر رحلات أسبوعيا) وبنغازي (أربع رحلات أسبوعيا) ومصراته (رحلتين أسبوعيا)». موضحة أن الاتصالات ما زالت جارية بينها وبين الجهات المعنية في البلدين للوقوف على آخر المستجدات بهذا الخصوص. وفى محاولة لطمأنة السلطات الأردنية، أجرى رئيس الحكومة الليبية المستقيل عبد الله الثني اتصالا هاتفيا بنظيره الأردني عبد الله النسور، أدان خلاله الحادث، وأكد أن حكومته تولي اهتماما بالغا بهذه القضية، وضمانة سلامة السفير، وأنها تبذل كافة جهودها لمعرفة ملابسات هذا الحادث المؤسف مع الجهات المختصة وعلى أعلى المستويات. وأصبحت عمليات الخطف متكررة في ليبيا وكثيرا ما يستهدف الخاطفون المسؤولين الأجانب، ومنذ بداية العام الحالي خطف خمسة من الدبلوماسيين المصريين ومسؤول تونسي ومسؤول تجاري كوري جنوبي. وزادت أيضا أعمال العنف العشوائية، حيث قتل مدرس أميركي بالرصاص في بنغازي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأعدم رجل بريطاني وامرأة نيوزيلندية على الشاطئ في الغرب في شهر يناير (كانون ثاني) المنصرم.
مشاركة :