أصداء تهديدات ترامب في مواجهة التنظيمات الإسلامية، هزت المشهد السياسي العراقي وحفزت عددا من السياسيين، على التعاطي معها بشكل غير مباشر. العربهارون محمد [نُشرفي2017/02/09، العدد: 10538، ص(8)] خوف وقلق وترقب، عناوين ساخنة لجدل يسود الساحة العراقية منذ دخول الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من الشهر الماضي، خصوصا في أوساط الطبقة السياسية الحاكمة، وأكبر الخائفين من سياسات الإدارة الأميركية الجديدة، هم قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية وأغلبهم مرتبطون بإيران، حكومة أو حرسا أو اطلاعات، وتزايدت هذه المخاوف بعد الإعلان عن اتصالات ومكالمات هاتفية أجراها الرئيس المنتخب عقب تسلمه مسؤولياته، مع القيادتين السعودية والإماراتية واستقباله للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، كأول زعيم عربي يزور واشنطن، في وقت بدأ الأمين العام للحزب الإسلامي (السني) إياد السامرائي، يقاتل على جبهة الإعلام، لنفي ارتباط حزبه بجماعة الإخوان المسلمين، التي يتردد أن الخارجية الأميركية بصدد وضعها في خانة الإرهاب (الإسلامي)، بينما يكثف نائبه في الحزب ورئيس مجلس النواب سليم السامرائي، جهوده لإطلاق حزبه الخاص به، مختارا له اسما مبدئيا يوحي بتوجهات ليبرالية “العمل والتنمية”. العنوان المحوري الذي يتصدر المناقشات ويضفي عليها تحسبا للآتي من الأيام هو: كيف سيتعامل الرئيس الأميركي الجديد مع الوضع العراقي الحالي، وهو صرح في أكثر من مناسبة، بأنه سيتصدى للتنظيمات الإسلامية في العراق وغيره، وعازم على مصادرة النفط العراقي، تسديدا لثلاثة تريليون دولار، يقول أن بلاده أنفقتها على حربها في العراق، منذ مارس 2003 لغابة انسحاب قواتها العسكرية في نهاية 2011، فيما تتصاعد المخاوف أيضا من تحويل العراق إلى ميدان صراع وربما حرب بين واشنطن وطهران، وسط تهديدات متبادلة وتصريحات متشنجة بين الجانبين. ولعلها من الحالات المثيرة للانتباه، أن أصواتا عراقية واسعة، وخاصة من المثقفين والفعاليات المدنية والاجتماعية والناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي، باتت تتعاطف مع دعوات ترامب في الاستيلاء على النفط العراقي، في مفارقة سياسية تعكس الشرخ الكبير بين السلطات الحاكمة المتهمة بتبديد ثروة البلد الأساسية، وبين الفئات الشعبية المقتنعة بأن نفطها مسروق مسروق، ولا فرق عندها، أن يسطو عليه الأجنبي ترامب علنا، وتعتبر ذلك أفضل من سرقة الأحزاب والكتل والميليشيات له سرا، بلا عدادات أو إحصاءات دقيقة. وقبل أيام طلع أحد النواب وأعلن أن لديه وثائق تشير إلى وسيلة غير مسبوقة في سرقة النفط المصدر، بحيث يتم الاتفاق بين السراق ووكلاء سفن وناقلات، على تحميلها كميات من النفط تفوق الكميات المتعاقد عليها مع وزارة النفط، وضرب أمثلة على ذلك، ولكنه لم يفصح عن الجهات المستفيدة واكتفى بوصفها بـ”أوساط متنفذة” حصدت ملايين الدولارات وما تزال من عمليات تهريب النفط بهذه الطريقة، وسط صمت وزيري النفط جبار لعيبي، والنقل كاظم فنجان، المحسوبين على المجلس الأعلى، المتهم بإدارة موانئ خاصة، وتسيير ناقلات تعود له. وواضح أيضا أن أصداء تهديدات ترامب في مواجهة التنظيمات الإسلامية، قد هزت المشهد السياسي الحالي بعنف، وحفزت عددا من السياسيين، على التعاطي معها بشكل غير مباشر، في محاولة للتناغم معها عن بعد، وأول هؤلاء السياسيين رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي بات على وشك إعلان حزبه الوطني وليس الإسلامي في مارس المقبل، حسب ما بشر به أحد المحامين المقربين منه مطلع الأسبوع الحالي، مؤكدا بأنه سيغادر حزب الدعوة الإسلامي لا محالة، دون أن يشير إلى أن العبادي، ربما انتبه إلى رسالة الرئيس الأميركي وتصميمه على ضرب الجماعات والتيارات الإسلامية، وبدأ يسرع الخطى للتبرؤ منها، ضمانا لمستقبله السياسي، باعتباره سيكون رئيسا لحزب غير ديني أو طائفي، ويترك عضويته في المكتب السياسي لحزب الدعوة، الذي يتوقع أن يكون أول ضحايا الإعصار الترامبي. والسؤال الذي يتسيد المناقشات والحوارات بشأن تهديدات ترامب وإصراره على مصادرة نفط العراق بالقوة هو: كيف يكون شكل هذه المصادرة وما هي آلياتها المحتملة؟ خاصة وأن العراق مثقل بأعباء لا حصر لها، تبدأ من الحرب على داعش، مرورا باضطراب الوضع الأمني وتدني المستوى المعيشي والانقسام السياسي والطائفي، وانتهاء بميزانية مهلهلة تعاني عجزا مروعا. ثمة شبه إجماع على أن الخيار الوحيد المتاح للرئيس ترامب لتنفيذ سيطرته على النفط العراقي كما أعلن مرارا وتكرارا، هو إعادة احتلال البلاد من جديد، رغم أن هذا الخيار ليس سهلا وفق المعايير السياسية والعسكرية والتوازنات الإقليمية والدولية السائدة، ويواجه مخاطر بالجملة، ليس على العراقيين وحدهم، وإنما سيكلف الأميركيين كثيرا ويعرض الإدارة الجديدة إلى خسائر في الأرواح أعلى من خسائر فترة الاحتلال الأولى، خصوصا وأن اغلب منابع النفط وموانئه العاملة حاليا في جنوب العراق الذي يخضع لهيمنة الأحزاب والميليشيات الشيعية التي لن تتخلى عن مكتسباتها بيسر، مع وجود دعم سياسي وعقائدي وعسكري إيراني لها. بعض المؤيدين لأميركا أو محبيها على الأقل، ومعظمهم يقيم في الولايات المتحدة، صدعوا رؤوسنا خلال الأسابيع القليلة الماضية بمنشوراتهم ورسائلهم، التي هي أقرب إلى التمنيات، ينقلون فيها عن مصادر القرار(صدقا أم ادعاء) ان أميركا لا نية لها في احتلال العراق للسيطرة على نفطه، كما أعلن الرئيس ترامب، وإنما ستعمد الإدارة الجديدة إلى ترتيب الوضع العراقي من جديد، تقصي منه الأحزاب الدينية وتنصب حكومة مدنية ذات كفاءة ونزيهة، لا يقولون بالطبع “حكومة عميلة” بحيث تتولى هذه الحكومة، التفاهم مع الأميركان على اقتطاع حصة من مبيعات النفط العراقي لهم، كما حصل مع نظام صدام حسين وحكومات ما بعد عام 2003 في قضية دفع تعويضات إلى الكويت، وقدرت بـ300 مليار دولار، ثلاثة أرباعه مبالغ فيها. وعندما نسأل هؤلاء الحالمين، كم قرنا يحتاج العراق لتسديد ثلاثة تريليون دولار للمستر ترامب ومن سيأتون بعده؟ يجيبون بسرعة، ليس مهما الزمن، المستقبل كفيل بحل المشكلة، ونسأل أيضا كيف؟ ويأتي الجواب معلبا وجاهزا.. لا تقلقوا. كاتب عراقي هارون محمد :: مقالات أخرى لـ هارون محمد صيحات ترامب بمصادرة النفط العراقي ترعب الطبقة السياسية, 2017/02/09 هل ينجح العبادي في دحر المالكي المتربص به؟, 2017/02/02 السنة العرب في العراق مقبلون على مرحلة جديدة, 2017/01/26 يحدث في العراق الآن.. سليماني ومسجدي يحكمان, 2017/01/19 كوثراني الشيعي اللبناني ومهزلة تسويق سني عراقي, 2017/01/12 أرشيف الكاتب
مشاركة :