القدوة ونمذجة القيم في مجتمع حيوي «1»

  • 2/11/2017
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

يمثل الإسلام منهج حياة لنا، وهذا حق فدعوة الإسلام هي دعوة إلى الحياة: «يا أيُها الذِين آمنُوا استجِيبُوا لِلهِ ولِلرسُولِ إِذا دعاكُم لِما يُحيِيكُم» [سورة الأنفال: 24]، لذلك فنقطة انطلاقتنا نحو تحقيق هذه الرؤية هي العمل بتلك المبادئ. فالقيم والمبادئ لن نحيا بها إلا إذا خرجت من إطارها النصي أو القولي أو النظري إلى واقع معيش، وأهم أداة تعين على هذا التحول هي «القدوة». والافتقار إلى نموذج القدوة الحسنة أحد المشكلات الكبيرة التي يعاني منها مجتمعنا المعاصر، وتنعكس آثاره في تراجع قيم السلوك الإيجابية على أرض الواقع على الرغم من توافر كمٍ كبير من النصائح والأفكار الجيدة في الساحة النظرية. والقدوة أو الأسوة هي المثال العملي أو النموذج التطبيقي الذي يتشبه به الآخرون، فيعملون مثل ما يعمل، ويحذون حذوه، وقدوتنا العظمى هي رسول الإسلام- صلى الله عليه وسلم-، الذي أوصاه ربه بالتأسي بنماذج القدوة في الأنبياء والمرسلين من قبله: قال تعالى: «أُولئِك الذِين هدى اللهُ فبِهُداهُمُ اقتدِه» [الأنعام:90]، فتكاملت في شخصية النبي- صلى الله عليه وسلم- ما تفرق من كمالات في الأنبياء عليهم السلام، وحينذاك توجه القرآن للمؤمنين بالتأسي بهدي نبيهم- صلى الله عليه وسلم- فقال تعالى: «لقد كان لكُم فِي رسُولِ اللهِ أُسوة حسنة لِمن كان يرجُو الله واليوم الآخِر وذكر الله كثِيرا» [الأحزاب: 211]، يقول ابن كثير: «هذه الآية أصل كبير في التأسِي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله». والآية في سياقها التاريخي تدلنا على قيمة عظيمة نتأسى بها هي الثبات أمام التحديات، فقد نزلت في واقعة الأحزاب عندما حوصرت المدينة من قبل عشرة آلاف مشرك، يقول ابن كثير: «ولهذا أمر الله تعالى الناس بالتأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه». لقد تجلى هذا الثبات في عقيدة راسخة في الله وتأييده وفي أفعال إيجابية لمواجهة الحصار، بدأت بتشاور النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه ثم تعاون على تنفيذ الفكرة التي توصلوا إليها، وهي بناء خندق دفاعي، وتوزيع للمهام الدفاعية والاستطلاعية، مع تحمل للجوع والبرد والفزع حتى أتاهم النصر المبين، وطموح النهوض وتجاوز العقبات التي تعترضنا بحاجة إلى قيم الثبات والصمود، فلا نجزع ولا نتقهقر. إن روعة الأسوة الحسنة للنبوة الخاتمة أنها تضم شواهد في جميع جوانب الحياة، ولأدوار الحياة كافة عابدا وقائدا وأبا ومعلما وزوجا وصاحبا وقاضيا... بل إن من نجاحات النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه صنع من أصحابه نماذج قدوة باهرة، ودعا إلى الاقتداء بهم، فقال صلى اللهُ عليهِ وسلم: «اقتدُوا بِاللذينِ مِن بعدِي مِن أصحابِي أبِي بكرٍ وعُمر، واهتدُوا بِهديِ عمارٍ، وتمسكُوا بِعهدِ ابنِ مسعُودٍ» كما في صحيح الترمذي. إنها معجزة بناء «مجتمع حيوي»، وصدق الشاعر محمود غنيم: أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الصحراء أحياه نحن بحاجة إلى أن نرى القيم تمشي على الأرض نراها بملء أبصارنا في أبوينا ومعلمينا ودعاتنا ومسؤولينا. وليس مجرد دعاية تملأ الأسماع. ودائرة القدوة تتسع لتشمل كل الناجحين والمتميزين في شتى مناحي الحياة الذين بذلوا سنوات من الجهد والتجريب لتحصيل النتائج المرجوة، وبوسعنا- نتيجة لمحاكاة الأفعال استغرقت سنوات لإتقانها- أن ننجح في أداء نفس الأعمال لاستخلاص نفس النتائج في خلال فترة وجيزة. القدوة هي ممر التفوق، فلو أردت تحقيق النجاح فكل ما تحتاجه هو أن تبحث عن القدوة في الذين سبقوك إلى النجاح، وذلك بالبحث في أفعالهم، وفي كيفية استخدامهم لعقولهم وأجسامهم في الحصول على ما يريدون، وباختصار الاقتداء آلية منهجية لمحاكاة أي شكل من أشكال التفوق الإنساني في فترة قصيرة من الزمان ليس بالمعرفة وحدها فهي لا تكفي إذا لم يتبعها الفعل الذي يُنتج التغيير. ودراسات البرمجة اللغوية العصبية NLP تنظر إلى الاقتداء على أنه عملية «نمذجة» لقدرات متميزة أو سمات فائقة لشخص ما، وتركز على سلوكه ومعتقداته، وقيمه، ثم جعلها قابلة للنقل للآخرين، وهي طريقة صار لها انتشار في عالم التدريب الإداري والشخصي. وطموحنا لا يقف عند حدود الاقتداء بغيرنا، بل هو أن نصنع من أنفسنا قدوة للآخرين، «وللحديث بقية»

مشاركة :