طل على الجمهور بملامح وجهه الجادة، وبتجسيد شخصيات لم تخرج أغلبها عن دائرة «المعلّم»، إضافةً لبنيانه القوي الذي يدل على إمكانية إخضاع من حوله لصالحه، وهو ما استنتجه الكثيرون من واقع أدوار الشر التي لعبها. كل هذه الأمور غطت على ظروفه وتكوينه الذي جعله شخصًا مغايرًا لما شاهده الجمهور عليه، لتختفي عن أنظار الجميع ثقافته الواسعة وآراؤه السياسية المناهضة للسلطة باختلاف الرؤساء والملوك، والتي أفضت في النهاية إلى اعتقاله. بهذا التناقض عاش الفنان الراحل، علي الشريف، بين ظروف صعبة أثرت عليه شخصيًا طيلة حياته، وظهوره بشكل مخالف لطبيعته أمام كاميرات السينما، وهي الأمور التي دفعت «المصري لايت» للتوجه إلى نجله حسن علي الشريف، الذي روى تفاصيل عدة عن والده في ذكرى وفاته رقم 30. . الأيام الأخيرة استمر «حسن» في رواية تفاصيل حياة والده، حتى وصل إلى منتصف عام 1985، وبدءً من تلك الفترة شعر علي الشريف بدنو أجله، وهو الإحساس الذي دفعه إلى شراء مدفن خاص به، وأخبر أهله قائلًا: «أنا أول واحد هتدفن فيها»، حينها ظن الأبناء أن الأمر مجرد «كلام». وفي يناير 1987، أي قبل الوفاة بشهر واحد، أصدرت السلطات قرارًا بإقاف حظر ممارسة الفنان علي الشريف لحقوقه السياسية، والمحروم منها منذ دخوله المعتقل، وطيلة 29 عامًا كان ممنوعًا من الترشح أو الانتخاب، لدرجة حرمانه من الإدلاء بصوته في انتخابات الأندية، بموجب عضويته في الترسانة والزمالك. بهذا الشكل لم يستمتع علي الشريف بزوال قرار رفع «الحظر» عنه، وعن شعوره في تلك اللحظات يروي «حسن» بأن والده كان لا يهتم بالأمر بشكل كبير، لأن الانتخابات كانت «زي عدمها» حسب تعبيره. خلال هذه الأيام كان «علي» يعكف على كتابة فيلم تدور فكرته حول «ماذا يحدث لو ظهر بئر بترول تحت الأهرامات؟»، ويتساءل من خلال أحداثه عن إمكانية تضحية المسؤولين بتاريخ البلاد من أجل «قروش»، أم أنهم سيتمسكون بمبادئهم. وقبل أسبوعين من رحيله كان «علي» جالسًا مع نجله «حسن» في منزلهما بالعجوزة، بينما بقية الأسرة توجهت إلى ميت عقبة، حينها بكى الفنان الراحل بـ«حرقة» فور سماعه أغنية «صلينا الفجر فين صلينا في الحسين». ويروي «حسن» عن تلك الواقعة إنه كان في قمة الاستغراب، وتحرج من سؤاله عن سبب تأثره بالأغنية، قبل أن يقول: «هي كانت كلمات فؤاد حداد، وهما تقريبًا كأصدقاء ماتوا في سنوات متعاقبة، يعني فؤاد حداد وأبويا، اتاخدوا بالترتيب». كذلك كان يتمنى «علي» في تلك الفترة أن يكون بطلًا لفيلم «زوربا المصري» على غرار ما قدمه الفنان العالمي «أنتوني كوين» عام 1964، وأحب تقديم تلك الشخصية في القالب المصري. . قصة الوفاة انتهى الفنان علي الشريف في ساعة متأخره، من يوم 10 فبراير 1987، من البروفة النهائية لمسرحية «علشان خاطر عيونك»، وتوجه إلى منزله، وفور دخوله من باب الشقة أطلق «كُحته» المعتادة كعلامة للوصول، ليبدأ بعد الثالثة فجرًا في قراءة كتاب عن استشهاد الإمام الحسين. واستمر «علي» في قراءة الكتاب حتى السادسة صباحًا، وبكى بشدة متأثرًا بالأحداث، حينها قال لزوجته: «صحي العيال خليني أشوفهم.. أنا هموت النهاردة»، وهو ما لم تصدقه السيدة «خضرة». بعدها توجه «علي» إلى غُرف الأبناء واطمئن عليهم وهم نيام، ثم ذهب إلى الشرفة ورفع صوته قائلًا: «مدد يا حسين جايلكم يا أهل البيت»، لتبدأ الزوجة في القلق فور سماعها تلك الكلمات. عاد «علي» بعدها إلى فراشه وتبعته زوجته، وسألته عن حاجته للذهاب إلى المستشفى، لكنه أجابها: «لأ.. أنا كده كده ميت، عشان الجثة ما تتبهدلش من الشيل والحط.. خلاص أنا في البرزخ»، واستمر في حديثه لأم أبناءه: «إنتي عارفة اللي ليا واللي عليا، واللي عليا قبل اللي ليا، وخلي بالك من حسن وأسماء»، أي جمع أولاده بين البكري والصغرى. ويعود «حسن» بذاكرته عن تلك اللحظات، حينها كان واقفًا على باب الغرفة، وفور رؤيته وصول الأمر لتلك الدرجة سارع لإحضار الطبيب إلى المنزل، والذي أخبرهم فور انتهائه من الفحص: «البقاء لله»، وهو ما لم يصدقه الابن ودفعه لإحضار طبيب آخر، وقال لهم: «ده توفى من نص ساعة». وبالفعل صدقت نبؤة علي الشريف قبل عام ونصف، حينما أخبر عائلته بأنه أول من سيدخل من الرجال في المدفن الذي اشتراه، بعد أن سبقته والدته. المفاجأة سادت الوسط الفني، خاصةً الفنانين فؤاد المهندس وأحمد زكي، واللذان لم يصدقا نبأ الوفاة حتى في العزاء، خاصةً أنه كان لا يعاني من أي مرض حينها. ورحل الفنان علي الشريف دون أن يجيب عن سؤاله «ماذا لو ظهر بئر بترول تحت الأهرامات؟»، وانتهى مشروع كتابة فيلمه دون أن يخرج إلى النور، كما لم يحقق حلمه بتجسيد «زوربا» على شاكلة «أنتوني كوين». ويروي الابن عن أحاديث المقربين لوالده عقب وفاته: «من كلام الناس اللي شافوه في الآخر قالوا هو سلم علينا وكإنه الوداع الأخير».
مشاركة :