«جون ويك 2» يضع سينما الحركة في أجمل حلة فنية

  • 2/12/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل خرجت من صالة سينما وأنت تشعر بالاندهاش والعجب؟ هل سبب لك فيلمٌ ما شعوراً بالبهجة وأطلق الأدرينالين في عروقك؟ هل شعرت بأن بطل فيلم حركة مستمتع بأدائه أكثر من أي وقت مضى؟ هل شاهدت فيلماً وشعرت بأنك تشاهد أوركسترا؟ هذا بالضبط هو الشعور الذي يراودك أثناء مشاهدة فيلم «جون ويك: الجزء الثاني»، وهو التالي لفيلم «جون ويك» مفاجأة عام 2014. ستاهلسكي.. بانتظار الجزء الثالث ستاهلسكي لم يترك شيئاً لمن قد يأتي بعده، ستاهلسكي هو المجدد بكل جدارة، ستاهلسكي ابتكر أسلوباً سينمائياً مزج العنف بالفن، بطريقة ستبكي كوينتن تارانتينو. ستاهلسكي يحكي قصة قاتل مأجور، من خلال جسده وحركاته وقفزاته وركلاته. ستاهلسكي صنع «لا لا لاند» سينما الأكشن، بل صنع سينما جديدة خالصة، بل رسم لوحة فنية كلاسيكية سيريالية لم يسبقه إليها أحد. في وسط تلك اللوحة هناك جون ويك، أسطورة القتلة المأجورين، ليس «كاوبوي» ولا ساموراي ولا نينجا، بل جون ويك، المرعب الذي يخافه الجميع، إنه «البعبع بعينه». ستاهلسكي.. نحن بانتظار الجزء الثالث. «جون ويك» لم يكن فيلماً عادياً، كان استثنائياً وغريباً في كل مراحل إنتاجه، منتجو الفيلم الأول لم يلتقوا المخرج تشاد ستاهلسكي ولا بالبطل كيانو ريفز، والنص كان أصلياً، أي ليس من النوع الذي تفضله الاستوديوهات الباحثة عن نصوص مقتبسة من أعمال أخرى شهيرة، لتتمكن من تسويقها بسهولة. أدخل ستاهلسكي، بعد أن قرر تولي الإخراج (وهذا الأخير مدرب فنون قتالية، وممثل أدوار مجازفة درب ريفز في أفلام ميتريكس) ريفز في دورة فنون قتالية مكثفة وكانت النتيجة مبهرة للغاية؛ إذ حقق الفيلم نجاحاً كبيراً دون حملة تسويقية، وعاد ريفز إلى السينما بقوة، بعد إخفاق لاحقه مدة 11 عاماً. ريفز لم يكتفِ بظهوره في الفيلم الأول كعلامة لعودته، بل استغل بذكاء مشهداً كان مربوطاً فيه بكرسي، وقال: «يسألني الناس إن كنت سأعود، لم تكن لديَّ إجابة..»، قبل أن يصرخ بصوت رعدي قائلاً: «نعم سوف أعود». نعم لقد كان ذلك إسقاطاً على ريفز نفسه، وبالفعل عاد. تكملة «جون ويك» (ريفز) عن قاتل مأجور يقرر التقاعد، للاعتناء بزوجته المريضة التي تموت وتترك له كلباً. في يوم ما يلتقي ويك عصابة في محطة بترول، ويطلب منه أحد أفرادها بيع سيارته موستانغ الكلاسيكية طراز 1969، وعندما يرفض ويك تهجم عليه العصابة ليلاً وتبرحه ضرباً وتقتل الكلب وتسرق السيارة. يقرر ويك الانتقام، وذلك يعني تراجعه عن قرار تقاعده، ويشن هجوماً ضارياً على «المافيا» الروسية في نيويورك بمساعدة بعض الأصدقاء، ويقضي عليها عن بكرة أبيها. الفيلم الجديد يكمل من حيث انتهى الأول، ويك ذاهب لاسترجاع سيارته التي تركتها العصابة في مرآب، ولا يكاد يرتاح حتى يأتيه سانتينو دي أنتونيو (ريكاردو ساكامارسيو)، ليذكره بأن لديهما قسماً مشتركاً يلزم ويك بإسداء خدمة إلى أنتونيو قبل تقاعده. يرفض ويك، فيضطر أنتونيو لإحراق بيت الأول الذي يضطر لتغيير رأيه التزاماً بالقسم. الخدمة هي السفر إلى العاصمة الإيطالية روما لاغتيال جيانا شقيقة أنتونيو الكبرى، وبالتالي يشغر مقعد العائلة في منظمة اتحاد الجريمة، ويصعد شقيقها لشغله. بعد تنفيذ ويك العملية تنقلب الأمور ضده، إذ يجد نفسه مطارداً من قبل حراس جيانا، وعلى رأسهم كاسيان (كومون)، وشقيقها الذي ينقلب ضده أيضاً حتى لا يتهم بالتآمر ضد العائلة، والذي يرسل خلفه قاتلة مأجورة صماء اسمها آريس (روبي روز في ثالث فيلم حركة يكون جزءاً تالياً من سلسلة بعد ثلاثي إكس وشر مقيم خلال شهر واحد!). نعم هو رائع الآن نخوض في النقاش، لماذا يعتبر «جون ويك» بجزأيه فيلماً استثنائياً رغم أن قصته عادية ومكررة؟ لأن ستاهلسكي البارع تمكن من وضع قصة فيلم درجة ثانية في إطار فني عالي الجودة جداً، لا يمكن وصفه سوى بالرائع. نعم هو رائع وسيدخل تاريخ السينما، لأنه أعاد تجديد سينما الحركة والإثارة أو «الأكشن» للمرة الثانية في القرن 21، كما جددت أفلام «جيسون بورن» هذه السينما في العقد الماضي، بفضل المخرج الإنجليزي بول غرينغراس. «جون ويك 2» كما الأول، فيلم رهيب يتميز بعناصر عدة، تجعله مختلفاً عن كل أفلام الحركة الأخرى: أولاً، الفيلم يدور في عالم خيالي أقرب إلى سيريالي، ونجد ذلك واضحاً من خلال العملة النقدية الخاصة، المستخدمة بين الشخصيات وهي بلا اسم. ثانياً، فندق كونتيننتال الذي يؤوي كل القتلة المأجورين، بشرط ألا يمارسوا أنشطتهم داخله، والذي يخرق هذا القانون يتعرض للقتل كما حدث في الجزء السابق. وصاحب الفندق ونستون (أيان مكشين)، يرعى كل الاتفاقات التي تتم بين القتلة. ثالثاً، وجود اتحاد جريمة، يبدو كأنه ينظم عمل عصابات العالم. رابعاً، لا وجود محسوساً للشرطة أو أي حكومة، والشرطة الموجودة تعلم تماماً عن ويك، وتغض بصرها عنه دون شرح الأسباب. خامساً، وجود شركة خاصة، تجمع جثث رجال العصابات القتلى من الشوارع، أو أي مكان يتم الإبلاغ عن وجود جثث فيه. مواطن جمال من أجمل ما في الفيلم أيضاً أن نبرته غير جادة، بينما الشخصيات تتعامل مع بعضها بجدية تامة وبأداء اصطناعي ومثالي جداً، وعندما تأتي مشاهد القتال يتحول «جون ويك» إلى فيلم جاد وعنيف لدرجة تفوق التصور. وأيضاً جميل وجود لورينس فيشبورن في دور زعيم عصابة في نيويورك، ما يعيد إلى الأذهان ثنائي ميتريكس بين ريفز وفيشبورن. كيانو ريفز هو أجمل عنصر في هذا الفيلم، ريفز كرس نفسه بالكامل لشخصية ويك، ودخل في دورات مكثفة جديدة في الكونغ فو والجوجيتسو البرازيلية، ومهارات استخدام الأسلحة النارية. ريفز (52 عاماً) يقاتل كأنه في الثلاثين من عمره، وهذه نقطة تستحق الوقوف عندها، لأن ستاهلسكي يتعمد إبرازها في كل مشاهد القتال. ستاهلسكي يفتح إطار الصورة بالكامل في كل مشاهد القتال، فنرى كل تفاصيل معارك ويك بوضوح، ما يعكس الثقة الشديدة بين المخرج والممثل. عكس ما فعل آندرسون مع يوفوفيتش في «شر مقيم»، عندما أغلق إطار الصورة فلم نرَ شيئاً، ما يدل على ضعف لياقة الممثلة. ريفز يتفنن في القتال كأنه يتراقص، كل لقطة بدت مثل لوحة فنية بإضاءات ملونة، مشهد القتال بمتحف في نيويورك وسط مرايا، يعتبر من أروع وأذكى وأجمل مشاهد الأكشن في هذا العقد. مشهد مطاردة نيويورك يجمع أربع لقطات قتال جميلة في آنٍ واحد في حركة مبتكرة حافظت على عنصر التشويق في الفيلم، مشهد القتال على السلالم في روما رهيب، ومشهد إطلاق النار في المترو رائع، وآخر أمام نافورة أروع، ومشهد مطاردة الأنفاق لا يعلى عليه. «جون ويك 2» فعل ما يفترض أن يفعله أيُّ جزء ثانٍ، وهو إكمال القصة بتجديدها والإضافة إليها وليس تكرارها. «جون ويك 2» تفوق على الجزء الأول، وهو درس لمن أراد صنع سلسلة.

مشاركة :