ما الذي يتعين على نادي ليستر سيتي القيام به حتى يتجنب الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى؟ ربما يجب على الفريق أن يجري بعض التعديلات التكتيكية، أو ربما هناك حاجة لحوار أفضل بين اللاعبين خلال الحصص التدريبية، بل قد يذهب الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك ويصل إلى تغيير المدير الفني للفريق كلاوديو رانييري، وهو خيار مطروح بكل تأكيد. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعا هو: هل سيكون الهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز هو نهاية المطاف بالنسبة لليستر سيتي؟ قبل عامين كان ليستر سيتي يقاتل تحت قيادة نيغيل بيرسون من أجل البقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز بالإضافة إلى هال سيتي بقيادة ستيف بروس وكوينز بارك رينجرز بقيادة كريس رامسي، لكن ليستر سيتي نجح في الهروب من منطقة الهبوط وحقق أفضل إنجاز في تاريخ كرة القدم الإنجليزية على الإطلاق. ويجب أن نشير في هذا الصدد إلى أن نادي ابسويتش تاون بقيادة ألف رامسي قد فاز بلقب الدوري في نهاية حقبة كانت تشهد منافسة قوية من جانب أندية مثل بورتموث وبيرنلي، كما ظهر نادي نوتنغهام فورست بصورة مفاجئة للجميع عام 1978 وكان على وشك الحصول على اللقب قبل ذلك بـ11 عاما، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع ديربي كاونتي في فترة زمنية مختلفة، لكن الإنجاز الذي حققه ليستر سيتي كان مختلفًا تمامًا. وعلى الجانب الآخر، لو هبط ليستر سيتي لدوري الدرجة الأولى، فسيكون أول فريق إنجليزي يهبط للقسم الأدنى في العام التالي لفوزه بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز، ولذا فإن دوي هذا الهبوط سيتردد في جميع أنحاء العالم. وقد يفسر ذلك حالة الحزن التي كان عليها حارس مرمى ليستر سيتي، كاسبر شمايكل، عقب خسارة الفريق على ملعبه أمام مانشستر يونايتد في نهاية الأسبوع، وهو يقول إن ليستر سيتي بات في «موقف حرج» ويواجه خطرا حقيقيا بعدما اقترب كثيرا من منطقة الهبوط. وحذر المحلل بشبكة «سكاي سبورتس» جيمي كاراغر من أن هبوط ليستر سيتي لدوري الدرجة الأولى سوف يشوه الإنجاز الذي حققه الفريق الموسم الماضي، عندما حصل على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز. قد تحمل تصريحات كاراغر شيئًا من المنطق، ومن الصعب الرد عليها بأمثلة من الدوري الإنجليزي الممتاز على المدى القصير، لكن إذا كنا نتحدث عن تشوية الإنجازات، كما قال، فيجب علينا أن ننظر إلى الصورة بشكل أكبر، وخير مثال على ذلك نادي مانشستر سيتي الذي فاز بلقب الدوري موسم 1936 - 1937 ثم هبط لدوري القسم الثاني بعد 12 شهرا فقط، دون أن ينتقص ذلك على الإطلاق من حجم الإنجاز الذي حققه الفريق والـ80 هدفًا التي أحرزها لاعبوه آنذاك بيتر دوريتي وإريك بروك وفريد تيلسون وأليس هيرد، وهي الأهداف التي أسهمت بقوة في حصول الفريق على اللقب. وإذا كان لهبوط الفريق للقسم الثاني بعد الفوز باللقب أي تأثير، فإنه سيكون تأثيرًا يضيف للنادي ولا ينتقص منه. دعونا نطرح وجهة النظر هذه بشكل أخر: من منا يتحدث عن فوز سندرلاند بلقب الدوري في موسم 1935 - 1936 الآن؟ ومن منا يتحدث عن نجاح آرسنال في الحصول على خدمات اللاعب جورج هانت من توتنهام هوتسبر وفوزه بلقب الدوري موسم 1937 - 1938؟ ستكون الإجابة بالتأكيد عدد قليل للغاية، ولكن على الجانب الآخر ما زال الجميع يتذكر بعد مرور نحو 80 عامًا ما حدث لمانشستر سيتي وفوزه بلقب الدوري ثم هبوطه لدوري الدرجة الثانية بعد 12 شهرًا فقط. وهذه هي الظروف التي تحول الحدث من مجرد إنجاز معتاد إلى أسطورة، والأمر ذاته ينطبق على ليستر سيتي. ومع ذلك، لم يكن ليستر سيتي هو أول فريق يشهد تراجعًا كبيرًا بعد الفوز باللقب، إذ فاز بورتسموث بلقب الدوري عامي 1949 و1950، ثم هبط لدوري الدرجة الثالثة عام 1961، كما فاز نادي ديربي كاونتي بلقب الدوري عام 1975، لكن بحلول عام 1984 كان الفريق يلعب في دوري الدرجة الثالثة أيضًا. والأمر ذاته ينطبق على بلاكبيرن روفرز الذي فاز بلقب الدوري الإنجليزي موسم 1994 - 1995 قبل أن يهبط الفريق لدوري الدرجة الأولى بعد ذلك بأربع سنوات. ولكن ماذا بعد ذلك؟ حاول فقط أن تقول لمشجعي أي من الفرق التي حصلت على لقب الدوري ثم هبطت بعد ذلك إن هذه الإنجازات أصبحت أقل قيمة بسبب تدهور النتائج بعد ذلك، وسوف تحصل على وابل من الشتائم واللعنات. وفي أول مباراة له بعد الفوز بلقب الدوري عام 1962 - 1963 تلقي ابسويتش هزيمة قاسية أمام توتنهام هوتسبر في كأس الدرع الخيرية بخمسة أهداف مقابل هدف. ورغم أن ابسويتش قد نجح بشق الأنفس في البقاء بالدوري الإنجليزي، فإنه هبط للقسم الثاني في العام التالي. وحتى أعظم الفرق وأعرقها لم تكن بمنأى عن السقوط السريع، وخير مثال على ذلك نادي إيفرتون ونجمه ديكسي دين، ففي موسم 1927 - 1928 حصل إيفرتون على لقب الدوري بفضل هدافه الأسطوري دين الذي أحرز بمفرده 60 هدفًا في هذا الموسم، قبل أن يهبط الفريق إلى القسم الثاني. وبعد موسمين، عاد الفريق وفاز باللقب مرة أخرى، وسجل دين 45 هدفًا هذه المرة. ربما لم يكن الجميع ليتحدث الآن عن أسطورة دين لولا هبوط فريقه إلى القسم الثاني، وهو ما يعني أن هبوط ليستر سيتي للقسم الثاني قد يجعل الجميع يتحدث بعد عقود من الزمان عن أهداف جيمي فاردي بالطريقة نفسه! وبالطبع، لم يهبط أي من هذه الأندية، باستثناء مانشستر سيتي، إلى القسم الثاني في الموسم التالي مباشرة لحصوله على لقب الدوري، وهذا هو بيت القصيد في حقيقة الأمر، لكن الشيء المؤكد على أية حال هو أنه يجب عدم توجيه الانتقادات اللاذعة لليستر سيتي لأنه بات على وشك الهبوط. قد يكون من المنطقي أن نفعل ذلك مع أندية مثل مانشستر يونايتد أو آرسنال أو تشيلسي (وإن كان الأخير قد اقترب من منطقة الهبوط الموسم الماضي)، ولكن الصراع من أجل البقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز كان هو الشيء المعتاد بالنسبة لليستر سيتي ولم يكن شيئا جديدا، ولكن الجديد في الأمر هو حصول الفريق على لقب الدوري، وهو الإنجاز الذي قد يحدث في العمر مرة واحدة، لا سيما في ضوء حقيقة أن معظم الفرق ليس لديها الطاقة والإمكانيات المادية التي تؤهلها لبناء إمبراطورية كروية قادرة على الاستمرار في القمة دائمًا. لذا فمن الظلم أن نقلل من الإنجاز الذي حققه ليستر سيتي بأثر رجعي في حال هبوط الفريق إلى دوري الدرجة الأولى، وكأننا نعاقبه على تحقيقه طفرة وإنجاز تاريخي على عكس ما كان النادي معتادًا عليه. إذن ما الضير في أن يهبط الفريق لدوري الدرجة الأولى؟ وخلاصة القول: «لا يوجد أي شيء يمكن أن يشوه أو يقلل من الإنجاز الذي حققه ليستر سيتي بفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2015 - 2016» (ربما باستثناء إقالة المدير الفني للفريق رانييري بصورة مخزية، وهذه قصة مختلفة تمامًا). ما حققه ليستر سيتي هو أعظم إنجاز رياضي في التاريخ، وسيكون هبوط الفريق بمثابة إضافة لهذا الإنجاز التاريخي، وليس العكس، وسيضع اللمسات النهائية على قصة خيالية امتدت لثلاثة مواسم ومن الصعب للغاية تكرارها مرة أخرى. من السهل توجيه الانتقادات لأي نادٍ، ما دمتَ لا تنتمي إليه، لكن الشيء المؤكد هو أن جمهور ليستر سيتي، والمحايدين في كل مكان، يتمنون عدم هبوط ليستر سيتي، لأن الهبوط في الموسم التالي للحصول على البطولة سيكون صعبًا للغاية على عشاق النادي، حتى إن كان هذا الهبوط سيزيد من الإثارة ويضاعف حجم الإنجاز الذي حققه الفريق عندما نروي تفاصيل تلك القصة للأجيال القادمة عام 2055!
مشاركة :