هل يباعد ترامب بين روسيا وإيران؟ - د.عبد الرحمن الحبيب

  • 2/13/2017
  • 00:00
  • 44
  • 0
  • 0
news-picture

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن رغبة أمريكا بتقييد إيران من خلال كسر تحالفها مع روسيا عبر توسيع الفجوة بينهما. وهنا يظهر سؤالان رئيسان: ما هي الفجوة التي يمكن توسيعها بين روسيا وإيران؟ ما هو المقابل الذي تطلبه روسيا لتبتعد عن إيران أو تقلص تحالفها معها؟ قبل الإجابة على هذين السؤالين ينبغي معرفة الموقف العام للعلاقات الأمريكية الروسية. روسيا ترغب بعلاقة جديدة جيدة مع أمريكا ولكن في نفس الوقت تريد الإبقاء على تحالفها الوثيق مع إيران التي تعتبرها أمريكا المصدر الرئيسي للإرهاب في العالم. الولايات المتحدة، بدورها، مهتمة بتحسين العلاقة مع روسيا ولكن ذلك يتطلب تقديم تنازلات قد تضر بتحالفها التاريخي الوثيق مع شركائها الغربيين الذين أبدوا قلقهم حيال ذلك. تقول الباحثة الأمريكية آنا بورشفسكايا (معهد واشنطن): «بالنسبة للرئيس ترامب، فقد عبّر عن سياستين متناقضتين خلال حملته الرئاسية: التشدّد حيال إيران وتحسين العلاقات مع روسيا؛ هذان الهدفان لا يتماشيان معاً». فكيف يمكن حل هذا التناقض؟ عبر توسيع الفجوة بين موسكو وطهران. لكن أين تتشكل هذه الفجوة؟ إذا كان التحالف وثيقاً بين روسيا وإيران وبينهما تنسيق وتعاون في قضايا كثيرة، وروسيا ترى في إيران أحد أدواتها المهمة لمجابهة الغرب، فثمة فجوات ظهرت مؤخراً عبر تنافسهما على تقاسم النفوذ في سوريا. روسيا تريد إنهاء الصراع في سوريا لقطف ثمار انتصاراتها وإرساء نفوذ طويل الأمد هناك، بينما تسعى إيران لاستمرار النزاع كي يبقى نظام الأسد تابعاً لها ولا يمكنه اتخاذ قرارات مستقلة، إضافة لإمداد الأسلحة والأموال لوكلاء إيران العسكريين في المنطقة خاصة لبنان.. حسب مشاركين بالنقاشات في محادثات كازاخستان (صحيفة وول ستريت)، أظهرت روسيا انفتاحاً لمناقشة مستقبل سوريا دون رئاسة الأسد، وذكروا أن الكرملين مهتم بتقوية وجوده العسكري طويل الأمد في سوريا مستقرة ولا يرى بالضرورة الأسد كشريك دائم. أما إيران، على العكس، متشبثة تماماً بالأسد كشريك أساسي، وهي تعلم أن أي زعيم في المستقبل لسوريا، حتى لو كان وثيق الصلة بالأسد، لن يربط موقفه بشكل وثيق بطهران. «روسيا تدرك تماماً فساد وعدم كفاءة نظام الأسد.. وتعلم أن استقرار سوريا كبلد يستحق أن يكون لها قواعد عسكرية على المدى الطويل هو بعيد المنال مع الأسد في سدة الحكم»، حسب قول فريد هوف، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية الذي سبق أن أشرف على سياسة أمريكا نحو سوريا، مضيفاً: «طهران تعلم أنه ليس هناك دائرة سورية بعد الأسد تقبل التبعية لإيران». إذن هناك فجوة بين روسيا وإيران، حسب تلميح مسؤول كبير بإدارة البيت الأبيض (صحيفة وول ستريت) بقوله: «إذا كان هناك إسفين يمكن شقه بين روسيا وإيران، فنحن مستعدون لاستكشافه»؛ لكنه نبه إلى أنه ليس لديه أوهام بشأن روسيا رغم التصريحات التصالحية بين الرئيسين ترامب وبوتين.. إنما «الادارة الأمريكية لا ترى في روسيا نفس التهديد الوجودي من الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، ومن ثم فالسيد ترامب ملتزم بتقييد إيران». هل يمكن فك التحالف بين روسيا وإيران عبر توسيع هذه الفجوة؟ هناك رأيان متناقضان بين الباحثين الأمريكان. الأول يرى إمكانية ذلك رغم صعوبته: يقول مايكل ليدين، وهو أكاديمي يقدم النصح لمجلس الأمن القومي الأمريكي: «اعتقد أنه قد يكون ممكناً إذا اقتنع بوتين أننا سنتولى أمر إيران.. أنا أشك أنه يعتقد بذلك اليوم». على نقيضه، حذر تقرير صدر لمعهد دراسات الحرب في واشنطن، أنه حتى لو عملت موسكو على النأي بنفسها عن طهران، فإنه لا يحتوي على تأثير هائل على إيران التي تملك تأثيراً قوياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في سوريا. لقد حاولت إدارة أوباما في فترته الرئاسية الأولى إبعاد موسكو عن طهران بتقديم بعض التنازلات، لكن النتيجة كانت مزيداً من التعاون العسكري بين روسيا وإيران. والآن، رغم أن الكرملين صرح بأنه يهدف إلى إصلاح العلاقات مع أمريكا في ظل إدارة ترامب لكنه أشار أيضاً إلى عزمه على مواصلة بناء التعاون مع إيران. ما هو المقابل الذي يريده بوتين لفك تحالفه مع إيران أو على الأقل إضعاف هذا التحالف؟ الإجابة يمكن ترتيبها على النحو التالي: رفع العقوبات الاقتصادية على روسيا، تقلص انتقاد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، عرقلة التوسع في عضوية حلف شمال الأطلسي للبلدان بالقرب من الحدود الروسية، تخفيف نشاطات هذا الحلف في شرق أوروبا. يبدو الثمن باهظاً، فهل تقدم الولايات المتحدة هذه التنازلات لروسيا؟ يمكنها تقديم بعضها كاملاً وبعضها الآخر جزئيًا. خذ مثلاً، ما ذكره نائب الرئيس مايك بنس أن بمقدور واشنطن رفع العقوبات على موسكو قريباً إذا تعاونت في قتال أمريكا ضد داعش. لكن حسب بورشفسكايا فإن الأهم هو ضرورة وجود أمريكا في المنطقة واستعادة موقعها القيادي فيها كي يضرب بوتين حساباً لقوتها، ثم إقناعه بأن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا سوف تتصادم في المستقبل.. هذا سيسهل إمكانية تفكيك التحالف الروسي- الإيراني رغم صعوبة ذلك.

مشاركة :