قلعة الشقيف – أرنون في جنوب لبنان دخلت التاريخ الحديث من أبوابه الوسيعة، فهي تطل من لبنان على تخوم فلسطين المحتلة وسورية، بحيث شكلّت رغم تطور سلاحي الجو والبر مهجعاً للمقاومين قبيل وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان العام 1982، إذ لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من دخولها إلا بعد فترة طويلة. على مسافة كيلومتر واحد من بلدة أرنون الجنوبية (تبعد 62 كلم عن بيروت) تقوم القلعة الشهيرة على مرتفع شاهق يجعل منها «مطَلاً» يكشف المناطق المحيطة بها بكل حذافيرها. وهي تشرف على نهر الليطاني وسهل مرجعيون ومنطقة النبطية، وتطلّ على سورية وتشرف من الشمال على فلسطين. وهي، كغيرها من القلاع، تستقبلك كبرج صغير من عهد الفينيقيين قبل الميلاد، ثم تطورت على يد الرومان والفرنجة. ورممها الأمير فخر الدين المعني الثاني في عهده، إلى أن أصبحت قلعة حصينة. شكّلت القلعة مكاناً سياحياً وجمالياً يقصده اللبنانيون والزوار العرب والأجانب للتمتع بالمناظر الطبيعية واللوحات الخضراء المحيطة بها من سهول وجبال وهضاب، وصولاً إلى بحيرة طبريا في سهل الحولة الفلسطيني عند صفاء الجو، وغرباً باتجاه البحر المتوسط، فالجولان السوري المحتل شرقاً. ما يميّز هذه القلعة، التي تعتبر أهم القلاع في لبنان، تضاريسها الوعرة وتركيبتها المتعددة الدهاليز والفتحات. ويقال إن الجبل الذي تتكئ القلعة عليه يكمّل القلعة لجهة التسلل في داخله والاختباء في ثناياه. وتعتبر القلعة من أطول المواقع في العالم استخداماً كموقع عسكري، منذ اكتمال بنائها العام 1139 وحتى عام 2000 تاريخ الاندحار الإسرائيلي منها. وهي من أروع القلاع التي بناها الصليبيون في عهد الملك فولك ملك القدس في أعلى منحدر صخري شاهق يقع على علو 2 كلم من مجرى نهر الليطاني. وقد تم ذلك العام 1135 لتكون بمثابة حارس للممر الجنوبي الذي يربط شاطئ صيدا وصور بالبقاع والشام وأطلق عليها الرحّالة العرب اسم شقيف أرنون نسبة لبلدة أرنون التي تقع في أسفلها الشمالي الغربي. وقام الأمير فخر الدين المعني الكبير بإعادة ترميمها في عهده، وجعل منها حصناً منيعاً أثناء حروبه مع الأتراك واتخذها مركزاً لخزينته. تتألف القلعة بالأساس من ستة طوابق، أربعة منها ما زالت موجودة. أما الطابق الخامس فلم يتبق منه سوى بعض الجدران، في حين أن الطابق السادس لا وجود له إضافة إلى بعض الأبراج المحيطة بها. والجدير ذكره أن العدو الإسرائيلي قام قبيل انسحابه من لبنان وفي عدوان تموز 2006 بدكّ جدران القلعة عبر غارات جوية مركزة هدفت إلى هدم معالمها وتدميرها انتقاماً. وفي أواخر آب (أغسطس) 2010 تم وضع حجر الأساس لمشروع ترميم وتأهيل القلعة بمنحة من دولة الكويت ومساهمة لبنانية من خلال وزارة الثقافة ومجلس الإنماء والإعمار. وهدف المشروع إلى إعادة كشف معالم القلعة من جهة وترميمها من جهة أخرى. وفي مطلع كانون الثاني (يناير) 2015 أقيمت احتفالية بانتهاء ترميم القلعة وإضاءتها بالتعاون بين كل من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة الثقافة اللبنانية واتحاد بلديات الشقيف وبلدية أرنون، بحيث غدت مكاناً سياحياً تاريخياً يقصده الجميع للتنعم بمشاهد طبيعية خلابة، فضلاً عن زيارة مكان تاريخي ضارب في القدم ومجسّد لماض تليد.
مشاركة :