ليست مفارقة عابرة ان تحلّ الذكرى 12 لاغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري التي يحييها «تيار المستقبل» اليوم تحت شعار «12 مرة 14 شباط... المستقبل حلمك» على وقع استعادة المشهد اللبناني والاقليمي والدولي بعض العناصر التي شكّلت جزءاً رئيسياً من «المسرح السياسي» للجريمة التي أدخلتْ لبنان في مرحلة من الصراع الحاد المكشوف على «الاشتباك الكبير» في المنطقة والذي كان ما يزال في 2005 في طور «شبْك خيوطه». فـ 14 فبراير 2017 يحلّ على وقع «شدّ حبال» حول القانون الذي سيحكم الانتخابات النيابية (مايو المقبل) ويرسم تالياً التوازنات في السلطة، وسط إدارة «حزب الله» هذا الملفّ بما لا يسمح بتفلُّت «الضوابط» التي تُبقي «الإمرة الاستراتيجية» في يده، وايضاً وسط منحى لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتضييق الخناق على طهران و«عكْس مفاعيل» تمدُّدها العسكري والسياسي في المنطقة الذي كرّسها، ولا سيما بعد الاتفاق النووي معها، «قوة عظمى اقليمية». وتلاحظ أوساط سياسية مطلعة في بيروت أوجه شبَه بين فبراير 2005 وفبراير 2017، اذ كانت الانتخابات النيابية قبل 12 عاماً أحد المرتكزات في القرار الذي اتُخذ بـ «شطْب» الحريري الذي كان يتّجه الى الانتخابات حينها بتحالف «عابر للطوائف»، مسيحي - سني - درزي تحت عنوان «تطبيق اتفاق الطائف» ولا سيما بنوده السيادية ذات الصلة بالوجود العسكري السوري في لبنان، لافتة الى انه رغم ان الانتخابات المقبلة لا تحمل في طياتها طابعاً «مصيريا» مماثلاً الا انها تطلّ على وقائع مشابهة للـ 2005 من حيث كونها تأتي في لحظة التدافُع الخشن في المنطقة ولا سيما بين واشنطن وطهران. وحسب هذه الاوساط، فإن مرحلة اغتيال الحريري طبعتْها الضغوط المتصاعدة على النظام السوري لفكّ ارتباطه مع ايران وتغيير سلوكياته في المنطقة وكان لبنان إحدى ساحات «ليّ أذرعه» بصدور «امر العمليات» الدولي بسحب «ورقة» نفوذه في «بلاد الأرز»، في حين تحلّ الذكرى 12 لتفجيره وسط عملية «تسخين» تصاعُدية بين واشنطن وطهران يُخشى ان يكون لبنان، على خلفية أدوار «حزب الله» العسكرية، إحدى «ساحات الاختبار» فيها او حتى المواجهة بحال كان القرار بـ «قطع أذرع» ايران في المنطقة. ومن هنا تخشى الأوساط نفسها مظاهر الاستقطاب السياسي الذي استعادتْه بيروت على خلفية كلام الرئيس ميشال عون عن سلاح «حزب الله» ومواقف الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من ضرورة التواصل مع النظام السوري حول ملف النازحين، وهو الاستقطاب الذي أعطى إشارة الى بدء «تآكل» التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي بانتخاب عون وعودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. وفي حين يُنتظر ان يتطرّق الحريري في كلمته اليوم في ذكرى اغتيال والده الى مجمل هذه العناوين، فإن مواقف عون التي اكدت ان «سلاح المقاومة» جزء اساسي من الدفاع عن الوطن (...) ونشعر بضرورة وجوده ليكمل سلاح الجيش «أثارت»عاصفة»على الساحة السياسية كما على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد سبقت هذه «العاصفة» وصول عون الى القاهرة حيث التقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وسط تداخُل مواقف محلية مع أخرى دولية منتقدة لما اعلنه، وفي ظل رصْد لتداعياته على صعيد المساعي التي كانت قطعت مراحل متقدمة جداً على طريق إعادة وصل ما انقطع مع دول الخليج ولا سيما السعودية. وفي هذا السياق برزت 4 مواقف: الأول لقناة «المستقبل» التي أكدت: «وحده الجيش اللبناني يحمي لبنان (...) وهو الذي جعل من لبنان واحة استقرار في بحر من اللهيب السياسي والارهابي». والثاني لوزير العمل محمد كبارة (من فريق الحريري) الذي حذّر «من محاولة إدخال تفاهم الرئيس عون مع السيد نصرالله في مار مخايل (العام 2006) إلى قصر بعبدا»، مؤكداً انه «لم يصدر عن الدولة اللبنانية بكامل مؤسساتها أي تشريع لوجود أي ميليشيا او اي سلاح غير نظامي»، والثالث لشريك الرئيس عون المسيحي «القوات اللبنانية» التي ردّت ضمناً بلسان نائب رئيسها جورج عدوان الذي غرّد على «تويتر»: «الدستور والقانون ينصان على حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم بالدولة ووحده الجيش اللبناني يحمي لبنان وقد أثبت جدارته وجهوزيته (...)». أما الموقف الرابع والأبرز فجاء من ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ التي «غرّدت»، ان «قرار مجلس الامن 1701 واضح ويدعو الى نزع سلاح كل الجماعات المسلحة، وان لا للسلاح خارج الدولة»، قبل ان تبلغ موقع «النهار» ان «قرار مجلس الامن يدعو الى تقوية الجيش اللبناني ليقوم بكل المهمات الدفاعية»، معتبرة ان ما قاله عون «مقلق خصوصا اننا على موعد بعد اسابيع مع التقرير الدوري للامين العام للامم المتحدة حول تنفيذ بنود الـ 1701 والتزام لبنان مفاعيله». وفي موازاة ذلك، عكستْ مواقف نصرالله التي دعت الحكومة الى «أن تخرج من المكابرة وتتواصل مع الحكومة السورية وتناقش معالجة أزمة النازحين (...) بعدما فتح انتصار حلب الباب أمام مصالحات وطنية داخلية في مساحةٍ كبيرة من سورية تحوّلت مساحة آمنة وهادئة»، منحى الى جعْل ملف النازحين عنوان تجاذُب سياسي، وسط تمسُّك لبناني رسمي بإبقاء هذا الملف في عهدة الأمم المتحدة وضماناتها، وذلك بمعزل عن الموقف من النظام السوري. وفي موازاة هذا الشق من كلام نصرالله، فقد بدا موقفه من قانون الانتخاب مؤشراً الى امكان تحقيق خرق ما تحت سقف «المختلط» (بين الاكثري والنسبي)، ولا سيما انه تَراجع عن موقف عدم البحث بأي صيغة لا تقوم على النسبية الكاملة مؤكداً «التزامنا الحقيقي هو النسبية، ولكن هذا لا يعني ألا نكون منفتحين على أي نقاش». وبدا لافتاً انه غداة موقف نصرالله، زار الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط رئيس البرلمان نبيه بري، معتبراً كلام الامين العام لـ «حزب الله» مطمئناً وموضحاً انه وضع بتصرف بري «بعض الافكار القابلة للنقاش وللتداول كي نخرج من هذه الدوامة التي عنوانها قانون الانتخاب»، وهو ما فُسِّر على انه مرونة ما من جنبلاط حيال المَخارج الممكنة بعدما كان رفع «لا كبيرة» ضدّ اي نسبية في قانون الانتخاب. أبي رميا: كلام الرئيس عن سلاح المقاومة ضمن الإطار الوطني الجامع ردّ النائب سيمون ابي رميا (من كتلة الرئيس ميشال عون) على الانتقادات التي طاولت مواقف عون من سلاح «حزب الله»، فأكد ان «رئيس الجمهورية لم يقل شيئاً جديداً وهذه قناعاته، إذ إن موضوع سلاح المقاومة تناولته وثيقة التفاهم الموقعة بين (التيار الوطني الحر) وحزب الله وهو الإطار الواضح بالنسبة لمقاربتنا لهذا الموضوع». ولفت ابي رميا في بيان، الى «أن كل البيانات الوزارية للحكومات السابقة واضحة في موضوع سلاح حزب الله وأن كل اللبنانيين متفقون أن هذا السلاح يجب أن يكون موجها ضد العدو الإسرائيلي»، مشدداً أن «العلاقة مع حزب الله راسخة في قناعاتنا ووجداننا والشعور متبادل». واذ اعلن «أن الكلام الذي يصرح به الرئيس عون علنا في الإعلام يقوله على طاولة النقاش مع المسؤولين، وموقفه من سلاح حزب الله قيل سابقاً»، اكد «ان كل الدول الشقيقة تعترف بخصوصية لبنانية لها علاقة بفرادة لبنان وسلاح المقاومة إذ إن هذا السلاح وجد لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي». وختم: «لم نلتمس أي لوم من الأفرقاء السياسيين وتحديداً من الحلفاء الجدد، والعماد عون تكلّم ضمن الإطار الوطني الجامع عن سلاح المقاومة وحق المقاومة بالدفاع عن لبنان».
مشاركة :