هل سمعت عن تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر منذ أيام؟ هل قرأته وتأكدت من مقتل 13000 مدني شنقاً في سجن صيدنايا منذ بداية الثورة السورية؟ هل قرأت تفاصيل اقتياد السجناء بعد منتصف الليل لتعليق مشانقهم الجماعية مرة إلى مرتين أسبوعياً؟ هل تخيلت سماع صوت طقطقة العظام وشهقات اللحظات الأخيرة التي يسمعها باقي المعتقلين؟ صور رهيبة تشبه أفلام الرعب، بل هي أشد وقعاً على النفس؛ لأنها واقعية.. حقيقية.. قد تحدث الآن وأنا أكتب هذه الكلمات، أو عندما تقرأها، هذا حالي وحالك تجاه ما ذُكر في التقرير، فما هو حال عوائل المعتقلين الموجودين هناك الآن؟! هل تصدق أم أن هذا ما يعيشه ابنها الآن؟ أم هل يستطيع أب أن يغفو وهو يعلم أن ابنته قد تُساق إلى ذلك الحبل في أية لحظة؟ لقد علمنا جميعاً ومنذ سنوات بوجود هذا المسلخ، وربما العشرات من مثله، وعرفنا الأرقام والأسماء، ولكننا تراخينا، فهي مجرد حكايات بعيدة.. غير موثقة، أو ربما صدقناها ولكننا تذرعنا بعجزنا أمام ما يحصل، نحزن قليلا.. نتأثر.. ثم نكمل حياتنا وكأن شيئاً لم يكن، ولكن فلنعلم جميعاً أن هذه مجرد أوهام، وأن الحقيقة أن قدرتنا على الفعل أقوى من عجزنا بكثير! متى كانت إرادة الملايين تُقهر إن تم تنظيمها وحشدها بالشكل الصحيح؟ قد يتأخر ظهور تأثيرها، فعادة ما تأخذ وقتاً طويلاً، ولكنها لا بد أن تنجح، كل التحركات العالمية التي حصلت في أنحاء العالم أثبتت وما زالت تثبت ذلك، هي ليست أحلاماً وإنما حقائق يثبتها تاريخ الفعل البشري على مر العصور، التغيير لن يحصل لمجرد أن نحلم به، ولكنه سيحدث فقط إن عملنا لأجله، أما ما تحاول الأنظمة إشاعته من عدم فائدة أي حراك جماهيري، وأن التغيير يجري فقط بقرار نخبة صغيرة فهو أمر بعيد عن الحقيقة، خيالات يريدون زرعها في رؤوسنا لمنعنا من التحرك والضغط ضد مصالحهم. نعم.. البرهان على ذلك موجود، لقد مررنا بالتجربة معاً، مررنا معاً بفترة حصار حلب، ورأينا معاً أننا استطعنا التحرك والتغلب على عجزنا، أذكر تماماً تلك الليلة التي بدأت فيها النداءات تنطلق من داخل حلب، أذكر أن معظمنا لم ينم، الكثير نزلوا إلى الشوارع، المظاهرات بدأت في كثير من المدن العربية والعالمية، لقد استطعنا جميعاً إنقاذ من حوصر في تلك المنطقة، جهودنا الجماعية أثمرت إنقاذ الآلاف من المحاصرين في كيلومترات قليلة، أنقذناهم من مجزرة مؤكدة، أنقذنا بانا العابد، ولينا الشامي، وصلاح أشقر وغيرهم الكثير. لقد بدأنا تحركنا ليلتها، ثم تابعنا العمل لأيام؛ لأنهم استغاثوا بنا، استنجدوا بنا عبر الوسائل المختلفة، طالبونا بالنزول إلى الشوارع، الذهاب إلى السفارات، قالوا لنا لا تناموا.. نحن نُقتل! وقد لبَّينا نداءهم وبذلنا ما في الوسع لإنقاذهم ونجحنا بفضل الله، والآن نحن مطالبون بنفس الفعل لهؤلاء المعتقلين وراء القضبان، في أقبية التعذيب، هذا التقرير الذي صدر هو صوتهم، هو صوتهم ينادينا، ويقول: لا تناموا.. نحن نُقتل! اليوم نتكلم "عنهم" بصيغة الغائب، ومن يدري قد يكون دوري أو دورك أو دور أحد أفراد عوائلنا أو أصدقائنا غداً، ليس في سوريا وحسب، فسجون الطغاة موجودة في كل أنحاء الأرض، وإن لم نساعد بعضنا فلن يساعدنا أحد. لا يمكن أن يحدث أي تغيير في المجتمع الإنساني إن لم يكن هناك نضال جماهيري لتحقيقه، لم تحدث التغيرات على مر العصور إلا بسبب المناداة والتحرك الجماهيري تجاهها، وهذا ما يجب أن نفعله وإلا كنا شركاء حقيقيين بصمتنا وقبولنا بما يحصل، إمكانية الإفلات من العقاب هو ما يشجع أي نظام أو مجموعة أو حتى فرد على الاستمرار في الانتهاكات الإجرامية. ولكن التحرك يجب أن يكون بإيمان تام بالقدرة على تحقيق الهدف، إيمان بأنفسنا وأصواتنا وقدرتنا على التغيير، إيمان بقدرتنا على إنقاذ ولو شخص واحد من يد المجرمين، إيمان بأننا قادرون على تخليص مظلوم من التعذيب، إيمان بقدرتنا على رسم بسمة على وجه أم تفرح بعودة ابنها إلى أحضانها بعد غياب. هذا التحرك الجماهيري لا يتعلق بسوريا أو السوريين فحسب، وإنما بكل شخص لديه ذرة إنسانية، من أي دين أو عِرق أو لون، آن أن نقول كفى لما يحدث، آن الوقت لننتصر لإنسانيتنا، لن نفقد إيماننا بقدرتنا على الفعل، سنساهم معاً في إنقاذ البقية، مفاوضات جنيف على الأبواب، وبقدر ثقل الضغط الشعبي ستضطر الحكومات للتحرك إرضاءً لها، ومن يقول بغير ذلك فهو يسعى لنشر شعور العجز، وحرماننا من هذا السلاح القوي الذي علينا أن نستخدمه لنهزم خوفنا وننقذ أرواحاً تنتظر أصواتنا ومساعدتنا. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :