أتفهم تماماً حاجة الكثيرين من أصحاب المداخيل الضعيفة لرفع مداخيلهم وأستثنيهم من حديثي اليوم الذي أوجهه لشريحة من الطبقة المتوسطة التي تقوم عليها الاقتصادات القوية. ثمة مصطلح في علم الإجتماع يطلق عليه «الحراك الإجتماعي» «Social Mobility» يطلق على تغيير وضع أسرة ما في المجتمع، ومنه نتج مرض إجتماعي يسمى «أثر المحاكاة» أي اندفاع الفرد إلى تقليد غيره الأعلى دخلاً في نمط الإستهلاك ، مما يؤدي إلى ظاهرة «الاستهلاك المظهري» . الحقيقة أننا نريد أن نسافر للخارج.. وربما أكثر من مرة كل عام ، ووقت الولادة فإنها تكون في المستشفى الفلاني ونزين أبواب الحجرة ببالونات تكلف الشيء الكثير ! وبسبب ضعف التعليم الحكومي يذهب الأنجال لمدارس خاصة فيرون مع زملائهم كل جديد في عالم التقنية والألعاب ، فأصبح في المنزل الواحد بضعة هواتف ، مع عدة حواسيب «لوحية» ، مع فواتير هاتف شهرية لاتتجاوز أصابع اليد تقتص من مرتب كل أسرة عشراً بالمائة أحياناً . وبعد أن كانت الأسر تصنع جميع غذائها ، غدت كثير منها تخرج لتناوله أو طلبه في كل مناسبة ، من التمرة المحشوة بورق الورد ، إلى عصير البرتقال ! وعندما يطل رمضان الذي جاء لحكمة الإعتدال والإحساس بالفقير نأكل في ساعتين مانأكله عادة في اثنتي عشرة !؟ وفي العيد والمناسبات تجاوز سعر الشكولاته سعر الفضة ! وغدت طقوس العزاء عبئاً كبيراً على كثير من البيوت. بتنا نسمع من أهل الحكمة وإصلاح ذات البين عن مشاكل إجتماعية وحالات طلاق في بعض الأحيان بسبب مايُسمى «بخل الزوج» ، فما إن يهل موسم الزيجات حتى ترهق «بعض» السيدات ظهور أزواجهن بأعباء ألبسة تباع في الخارج بما يعادل مائتي يورو على سبيل المثال بأسعار عجيبة تناهز البضعة آلاف ! ناهيك عن حقائب جلدية بما يعادل مرتب صراف بنك محترم . لقد نتج عن «أثر المحاكاة» ظهور تجارة جديدة في منتهى المكر تعول على سذاجة بعض الزبائن خصوصاً من السيدات ، تشتري المنتجات البسيطة بأسعار زهيدة وتحولها لهذه المنتجات الكمالية بأيدٍ رخيصة لتبيعها بأسعارٍ باهظة ، ولا توجد بلد حول العالم يجيب فيها البائع على السيدة المبتاعة عند سؤالها عن السعر بالكلمة المستفزة : «أديش بدك تدفعي مدام!؟» فسرعان ماترتعش فرائص السيدة خصوصاً لو كان ذلك على مسمع زبائن آخرين ، فترد مسرعة : لايهم السعر ! لقد سقط كثيرُُ من أرباب البيوت ضحية الطلبات اللانهائية لأبنائهم تحت ضغط مظاهر التحول المحيطة من حولهم وأمام تناقص مداخيلهم بسبب التضخم وثبات المرتب بعد التقاعد ، فيشعر بالعجز عن فرض سلطانه حسب ماذكر بعض علماء الإجتماع. إننا بحاجة لإعادة النظر في تنظيم كثير من أولوياتنا وخصوصاً في الأمور المالية ، ففي ذلك أثر جِدُ إيجابي على حياتنا الأسرية ، المجتمعية، وعلى إقتصاد أوطاننا ، وقبل ذلك أننا نُسأل عن مالنا من أين أكتُسب وفيم أُنفِق.
مشاركة :