احسان الفقية :تركيا والخليج.. شراكة استراتيجية ورؤى متطابقة حول ملفات المنطقة

  • 2/15/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

شكّلت التحولات في العلاقات بين تركيا والدول الخليجية منعطفا نحو شراكة استراتيجية، كانت الأسس الأولى لها قد وُضعت في سبتمبر/أيلول 2008، عندما أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي تركيا شريكا استراتيجيا. وبذلك أصبحت تركيا الشريك الاستراتيجي الأول للدول الخليجية خارج منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لبناء توازن حقيقي في ثنائية المواءمة بين سياسة الانفتاح التركي نحو الخارج من جهة، والعمق الاستراتيجي لها جنوبا إلى العراق وسورية ثم دول الخليج العربية من جهة اخرى. وبعد جملة متغيرات شهدتها معظم بلدان الشرق العربي منذ عام 2011، انخرطت تركيا في أتون الأزمات المشتعلة في العراق وسورية إلى الجنوب منها، ضمن جغرافية متصلة تجمعها بالدول الخليجية. ومع بروز الصبغة الطائفية في الصراعات المسلحة، سعت تركيا إلى لعب دور بعيد عن الاستقطاب الطائفي السُنّي الشيعي، للحد من تعميق الصراع الطائفي وفق رؤية تتفق إلى حد بعيد مع الرؤية الخليجية، السعودية والقطرية، حول الأزمة في سورية، وآليات التوصل إلى حلول تنهي الحرب الاهلية التي تشهدها سورية منذ عام 2011، حيث برزت الحاجة إلى الدور التركي كمعادل نسبي قادر على خلق توازن قوى حقيقي، دون جر المنطقة إلى تأجيج الخطاب الطائفي، من خلال علاقاتها المتوازنة مع كل من إيران والدول الخليجية على حد سواء. وتعد كل من تركيا والسعودية البلدين الأكثر أهمية، والأقوى تأثيرا في منطقة الشرق العربي التي تشهد إعادة في صياغة التوازنات الإقليمية، بعد المتغيرات الجذرية في الخريطة الجيوسياسية للمنطقة في أعقاب ما يعرف باسم ثورات الربيع العربي، والصراعات الداخلية التي تشهدها بلدان ذات اهتمام تركي خليجي مشترك، العراق وسورية واليمن. ويتطابق الموقفان التركي والسعودي من الأزمة السورية الأشد خطرا في تداعياتها على المنطقة، وهما من البلدان المشاركة في تأسيس مجموعة أصدقاء الشعب السوري لدعم المعارضة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد. ويرتكز موقفها -وهو ذات الموقف الخليجي عموما- على الحفاظ على وحدة التراب السوري وأمن سورية واستقرارها، بما يضمن حقوق الشعب السوري في تحقيق طموحاته وفق مرجعية جنيف 1، القاضية بوقف إطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية، وتشكيل هيئة حكم تمهد لانتقال سلمي للسلطة. وفي 2015 تطورت هذه الشراكة بشكل مهم في جانب الأمن المحلي والأمن الخليجي بعد توقيع اتفاق تركي قطري على إقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر، ومن منظور وحدة الأمن الخليجي يمكن تطوير أفق التعاون الأمني والعسكري مع تركيا، ليشمل كل البلدان الخليجية في مجالات الصناعة العسكرية والتعاون الأمني، ومقايضة الخدمات الأمنية والعسكرية باحتياجات تركيا من الطاقة. ويندرج تطور العلاقات الأمنية والعسكرية بين قطر وتركيا ضمن إطار شامل يخدم منظور وحدة الأمن الخليجي، وإمكانيات تطوير أفق التعاون الأمني والعسكري، ليشمل كل الدول الخليجية في المجالات العسكرية التي شهدت تطورات بالغة الأهمية بمشاركة قوات سعودية، في مناورات مشتركة مع القوات التركية في تركيا لعدة مرات. كما شاركت القوات التركية في مناورات رعد الشمال السعودية؛ إضافة إلى دخول رأس المال السعودي والقطري في الاستثمار في مجال الصناعات العسكرية التركية، وإقامة مصنع تركي لتصنيع أجهزة الاتصال اللاسلكي في السعودية، كمقدمة لمشاريع مماثلة في المستقبل. وتشكل العلاقات الأمنية بين تركيا ومنظومة الدول الخليجية، السعودية بشكل خاص، عاملا مهما في تأطير العلاقات بينهما، ودعم الجهود التركية في محاربة الإرهاب الذي تتعرض له من قِبل تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني. في ذات الوقت تدعم تركيا جهود السعودية في حربها على الإرهاب ومجمل التهديدات الأمنية التي تتعرض لها، كما تدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن منذ مارس/آذار 2015 لعودة الشرعية وحل الأزمة السياسية والصراع المسلح في اليمن. وانضمت تركيا في وقت سابق إلى التحالف العسكري الإسلامي للحرب على الإرهاب الذي شكلته السعودية في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015 من 41 دولة عربية وإسلامية. وشكلت الاتفاقيات الثنائية بين تركيا والسعودية خلال زيارة الرئيس التركي إلى المملكة في ديسمبر/كانون الأول 2015، التأسيس لإطار حيوي لعلاقات شراكة استراتيجية بينهما، تم وضعه في سياق مؤسساتي قادر على تجسيده من خلال مجلس التنسيق التركي السعودي الذي أعلن عنه بحضور الرئيس التركي والعاهل السعودي بعد قمتهما الخامسة في 14 ابريل/نيسان 2016 في مدينة اسطنبول، للاضطلاع بمهمة تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين وتعزيزها مستقبلا. وسبق هذا بعام كامل، توقيع اتفاقية ثنائية مماثلة بين تركيا وقطر في العاصمة التركية خلال زيارة أمير دولة قطر لها في ديسمبر/كانون الأول 2014، تمخض عنها تأسيس مجلس التعاون الاستراتيجي التركي القطري للارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات الطاقة والاستثمار، بشراء تركيا الغاز القطري وتوسيع حجم الاستثمارات القطرية في تركيا. بلغت الشراكة الاستراتيجية التركية الخليجية مراحل متقدمة في عام 2015 لتشمل المجالين الأمني والعسكري، بعد توقيع اتفاقية إقامة قاعدة عسكرية تركية في دولة قطر لتحقيق نوع من الاطمئنان الأمني في المنطقة، بعد أن تراجع الدور الأمريكي في المنطقة بشكل عام في السنوات الأربع من حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي توافقت سياساته إلى حد ما مع السياسات الإيرانية في المنطقة، وبالأخص ما يتعلق بالتهديد الجدّي الذي تتعرض له الدول الخليجية من البرنامج النووي الإيراني الذي تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة، دون مشاركة دول الخليج العربية في صياغته، وهي معنية به بشكل مباشر. تعرضت دول الخليج العربية في وقت متزامن إلى جملة تهديدات ناجمة عن الاتفاق بين الولايات المتحدة وايران حول القدرات النووية الايرانية، وتنامي حركة أنصار الله المدعومة من إيران في اليمن، والدور الذي تلعبه المجموعات المسلحة الحليفة لإيران في العراق وسورية، وغيرها من التهديدات التي استدعت حاجة خليجية لبناء علاقات استراتيجية مع تركيا. اتجاه السياسات الامريكية بعيدا عن الرؤية الخليجية في عهد باراك اوباما، كان له صدى مماثل في تركيا التي هي الأخرى عانت من ابتعاد السياسات الأمريكية من الرؤية التركية لقضايا المنطقة. ومع قدوم الإدارة الامريكية الجديدة، تسعى كل من تركيا والدول الخليجية إلى خلق بداية جديدة للعلاقات مع واشنطن، وبالمثل تبدي واشنطن رغبة مماثلة لبدء مرحلة جديدة من العلاقات مع الحليفين التركي والخليجي عكستها الاتصال الهاتفي المطول الذي اجراه الرئيس الأمريكي الجديد مع عاهل المملكة العربية السعودية، وزيارة مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو إلى تركيا في أول رحلة له إلى الخارج. وكانت كل من قطر والسعودية في طليعة الدول التي وقفت إلى جانب تركيا في تصديها للمحاولة الانقلابية منتصف يوليو/تموز 2016، في مقابل موقف غربي وأمريكي ضعيف ومتردد لا يرقى إلى مستوى العلاقات المفترضة تجاه دولة عضو في حلف شمال الاطلسي، كما أن الغرب لم يتخذ ما يكفي من الإجراءات ضد حركة غولن الإرهابية الضالعة في المحاولة الانقلابية الفاشلة على العكس من الدول الخليجية التي أغلقت المدارس والمعاهد التابعة للحركة. ( وكالة الاناضول)

مشاركة :