لندن: حاتم البطيوي ونجلاء حبريري قالت مباركة بوعيدة، الوزيرة في الخارجية المغربية، إن إصرار الجزائر على الرجوع إلى المربع الأول لنزاع الصحراء يصعب مهمة الوسيط الدولي كريستوفر روس ويعرقلها. وتأسفت بوعيدة لتشبث الطرف الآخر (الجزائر وجبهة البوليساريو) بالعودة إلى نقطة الصفر أو المربع الأول، وهو ما يصعب على روس الوصول إلى نتائج مرضية، مشيرة إلى أن المغرب كان دائما سباقا إلى اقتراح حلول للخروج من هذه الأزمة؛ سواء كان ذلك مع الأطراف الأخرى أو مع البعثات الأممية. وتمنت بوعيدة، في حوار أجرته معها «الشرق الأوسط» أخيرا في لندن، أن يعترف أعضاء مجلس الأمن نهاية الشهر الحالي بالمجهودات النوعية التي يقوم بها المغرب في هذا النطاق، لأنه لا يعقل إعادة السيناريو نفسه كل سنة والحفاظ على هذا الجو من التوتر، وتمنت أيضا أن يتمتع أعضاء مجلس الأمن بجرأة سياسية كافية للاعتراف بمسؤولية الطرف الآخر، وتثمين جهود المغرب في هذا المجال. وقالت «نحس بنوع من الاختلال في العلاقات، ووجود خلل في التوازن، ونقص في التشجيع اللازم لجهود المغرب». وأشارت بوعيدة إلى أن الدورة الثانية للحوار الاستراتيجي المغربي - الأميركي، التي ترأسها وزيرا خارجية البلدين، جون كيري وصلاح الدين مزوار، شكلت أيضا «فرصة للتطرق إلى العلاقات بين المغرب والجزائر، ودراسة سبل فتح قنوات الاتصال مع الإخوة الجزائريين، والتخفيف من أجواء التوتر عن طريق محاولة تفسير الموقف المغربي للجزائريين، وحثهم على مراجعة موقفهم. فللجزائر دور مباشر في القضية الوطنية (نزاع الصحراء) خاصة على المستوى الدولي، بيد أنها ترفض التدخل في المفاوضات المباشرة. لذا يجب على الجزائر أن تتحلى بنوع من الجرأة السياسية، وتتعامل مباشرة مع المغرب». وذكرت الوزيرة المغربية أنه جرت خلال الحوار استراتيجي مناقشة إمكانية تحقيق تعاون أمني بين المغرب وأميركا، خاصة لتأمين منطقة الساحل ودول المغرب العربي وليبيا على وجه الخصوص. وأضافت «تطرقنا في هذا الإطار إلى عدد من مقترحات التعاون الأمني بين البلدين، بما فيها مقترح التعاون في مجال التدريب الأمني، والتعاون في مجال محاربة التطرف، وتعزيز دور المغرب في المنتدى العالمي ضد الإرهاب». وفي ما يلي نص الحوار.. * انعقدت أخيرا في الرباط الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي المغربي–الأميركي.. ما هي أهم نتائج هذه الدورة، وهل أنتم مرتاحون لها؟ - المغرب هو البلد الوحيد تقريبا في المنطقة الذي يتمتع بحوار استراتيجي من هذا النوع مع الولايات المتحدة. فهو حوار له أولوية خاصة بحكم العلاقات الثنائية القائمة بين المغرب وأميركا، ونظرا للمستوى العالي التنفيذي لهذا الحوار. وكان من المرتقب أن تنعقد الدورة الثانية من الحوار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي قبل الزيارة الملكية لواشنطن نهاية الشهر ذاته، لكن نظرا لمستجدات الساحة السياسية العالمية لم يتمكن جون كيري وزير الخارجية الأميركي من التنقل إلى الرباط. نتائج الحوار كانت جد إيجابية، ويمكن تلخيصها في أربعة محاور تتعلق أولا بالجانب السياسي. فأميركا اليوم لديها أولوية خاصة للمغرب، وتساند بشكل واضح مختلف سياساته. كما أنها تعترف بأن المغرب يتمتع في المنطقة بالأمان والاستقرار، وبنموذجيه الاجتماعي–الاقتصادي والسياسي الناجحين. المغرب هو البلد الوحيد في شمال أفريقيا الذي فهم منذ عشرات السنين أن العالم يتغير، ونهج سياسة التأقلم مع ذلك، ومن ثم هناك تأييد واضح للقيادة المغربية والنموذج المغربي. ودائما في إطار الجانب السياسي، تطرقنا خلال الحوار كذلك إلى قضية الوحدة الوطنية (نزاع الصحراء)، وجدد الوزير كيري موقف بلاده التي تعد مقترح الحكم الذاتي مقترحا جديا وذا مصداقية، ويمكن اعتباره قاعدة للمباحثات مع الطرف الآخر (الجزائر وجبهة البوليساريو). شكل الحوار الاستراتيجي أيضا فرصة للتطرق إلى العلاقات بين المغرب والجزائر، ودراسة سبل فتح قنوات الاتصال مع الإخوة الجزائريين، والتخفيف من أجواء التوتر عن طريق محاولة تفسير الموقف المغربي للجزائريين، وحثهم على مراجعة موقفهم. فللجزائر دور مباشر في القضية الوطنية (نزاع الصحراء) خاصة على المستوى الدولي، بيد أنها ترفض التدخل في المفاوضات المباشرة. لذا يجب على الجزائر أن تتحلى بنوع من الجرأة السياسية، وتتعامل مباشرة مع المغرب. شملت مباحثات الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي أيضا القضية الفلسطينية وتطوراتها. ومعلوم أن كيري يلعب دورا حاسما في مبادرات السلام التي لم تحصل في الوقت الراهن على نتائج تدعو إلى التفاؤل. لقد نوه كيري بالدور الكبير الذي يلعبه المغرب بحكم ترؤس عاهله جلالة الملك محمد السادس للجنة القدس، ورئاسة المملكة للمجلس الوزاري للجامعة العربية. أما المحور الثاني الذي جرى التطرق إليه فيتعلق بالجانب الأمني والاستراتيجية الأمنية المغربية، ذلك أن المغرب يعتمد مقاربة شمولية متكاملة في هذا المجال، وليس على مقاربة أمنية محضة. وبناء على ذلك جرت مناقشة إمكانية تحقيق تعاون أمني بين المغرب وأميركا، خاصة لتأمين منطقة الساحل ودول المغرب العربي وليبيا على وجه الخصوص. وتطرقنا في هذا الإطار إلى عدد من مقترحات التعاون الأمني بين البلدين، بما فيها مقترح التعاون في مجال التدريب الأمني، والتعاون في مجال محاربة التطرف، وتعزيز دور المغرب في المنتدى العالمي ضد الإرهاب. * ما خصوصيات الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة مقارنة بالحوارات الاستراتيجية الأخرى التي تقوم بها هذه الأخيرة مع بعض الدول من ضمنها الجزائر؟ - الحوار الاستراتيجي المغربي–الأميركي يعتمد على طريقة علمية وعقلانية، ومبني على إشراك العديد من المسؤولين. كما أنه يعتمد مسائل ميدانية (قرارات فعلية) تطبق على أرض الواقع، وخطط عمل تشمل قطاعات عديدة ومختلفة. * هل حمل الوزير كيري خلال قدومه إلى المغرب رسائل معينة من القيادة الجزائرية إلى القيادة المغربية؟ - جون كيري حضر إلى المغرب في إطار الحوار الاستراتيجي المغربي–الأميركي ولم يحمل رسائل معينة، فهو زار الجزائر في إطار مشاورات بلاده السياسية معها. وفي جميع الأحوال فالمغرب دائما ما نادى جيرانه إلى العمل معا من أجل بناء مغرب عربي قوي ومتكامل على جميع المستويات، وهو الأمر الذي يتطلب بطبيعة الحال التزاما وإرادة سياسية من حكومات الدول المغاربية الخمس. كما أنني شخصيا أرى أن عزوف الجزائر عن التعامل مع المغرب خطأ كبير، خاصة أننا دولتان جارتان يكمل بعضهما بعضا، كما أن تطبيع العلاقات وتقوية التعاون بين البلدين سيخدمان المصلحة العامة لمنطقة المغرب العربي والساحل وأوروبا أيضا. * خلال الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس إلى واشنطن صدر بيان مشترك تضمن عدة جوانب بما فيها تطوير ودعم حقوق الإنسان. هل جرى تطبيق مضمون البيان المشترك كاملا، وهل يمكن القول إن الإدارة الأميركية مرتاحة لما جرى تطبيقه بالمغرب في هذا الجانب؟ - صدر بيان مشترك في 22 نوفمبر الماضي، وتطرق إلى ترحيب أميركا بما قام به المغرب في مجال حقوق الإنسان، وتشجيعها له على المضي قدما في هذا المجال. وتعود استراتيجية المغرب في مجال حقوق إلى سنوات خلت، إذ اتخذ عددا من الخطوات المهمة في مجال حقوق الإنسان، من أبرزها إصلاح منظومة القضاء العسكري، التي تعد خطوة جريئة للغاية. لقد حصل هذا الإصلاح على موافقة كاملة في المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، كما ستجري مناقشة المشروع داخل قبة البرلمان في غضون الشهر الحالي. اتخذ المغرب أيضا عددا من الخطوات لتفعيل حقوق الإنسان على أرض الواقع، منها التنسيق المتقدم بين المكاتب الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والحكومة. وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد مكتبان لحقوق الإنسان في الصحراء جرى خلقهما في إطار الإصلاحات التي أطلقت منذ أكثر من عشر سنوات. كما أن المغرب اعتمد منظومة جديدة للتنسيق بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والحكومة. من جهة أخرى، فإن المغرب يتعاون مع البعثات الدولية لحقوق الإنسان، على غرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان. وستقوم السيدة نافي بيلاي، المفوضة السامية لمجلس حقوق الإنسان، بزيارة المغرب نهاية الشهر الحالي. * زار كريستوفر روس، الوسيط الدولي في نزاع الصحراء، أخيرا المغرب والمنطقة، وكان لكم معه لقاء. ماذا حمل روس في جعبته إلى الرباط؟ - تصنف زيارات روس الأخيرة إلى المغرب ضمن مسؤوليته الأممية التي يمكن تقسيمها إلى شقين، الأول يكمن في محاولة تسهيل المفاوضات بين أطراف النزاع، أما الشق الثاني فهو تحسين العلاقات بين المغرب والجزائر. والرباط أكدت مجددا خلال زيارة روس الأخيرة لها على تعاونها مع مجهوداته لحل النزاع، لكن إصرار الجزائر على الرجوع إلى المربع الأول للنزاع يصعب مهمة روس ويعرقلها. * يرى بعض المتابعين لمهمة روس أن هذا الأخير وصل إلى الطريق المسدود. هل تراودكم هذه القناعة.. هل استنفد الوسيط الدولي دوره؟ - للأسف تشبث الطرف الآخر بالعودة إلى نقطة الصفر أو المربع الأول يصعب على روس الوصول إلى نتائج مرضية. ويجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن المغرب كان دائما سباقا إلى اقتراح حلول للخروج من هذه الأزمة؛ سواء كان ذلك مع الأطراف الأخرى أو مع البعثات الأممية. * ماذا تنتظرون من نهاية الشهر الحالي على مستوى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالتحديد في ما يتعلق بملف الصحراء؟ - سيصدر قرار المجلس الأمن في ما يتعلق بتمديد صلاحية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو» نهاية الشهر الحالي. ونتمنى أن يعترف أعضاء مجلس الأمن بالمجهودات النوعية التي يقوم بها المغرب في هذا النطاق، لأنه لا يعقل إعادة السيناريو نفسه كل سنة والحفاظ على هذا الجو من التوتر. أتمنى كذلك أن يتمتع أعضاء مجلس الأمن بجرأة سياسية كافية للاعتراف بمسؤولية الطرف الآخر (الجزائر وجبهة البوليساريو)، وتثمين مجهودات المغرب في هذا المجال حيث إننا نحس بنوع من الاختلال في العلاقات، ووجود خلل في التوازن، ونقص في التشجيع اللازم لمجهودات المغرب. * حاولت الجزائر وجنوب أفريقيا أخيرا إقصاء المغرب من القمة الأوروبية–الأفريقية، من خلال طرح مقترح يهدف إلى ذلك، وسبق أن طرح هذا الإشكال سابقا، وجرى الحسم فيه قبيل قمة القاهرة في سنة 2000. ما هي الاستراتيجية المغربية لتفادي تكرار نفس المحاولات الهادفة لعزل المغرب عن أفريقيا، وعن الحوار الأوروبي–الأفريقي؟ - للأسف، مثل هذه المبادرات إن كانت تدل على شيء فهي تدل على وجود سوء نية. فهذه مبادرة غير منطقية نظرا لأن المغرب كدولة أفريقية وعربية ومسلمة هو الدولة الوحيدة التي تحظى بوضع متميز مع أوروبا، وتشكل نموذجا لباقي الدول الأفريقية. ولله الحمد، فإن المغرب يتعامل بجدية مع أوروبا، وفي علاقاته الثنائية مع الدول الأفريقية. وهذه الجدية هي التي دفعت بأوروبا لاعتماد إطار القاهرة. من المحتمل أن تطرح هذه المشكلة في السنوات المقبلة، حيث إن المغرب لا يشارك في القمة الأفريقية (قمة الاتحاد الأفريقي)، لكن الرباط شرحت للدول الكبرى وجميع شركائها الموقف المغربي من الاتحاد الأفريقي، موضحة أن الهدف من الضغط الذي تمارسه بعض الدول هو فرض مجموعة أو حركة (جبهة البوليساريو) تزعم أنها حكومة ودولة، وهي ليست كذلك. وأود هنا الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كانت حاسمة في هذا الموضوع، حيث إنها رفضت مشاركة بعض الحركات والمجموعات في القمة الأفريقية–الأميركية المزمع تنظيمها في أغسطس (آب) المقبل. * موقف المغرب من الاتحاد الأفريقي واضح.. هل من محاولات اختراق جديدة لعودة الأمور إلى نصابها، أي عودة الرباط إلى حظيرة الاتحاد؟ - كما سبق أن قلت يحظى النموذج المغربي اليوم بمصداقية عامة، وتعترف أغلب الدول الأفريقية بسيادته ووحدة ترابه. إن اعتراف الاتحاد الأفريقي بمنظمة كدولة (جبهة البوليساريو) هو وضع غير قانوني. والقانون واضح من هذه الناحية، والمغرب متوفر على جميع الحجج القانونية اللازمة للدفاع عن حقه. لكن المشكلة تكمن في غياب الإرادة السياسية عند بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي. * كيف تنظرون إلى العلاقات المغربية – الفرنسية.. هل جرى تجاوز الأزمة أم أن الأمر متوقف على تعديل منظومة التعاون القضائي بين البلدين؟ - من الأساسي التذكير بأن العلاقات المغربية–الفرنسية هي علاقات تاريخية ووطيدة تستطيع تجاوز أي وضع ظرفي. في ما يخص التوتر الذي عرفته هذه العلاقات في الآونة الأخيرة، فإن هناك اتصالا مستمرا بين الطرفين لإيجاد حل لتجاوز التوترات، وتفادي تكرارها في المستقبل. اعترف الفرنسيون بالخطأ، وعبروا عن استعدادهم للتعاون مع المغرب لإيجاد حل مرض للطرفين. وأود هنا أن أعيد التذكير بأن هذا التوتر ظرفي ولا يمس بطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. * أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية من ضمن أولويات الدبلوماسية المغربية.. ما أبرز معالم هذه الدبلوماسية؟ - هناك توجه جديد للدبلوماسية المغربية نحو الجانب الاقتصادي. المغرب هو الدولة الوحيدة في أفريقيا التي تحظى باتفاقية تجارة حرة مع أميركا، وحصلت كذلك على دعم من مؤسسة تحدي الألفية. وناقشنا مع أميركا إمكانية استغلال اتفاقية التجارة الحرة في مقاربة اقتصادية ثلاثية مع دول أفريقية أخرى خاصة أن أميركا تنظر إلى المغرب كمدخل لسوق أفريقية كبيرة بحكم اتفاقيات التبادل الحر التي تجمع المغرب بدول أفريقية أخرى. أما في ما يخص مؤسسة تحدي الألفية، فإن المغرب يستعد للدخول في الفقرة الثانية من برنامج المؤسسة، ويطمح إلى استغلال هذا الإطار وتطبيقه في دول أفريقية أخرى. والجدير بالذكر أن المغرب سيحتضن في نهاية السنة الحالية القمة العالمية للمقاولات في دورتها الخامسة، والتي عادة ما تعرف مشاركة الرئيس الأميركي باراك أوباما. * في سياق الحديث عن اتفاقيات التبادل الحر مع الولايات المتحدة، ارتفعت أخيرا أصوات تدعو إلى تعديل بنود هذه الاتفاقية التي ترجح كفة واشنطن أكثر من كفة الرباط.. ماذا عن مستجدات موضوع هذا التعديل؟ - عزمنا على توقيع اتفاقيات ثنائية بين المغرب وأميركا بهدف تحقيق التوازن بين الطرفين وإكمال اتفاقية التبادل الحر. وتشمل هذه الاتفاقيات موضوع التعريفات الجمركية، بالإضافة إلى تنسيق معايير الجودة والمنظومة الضريبية، حيث اتفق البلدان على إعفاء المستثمرين المغاربة في أميركا ونظرائهم الأميركيين في المغرب من الضرائب.
مشاركة :