اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء تلفزيوني سنوي للرد على أسئلة الجمهور، السلطات الأوكرانية الجديدة بقيادة البلاد نحو «الهاوية»، معلناً رفضه حملتها لتنظيم انتخابات رئاسية في 25 أيار (مايو) التي «لن نعترف بشرعيتها إذا تعرض مرشحون من شرق البلاد لمضايقات». ورد رئيس الوزراء الأوكراني آرسيني ياتسينيوك بأن «بوتين يحاول تخريب الانتخابات الرئاسية عبر لعبة واحدة هي مزيد من التصعيد والاستفزاز». ووصف بوتين الاجتماع الرباعي الذي عقد في جنيف أمس بين موسكو وكييف وواشنطن والاتحاد الأوروبي لبحث الأزمة بأنه «مهم جداً للخروج من الوضع»، داعياً إلى حوار حقيقي فوراً والبحث عن حلول وسط، مبدياً ثقته بأن تنجح روسيا في التفاهم مع أوكرانيا، وقال: «لن نتجنب بعضنا». لكنه استدرك أن «الثقة مفقودة بين بلاده والولايات المتحدة منذ ما قبل أزمة أوكرانيا. واللوم في ذلك لا يقع علينا، لأننا نريد عودة التعاون، ما يتطلب مراعاة واشنطن مصالح الآخرين واحترام القانون الدولي، فهي تستطيع التحرك في يوغوسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا لكن لا يسمح لروسيا بالدفاع عن مصالحها». وأعلن البيت الأبيض انه «يعكف على تحضير عقوبات جديدة على روسيا»، فيما تبادل الغربيون والروس في مجلس الأمن اتهامات حول تقرير للأمم المتحدة حول حقوق الإنسان في أوكرانيا، إذ اعتبرته موسكو منحازاً، في مقابل مطالبة واشنطن ولندن وباريس الحكومة الروسية بوقف تدخلها في شؤون أوكرانيا. وتمنى بوتين ألا يضطر إلى استخدام «الحق» الذي منحه إياه البرلمان الروسي مطلع آذار (مارس) الماضي، في إرسال قوات إلى الدولة الجارة، والذي ربطه «بضمانات» حقوق الناطقين بالروسية شرق البلاد. ويقول الحلف الأطلسي (ناتو) إن روسيا تحشد حوالى 40 ألف جندي على حدود شرق أوكرانيا حيث يسيطر انفصاليون موالون لروسيا على مبان عامة، ما يزيد المخاوف من تفجر الأوضاع. دعوة للحوار وأكد أن «الحوار هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة وفرض النظام في إطار إجراءات ديموقراطية، وليس عبر القوات المسلحة والدبابات والطائرات». وانتقد بالتالي العملية العسكرية التي أطلقتها كييف ضد الانفصاليين شرق البلاد، معتبراً أنها «جريمة جدّية جديدة ترتكبها سلطات كييف». وسقط 3 قتلى أمس في صفوف انفصاليين قالت كييف إنهم هاجموا قاعدة للحرس الوطني الأوكراني في ميناء ماريوبول (شرق) ليل الأربعاء. لكن ممثل للانفصاليين عرّف عن نفسه باسم سيرغي قال إن «من توجهوا إلى القاعدة شاركوا في مسيرة سلمية». وانتهت عملية متواضعة نفذها الجيش الأوكراني لاستعادة مناطق أخرى من المتمردين بحال من الفوضى نتجت من استسلام القوات بدلاً من أن تطلق النيران. وعلّق الرئيس الروسي على الادعاءات بوجود قوات روسية شرق أوكرانيا بأنه «كلام فارغ فجميع المشاركين في الاحتجاجات مواطنين محليين، فيما لا وجود لوحدات روسية، أو قوات خاصة أو مرشدين»، على رغم إعلان جهاز أمن الدولة الأوكراني احتجاز حوالي عشرة روس على علاقات سابقة بالاستخبارات. وتابع: «قلت لشركائنا الغربيين إن الناشطين لن يذهبوا إلى أي مكان. إنهم أصحاب هذه الأرض، ويجب التحدث معهم ومع مواطني شرق أوكرانيا في شأن إنشاء نظام فيديرالي، في وقت تتحدث سلطات كييف عن اللامركزية. لذا يجب توضيح مضمون هذه المصطلحات، والجلوس وراء طاولة المفاوضات وإيجاد حل». وشدد على ضرورة ترشح زعماء جدد يتمتعون بشعبية شرق أوكرانيا لتولي مناصب قيادية، تمهيداً لإطلاق حوار بنّاء لتسوية الأزمة، وإطلاق قادة شعبيين في شرق أوكرانيا من السجون، مشيراً إلى أن سكان الشرق لا يثقون بأوليغارشيين عينتهم كييف محافظين، إذ يعتقدون بأنهم استغلوا الشعب ونهبوه. في المقابل، أقرّ بوتين للمرة الأولى بأن القوات الروسية كانت موجودة في شبه جزيرة القرم قبل استفتاء ضمها إلى روسيا الشهر الماضي وخلاله «لضمان شروط حرية الاقتراع، خصوصاً أن أسلحة كثيرة تواجدت في القرم حينها، وكان يمكن أن يستخدمها موالون لكييف ضد السكان». القرم وعن القرم، حيث مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود، قال بوتين إن «روسيا لم تخطط مسبقاً لأي انضمام أو أعمال عسكرية فيها، بل حاولنا بناء علاقاتنا مع أوكرانيا استناداً إلى الواقعية الجيوسياسية، وكنا نأمل بأن الناطقين بالروسية في ظروف سياسية مريحة من دون التعرض لاضطهاد أو مواجهة تهديدات. لكن حين ظهر هذا الوضع وبدأ شعب القرم يتحدث عن تقرير مصيره، شرعت روسيا بالتفكير في ما يمكن عمله». وتابع: «اتخذت قرار ضم القرم في اللحظة الأخيرة، بعد تنظيم الاستفتاء. وتأثر ذلك جزئياً بتوسع الحلف في شرق أوروبا، إذ حين تتحرك البنية الأساسية لكتلة عسكرية نحو حدودنا تسبب لنا بعض القلق والأسئلة، وتحتم اتخاذنا خطوات للرد». وتابع: «قرارنا حول القرم نتج جزئياً من اعتبارات أننا لو لم نفعل شيئاً سيسحب حلف الأطلسي أوكرانيا عند نقطة ما، مسترشداً بنفس المبادئ، وسيقولون: لا يتعلق ذلك بكم». وأمل بأن تفهم أوكرانيا أن روسيا لم تستطيع التصرف في شكل آخر في القرم، وقال: «إذا احترمنا بعضنا البعض، يجب أن نعترف بحق بعضنا البعض في الخيار المستقل»، داعياً الأشخاص الذين يعيشون في أوكرانيا إلى احترام سكان القرم. وكشف بوتين أن الجزء الأكبر من سفن أسطول البحر الأسود الروسي سينقل من مدينة نوفوروسيسك إلى مدينة سيفاستوبل من أجل تعزيز تحديثها، «خصوصاً أن قدرة القرم كبيرة في مجال بناء السفن وإصلاحها. وقدمت وزارة الدفاع الروسية طلباً لأحد مصانع القرم في هذا المجال يقدر بـ 5 بلايين روبل. ترانسدنستريا على صعيد آخر، أعلن يفغيني تشيفتشوك، رئيس منطقة ترانسدنستريا الانفصالية في مولدوفا والمحاذية للحدود مع أوكرانيا، أنه «إذا أراد الاتحاد الأوروبي استقرار المنطقة يجب أن يعترف باستقلالها. تزامن ذلك مع مطالبة «مجلس السوفيات الأعلى» (البرلمان) في ترانسدنستريا كل من روسيا والأمم المتحدة بالاعتراف باستقلال المنطقة الانفصالية التي يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة، ويتمركز فيها 1500 جندي روسي. ورداً على سؤال عن إمكان انضمام ترانسدنستريا إلى روسيا، على غرار ما فعلت القرم، اكتفى رئيس المنطقة الانفصالية بتكرار أن ما يطالب به في هذه المرحلة هو «الاعتراف بترانسدنستريا»، رافضاً الدخول في «افتراضات، والخطوات اللاحقة يقررها مواطنو جمهوريتنا».
مشاركة :