كنت أتابع قناتي التلفزيونية المفضلة «بي بي سي 4»، وإذا بي أشاهد أمامي على الشاشة هذا الفيلم المغربي الرائع من إخراج إسماعيل فروخي، وتمثيل مجموعة كبيرة من الفنانين المغاربة. لقد فاز الفيلم كما سمعت بعدة جوائز عالمية، ولكنه ومع مزيد الأسف، لم يحظَ بتوزيع على نطاق واسع أو التفاتة كافية من الجمهور والنقاد، على الأقل ليس هنا في بريطانيا. أنا شاهدته بمحض الصدفة. وأقول مع مزيد الأسف لسببين؛ الأول روعته الفنية، والثاني لأنه يعرض موضوعا في غاية الأهمية. وتتجلى أهميته في أنه مزج بين التسجيل الوثائقي والسرد لحكاية تاريخية نعتز بها، بل وينبغي أن يعتز بها سائر العالم. الحكاية تروي قصة عدد من المواطنين اليساريين المغاربة أثناء وجودهم في باريس خلال الاحتلال النازي. انضموا إلى حركة المقاومة الفرنسية ضد النازية، سرعان ما جرهم ذلك إلى موضوع اليهود والهولوكوست. كان الجنود الألمان يعتقلون اليهود ويسفرونهم إلى المحرقة. وهنا انبرت هذه المجموعة المغربية إلى حمايتهم وتزويدهم بوثائق مزيفة على أنهم مواطنون مسلمون من الجزائر. وراحوا يتعاونون مع إمام مسجد باريس في إخفاء هؤلاء اليهود في سرداب الجامع. كان بين هؤلاء اليهود مطرب جزائري واجه مأزقا بين مواصلة فنه الغنائي الذي يحبه والوقوع بيد الألمان. ساعده بطل الفيلم بمده بوثيقة مزورة وإخفائه عن أنظار العدو. وفي الوقت عينه عثر على طفلتين يهوديتين اختطف الألمان والديهما، وراحوا يبحثون عنهما، ولكن بطل الفيلم سبقهم إليهما وأخفاهما في الجامع برعاية الإمام. الفيلم حاشد بمثل هذه اللمسات الإنسانية والمناقشات السياسية بشأن تحرر المغرب العربي وحقوق الإنسان والمساواة بين الجميع. ينتهي الفيلم بتهريب هؤلاء اليهود من الجامع بمراكب تجارية تبحر بهم على نهر السين. وأخيرا، تضج باريس بتحررها من الاحتلال النازي. وكما قلت، الفيلم خليط من التاريخ الوثائقي والسرد الملحمي، ومعظم المشاركين فيه كانوا من أبطال حركة المقاومة. كان منهم خضر بن جبريل الذي منحه الفرنسيون وسام «وردة المقاومة» عام 1947. أعود لأكرر أسفي على الفيلم. فالمعتاد، ولا سيما في هذه الأيام ألا نشاهد أي شيء عن الإسلام والمسلمين على وسائل الإعلام والفن في الغرب غير ما يقرف النفس ويعطي أقبح الصور. قتل وإرهاب وتدمير. أما منجزات الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي فقد أصبح موضوعا أكاديميا محصورا بين الباحثين والمتخصصين بعيدا عن معرفة الجمهور. من المعتاد ألا نسمع أي شيء عن اليهود العرب إلا في نطاق ما تعرضوا له منذ الأربعينات، كحكاية الفرهود في بغداد. ولا أحد ينتبه لهذه الصفحة المجيدة التي قام بها المسلمون المغاربة والجزائريون والتونسيون وغيرهم خلال الحرب العالمية الثانية في المخاطرة بأرواحهم في مساعدة اليهود وإنقاذهم من بطش الحكم النازي. حتى هذا الفيلم الذي يروي بطولاتهم الإنسانية لم يعرض إلا في ساعة متأخرة من الليل وعلى قناة «بي بي سي 4» التي لا يتفرج عليها غير التائهين من أمثالي.
مشاركة :