الولايات المتحدة تقلص ترسانتها النووية - عبدالجليل المرهون

  • 4/18/2014
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

في التاسع من نيسان أبريل 2014، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الولايات المتحدة ستقوم بتحويل ثلاثين من قاذفاتها النووية، وستقلص عدد المخابئ والانابيب القاذفة للصواريخ في غواصاتها. وينوي البنتاغون إلغاء القدرة النووية في ثلاثين من قاذفاته الاستراتيجية من طراز "بي 52 اتش"، بحيث يكون دورها تقليدياً فقط. كذلك، سيتم افراغ خمسين مخبأ من أصل 450، يحوي كل منها صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، على أن تزود كافة الصواريخ رأساً نووياً واحداً. ويبلغ عدد الغواصات القاذفة من طراز أوهايو حالياً 14 غواصة، كل منها مزود ب 24 انبوباً للإطلاق. والتزاماً بالمعاهدة، سيتم افراغ أربعة أنابيب في كل غواصة وتحويلها، ما يجعل العدد الكامل لصواريخ "ترايدنت 2" على متن الغواصات 280 صاروخاً، بينها 240 صاروخاً منتشرة. كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أكد تمسكه برؤية جديدة للسياسة النووية تتجاوز سياسات الحرب الباردة، وتبتعد عن الرؤية النمطية السائدة. ورأى أوباما أن «بإمكاننا أن نقول بثقة إن لدينا أسلحة نووية أكبر مما نحتاجه».. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أكد تمسكه برؤية جديدة للسياسة النووية تتجاوز سياسات الحرب الباردة، وتبتعد عن الرؤية النمطية السائدة. ورأى أوباما أن "بإمكاننا أن نقول بثقة إن لدينا أسلحة نووية أكبر مما نحتاجه". وفي الثامن من نيسان أبريل 2010، وقع الرئيس أوباما مع الرئيس الروسي حينها، ديمتري ميدفيديف، على معاهدة "ستارت – 2"، الخاصة بتقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية، التي تقرر بموجبها خفض هذه الأسلحة بنسبة 30% في غضون سبع سنوات. والمعاهدة قد دخلت حيز التنفيذ منذ شباط فبراير 2011. واشار أوباما إلى أن المعاهدة كانت جزءاً أساسياً في التزام إدارته بإعادة صياغة العلاقات مع روسيا، وقال: "إننا قمنا اليوم بخطوة إلى الأمام، لكي نتخطى مخلفات القرن العشرين، وبناء مستقبل أكثر أمناً للأجيال القادمة". وأوضح بأن المعاهدة ستؤدي إلى "تقليص الصواريخ وحاملات الأسلحة بشكل جوهري"، وتقيم نظاماً قوياً وفعّالاً للرقابة. وأنها تنهض على المرونة التي تحتاج إليها الولايات المتحدة لحماية أمنها القومي، كما "تضمن تمسكنا الثابت بأمن الحلفاء". ورغم الأزمة الأوكرانية، التي أدت إلى تجميد التعاون العسكري الأميركي الروسي، فإن المعاهدة لا تزال في طور التطبيق من جانب كل طرف، مع استمرار عمليات التفتيش. وقد ثبتت المعاهدة الحد الأقصى للأسلحة الاستراتيجية الهجومية، في كل من روسيا والولايات المتحدة، على النحو التالي: - 1550 شحنة نووية لكل دولة. - 700 صاروخ باليستي عابر للقارات، أو منصوب في الغواصات الذرية والقاذفات الثقيلة. - 800 منصة، منشورة وغير منشورة، للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ومنصوبة في الغواصات الذرية والقاذفات الثقيلة. والأسلحة الاستراتيجية المعنية في المعاهدة هي الأسلحة النووية في الغالب، إلا أنه لم يتم تسمية الأسلحة المطلوب خفضها بالأسلحة النووية، وذلك لشمولها على الصواريخ بعيدة المدى، حتى وهي خالية من الرؤوس النووية. والمقصود بالصاروخ العابر للقارات الصاروخ الباليستي الذي يتجاوز مداه 5500 كيلومتراً. وهذه المسافة لم تعتمد على سبيل الصدفة، فهي أقصر خط بين الأراضي الروسية والبر الأميركي (باستثناء ألاسكا). أما القاذفات الجوية الثقيلة، فتعرّف بأنها القاذفات التي لا يقل مدى تحليقها عن 8000 كيلومتراً، أو المزودة بصواريخ جوالة بعيدة المدى. ومدى تحليق بمستوى 8000 كيلومتر يسمح للقاذفة بالإقلاع من الأراضي الروسية وبلوغ الهدف في الأراضي الأميركية (أو العكس) والعودة، مع تزود بالوقود في الجو لا يتجاوز مرة واحدة. قبل توقيع معاهدة "ستارت – 2"، أشارت المراجعة النووية الجديدة للولايات المتحدة، التي أعلنت في السادس من نيسان أبريل 2010، إلى أن الولايات المتحدة لن تجري أية تجارب نووية، ولن تعمل على تطوير رؤوس نووية جديدة، ولن تقوم بمهمات عسكرية جديدة، أو بناء قدرات جديدة للأسلحة النووية. وتُعد مراجعة العام 2010، أول مراجعة للسياسة النووية الأميركية منذ سنة 2001، والثالثة منذ نهاية الحرب الباردة.  ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن عدد الرؤوس النووية، الاستراتيجية والتكتيكية، في العالم كان حوالي 20530 رأساً في العام 2011. وقد توزعت هذه الأسلحة على النحو التالي: روسيا (11000)، الولايات المتحدة (8500)، فرنسا (300)، الصين (240)، بريطانيا (225)، باكستان (حوالي 110)، الهند (حوالي 100) وإسرائيل (حوالي 80). ويُقدر أيضاً أن كوريا الشمالية قد أنتجت رأساً نووياً واحداً على الأقل. وتمتلك الولايات المتحدة الأسلحة النووية منذ العام 1945، وروسيا منذ عام 1949، وبريطانيا (1952)، فرنسا (1960)، الصين (1964)، الهند (1974)، إسرائيل (1979)، باكستان (1998) وكوريا الشمالية (2006). وفي حوزة الولايات المتحدة قرابة أربعة آلاف رأس نووي استراتيجي، فيما تمتلك روسيا ثلاثة آلاف أو يزيد قليلاً. ولدى كل من الولايات المتحدة وروسيا 500 جهاز لإطلاق الصواريخ براً، وأكثر من 100 أداة حمل من القوة الاستراتيجية الجوية والبحرية. أما فرنسا وبريطانيا فتحافظان على آلية قوة استراتيجية ثنائية، أي بحراً وجواً أو بصورة مفردة. وهما دولتان نوويتان استراتيجيتان. ومن ناحيتها، تتخلف الصين عن فرنسا وبريطانيا على هذا الصعيد، لكنها تعتبر الدولة الثالثة في العالم التي تمتلك صواريخ باليستية عابرة للقارات، إضافة للولايات المتحدة وروسيا. وقد أجرت الصين اختبارها النووي الأول في تشرين الأول أكتوبر عام 1964، واختبرت قنبلتها الهيدروجينية الأولى بعد ذلك بفترة قصيرة. وأجرى الصينيون 45 اختباراً للأسلحة النووية في 33 عاماً. وإذا كان امتلاك الصين للسلاح النووي قد رسم موقعها في اللوحة الاستراتيجية الدولية، فإن هذا الحدث كان السبب المباشر لتحرك الهند لامتلاك السلاح ذاته. وإذا كانت الهند قد أفادت عالياً من النزاع التاريخي الصيني الروسي، وارتكزت إلى موسكو لتعزيز مواجهتها مع بكين، فإن باكستان قد أفادت في المقابل من النزاع الهندي الصيني، واستندت إلى بكين لدعم موقفها تجاه نيودلهي. وتالياً جاء السلاح النووي الباكستاني كنتاج لهذه المعادلة المعقدة. وقد أشارت مراجعة الوضع النووي، التي أعلنتها الولايات المتحدة عام 2010، إلى أن الخطر الأكبر، الذي يهدد أمن الولايات المتحدة والعالم، لم يعد متمثلاً في الهجمات النووية المتبادلة بين الدول، وإنما في الإرهاب النووي، والانتشار النووي إلى عدد متزايد من البلدان. وبات الإرهاب النووي بنداً دائماً في مقاربة الولايات المتحدة لأمنها القومي. وتقرر أن يستضيف الرئيس أوباما قمة الأمن النووي الرابعة في العام 2016، وستكون هذه القمة فرصة جديدة للتشديد على مقاربته القائمة على منع تسرب التكنولوجيا النووية، والمواد الإشعاعية، إلى المجموعات المتطرفة أينما وجدت. وكانت أول قمة للأمن النووي، قد افتتحت في الثاني عشر من نيسان أبريل 2010، في واشنطن، بمبادرة من الرئيس أوباما، بهدف تسليط الضوء على مخاطر الإرهاب النووي، والوصول إلى مقاربة دولية متكاملة لمواجهته. أما القمة الثانية للأمن النووي فقد عقدت في كوريا الجنوبية يومي السادس والعشرين والسابع والعشرين من آذار مارس من العام 2012. وفي كلمته له أمام الوفود المشاركة في سول، قال أوباما أن الكثير قد تحقق منذ قمة واشنطن، ولا سيما في مسألة تعزيز الأمن حول المواقع النووية، وإزالة المعدات الخطيرة أو جعلها آمنة. وعقدت قمة الأمن النووي الثالثة في مدينة لاهاي بهولندا، يومي الرابع والعشرين والخامس والعشرين من آذار مارس 2014، بحضور ممثلين عن 53 دولة. وقد تضمن جدول أعمالها ثلاث مسائل رئيسية: تتعلق الأولى بتقليص احتياطي المواد المشعة الخطرة (اليورانيوم المخصب والبلوتونيوم)، التي يُمكن استخدامها في صنع أسلحة نووية، وكذلك تخفيض عدد مخازن هذه المواد. وعنت المسألة الثانية بتعزيز حراسة المنشآت والمخازن النووية، والثالثة بتعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن النووي. وفي كانون الثاني يناير 2014، أصدرت هيئة "مبادرة التهديدات النووية" في الولايات المتحدة "مؤشر الأمن النووي"، الذي أفاد بأنه يوجد في العالم اليوم ما يقرب من 500 طن من البلوتونيوم، وحوالي 1500 طن من اليورانيوم عالي التخصيب، موزعة على مئات المواقع والمنشآت. وكانت قد ولدت في العام 1979 معاهدة الحماية المادية للمواد النووية، التي تُعد في طليعة الوثائق القانونية ذات الصلة. وفي 28 نيسان أبريل 2004، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار الرقم (1540)، الذي دعا جميع الدول إلى بذل جهود مشتركة من أجل منع عمليات التهريب المرتبطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل، وعلى وجه الخصوص اليورانيوم أو البلوتونيوم. وفي 13 نيسان أبريل 2005، أقرت الدورة التاسعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة المعاهدة الدولية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تُعد أول صك قانوني دولي ملزم بشأن قضايا الإرهاب، في مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر. وبعد تسعة أعوام على هذه المعاهدة، يجد العالم نفسه اليوم أمام تحديات متعاظمة، لا يُمكن مواجهتها إلا بتفعيل الجهد الدولي وتطوير اتجاهاته.

مشاركة :