استغرب من اعتراض بعض نواب مجلس الأمة الحالي على مقترح زملائهم الذي يُطالب بمناقشة موضوع الإيداعات المليونية! ومحل الاستغراب أن هؤلاء النواب هم ممثلو الشعب، وهم المستأمنون على مصالح العباد والبلاد، وهم الذين أقسموا على حماية مصالح البلاد والدفاع عنها، فكيف بمثل هؤلاء أن يعترضوا على مناقشة قضية فيها شبهة كسب غير مشروع؟ إن النائب النزيه والشريف، لا يخاف من أي مساءلة، ما دام مقتنعاً بأنه لم يدخل في جيبه أي درهم حرام. ولأنه يطبق مبدأ «لا تبوق لا تخاف»، فلا يضره أي تحقيقات يتم إجراؤها، إنما يخاف من التحقيقات، المستفيد شخصيا من هذه الإيداعات، فيخاف أن ينكشف أمره، أو الذي يريد التستر على المستفيد لأي سبب كان. اعترض أحد الصحابة على عمر بن الخطاب، وهو يخطب على المنبر - وكان وقتها خليفة للمسلمين - وكان سبب الاعتراض هو رؤيته للفاروق وهو يرتدي ثوبين، فقال الصحابي لعمر: كيف تلبس ثوبين، وتعطينا ثوباً واحداً وتريد منّا أن نسمع ونطيع؟ ولأن عمر رضي الله عنه كان واثقاً من نفسه، طلب من ابنه عبدالله أن يُرد على الاتهام، فقال عبدالله: هو ثوبي أعطيته لوالدي. لقد كثر الحديث عن أن الوصول إلى كرسي البرلمان، هو أحد طرق تحقيق الثراء السريع غير المشروع. ولأنه كما يقول المثل «لا يوجد دخان بغير نار»، فإن الناس ترى بأعينها كيف كان حال بعض النواب ممن كانت الديون تطارده في كل مكان، وكيف أصبح اليوم من أصحاب الملايين، خصوصاً تحقيقه لهذا الثراء بدرجة سريعة غير طبيعية أو معقولة! كنا في السابق نرى تغيراً سريعا في أحوال بعض النواب (السكن، السيارات، وامتلاك عقارات)، وكنا نسأل عن سبب هذه الطفرة السريعة، فكان يُقال لنا بأنها: مبالغ مشروعة تعطى لكل نائب جديد كتعديل وضع، ولأننا على نيّاتنا كنّا نصدق. حتى كبرنا واتضحت لنا الأمور، فعرفنا أن المسألة ما هي إلا «دهان سير» وتظبيط للعضو حتى يكون في الجيب، وحتى لا يشطح برأيه هنا أو هناك. كنّا نستغرب كيف يدفع بعض النواب تلك المبالغ الطائلة في شراء أصوات الناخبين - وبعضها للأسف على مرأى ومسمع الحكومة - وكنا نقول: هل يعقل أنه يخسر كل هذه المبالغ لأنه فقط يريد الوصول إلى البرلمان لخدمة الناس والدفاع عن مصالحهم؟ لكن الواقع أعطانا الإجابة وأزال الالتباس، حيث اكتشفنا أن معظم هؤلاء قد حقق أضعاف أضعاف ما أنفقه في شراء الأصوات، وأن ما دفعه بالأمس من رشاوى، إنما هو تمهيد للثراء الفاحش غير المشروع بعد الوصول للبرلمان. لا يسعنا - بعد أن تمت مناقشة موضوع الإيداعات في الجلسة الأخيرة - إلا أن نقدم خالص الشكر للنواب الذين طرحوا الموضوع للنقاش، ونشكر كل من أيدهم ودعمهم. كما نتمنى الاستعجال في إقرار قانون تعارض المصالح، حتى يُلجم شهية أولئك الذين لا يخافون الله. ونقول للنواب إن الفرار من المحاكمة أوالمساءلة الدنيوية في الكسب غير مشروع، لا يعني نهاية الأمر، فهناك محكمة إلهية في الاخرة، لا ينفع معها حفظ القضايا، ولا وجود الشفعاء والوسطاء. يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام «لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدرته». وأي غدر أعظم من أن ينتخبك الناس ويستأمنونك على مصالح العباد والبلاد ثم تخونها! Twitter:@abdulaziz2002
مشاركة :