المخرج الجزائري حميد بن عمرة في العديد من الأجواء المهنية قبل استقراره على السينما، حيث بدأ حياته بممارسة رياضة الكاراتيه، ثم درس الفلسفة، وأخيرا السينما، وقد أنجز العديد من التجارب السينمائية وكان أول فيلم له في الجزائر عام 1981، تلته ستة أفلام روائية بين القصيرة والطويلة، منها فيلمه الشهير هواجس الممثل المنفرد بنفسه، الذي منع من العرض في العديد من المهرجانات العربية، وأيضا فيلمه القصير الجديد حزام الذي تدل كل المؤشرات على أنه سيكون من الأفلام المؤثرة في مسيرة بن عمرة المهنية. العرب [نُشرفي2017/02/17، العدد: 10546، ص(16)]
رقصة للحياة
باريس – يستعد المخرج السينمائي الجزائري حميد بن عمرة لعرض فيلمه الجديد “حزام” في الأيام السينمائية بالجزائر ثم بمهرجان تطوان بالمغرب، بعد أن قدمه في عرضه العالمي الأول في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وفي الفيلم تناول لموضوع الرقص الشرقي من منظور مختلف بعيدا عن التفكير الأيروتيكي الغرائزي، من خلال الولوج في تفاصيل حياة آسيا قمرة، وهي امرأة جزائرية تعلم الرقص في باريس لسيدات من جنسيات متعددة.
ويستعرض الفيلم مفاهيم جدلية في حياة المجتمع الشرقي، كالرقص والجسد والإيقاع والرياضة والسينما والأم وغيرها من المواضيع العميقة.
وعن مدى رهانه على تقبل الجمهور الشرقي للفيلم، خاصة أنه أبرز عوالم جانبية بعيدة عن المنطق الأيروتيكي أو الغرائزي للرقص الشرقي، يقول بن عمرة “الجمهور حر ولا يحتاج إلى تفسير التفسير كي يلم بموضوع الفيلم أو يحيط بجمالياته، لكنه حسب تشعب حساسيته وثقافته سينظر إلى الفيلم بعين مدققة في كل إطار، وكل رابط بين لقطة وأخرى، أو يكتفي باستيعاب المواضيع المطروحة من زاوية قد تكون سياسية أو دينية أو حتى فضولية”.
حميد بن عمرة: "حزام" ليس فيلما عن الرقص، بل عن الحياة والموت
ويواصل بن عمرة “عندما أركب أي فيلم انطلق من مبدأ ذكاء الجمهور ولا أحاول أن أشاهد الفيلم مكانه، لأني كمشاهد قد أتحول إلى صبي يحدق إلى شابلن أو كيتن بعين بريئة تصدق كل شيء، علاقتي بالشاشة التي أخاطب بها الجمهور ليست مبنية على القبول والرفض، ليس هناك تضاد في وجهات النظر بيني وبين الجمهور، لا أريد أن أخضع لتحولاته والتلاؤم معها، كما أني لا أفرض سردا مبهم التفكيك”.
ويؤكد المخرج الجزائري أن “حزام” ليس فيلما عن الرقص، بل عن الحياة والموت، وأن علاقة “حزام” الراقصة بحزام الكاراتيه هي البطن الحامل للحب والحياة، كمصدر للقوة والضعف، وأن الوجه الباطني للفيلم لا يتمثل في وجوه الشقراوات، بل في عمق الخطاب الفلسفي والروحي الذي يتستر خلف رشاقتهنّ، فالحياة كما يراها بن عمرة “حركة منسجمة بوتيرة معينة وكل تعبير لفظي أو مرئي خاضع لهذا القانون”.
ويقول بن عمرة “انفراد فيلم ‘حزام’ أو غيره من أفلامي ناجم عن انفراد في المواضيع، فالمكان والأشخاص يفرضان أسلوبا خاصا في التعامل مع الإطار، ونوعية الإطار تفرض وتيرة خاصة في التركيب، لأنه يستقطب نوعا فريدا من الموسيقى وهكذا”.
ويعترف أن حبه للوجوه أولى من الموضوع في حد ذاته، ويقول “عندما أصوّر ملامح الشخص الذي تستهويه عدستي سأؤلف حتما الموضوع المناسب بالقالب المناسب، فالجسد عنده “أيقونة تعبر عن شخصياتنا وتدل على حياتنا أكثر من كلماتنا”.
ويرى بن عمرة أنه “لا يكفي أن تمسك بعدسة وتهرول أمام الراقصات حتى يعتقدن أنك صيّاد كبير جاء لينتقي منهن غزالة، بين النساء تضع رجولتك في سلة المهملات وتقابل أجسادهن بنفس نقي لا يغازل ولا يدعي معرفة، فقط بهذا المنظور يمكن التوغل في حلمهنّ بثقة تامة”.
“حزام” رسالة حب وخطاب حول الوحدة وعلاقة الجسد بالأرض، وليس فهرسا لعارضات أزياء أو قائمة أسماء لراقصات، لذا يأتي السرد الروائي في الفيلم أسلوبا طبيعيا في عيني مخرجه حميد بن عمرة، وليس نوعا مفتعلا.