مؤسسات الإعلام الكبرى أكثر حذرا، بعد انتقاد إدارة ترامب لوسائل الإعلام الإخبارية التقليدية ووصفها بأنها “حزب المعارضة” ومصدر “الأخبار الكاذبة”، وقامت بحملات إعلامية للتأكيد على مصداقية أخبارها وتوخيها الدقة. وقد بدأت صحف كبرى مثل وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز وفاينانشال تايمز وشركة جانيت ناشرة صحف (يو.إس.إيه توداي) تعمل على تدعيم الزيادة التي شهدتها مواقعها الإلكترونية في عدد القراء خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، وذلك بتسويق التغطية المحايدة كاستراتيجية للمبيعات. ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة إلى الصحف هو ما إذا كان هؤلاء القراء الجدد سيستقطبون دخلا إعلانيا للصحف التي تعرض بعضها لانتقادات بأن لها ميولا سياسية. ويبيّن استطلاع للرأي أجرته شركة “إدلمان” شارك فيه أكثر من 33 ألف شخص من 28 دولة، أن الثقة في وسائل الإعلام بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق، فهبطت إلى 35 بالمئة فقط. إلا أن مديري الصحف والمستثمرين فيها، يبدون تفاؤلا بمستقبل الصناعة، فقد زاد عدد المشتركين في خدمات الأخبار الإلكترونية بصحيفة نيويورك تايمز، التي وصفها الرئيس دونالد ترامب بأنها “فاشلة”، بعدد قياسي بلغ 276 ألف مشترك في الربع الأخير من العام الماضي. كما أنها تتوقع ارتفاع إيرادات الإعلانات ما بين 10 و15 بالمئة في الربع الجاري من هذا العام. وقالت الشركة أيضا إنها تتوقع إضافة 200 ألف مشترك في الخدمات الإلكترونية الإخبارية في الربع الأول. وبدورها أضافت صحيفة وول ستريت جورنال 113 ألف مشترك بخدماتها الإلكترونية في الربع السابق بزيادة تبلغ نحو 12 بالمئة. وقالت الشركة إن الأعداد ارتفعت في شهر يناير، لكنها امتنعت عن ذكر أرقام. مارك تومسون: نيويورك تايمز ترى فرصة سانحة في التأكد من إدراك القراء لنزاهتها ودقتها كما قفز عدد الاشتراكات الإلكترونية بصحيفة فاينانشال تايمز بنسبة 6 بالمئة في الربع الأخير ليصل إلى 646 ألفا، وزاد عدد الاشتراكات الإلكترونية بشبكة (يو.إس.إيه توداي) التابعة لشركة جانيت والمؤلفة من 110 صحف في مختلف أنحاء البلاد بنسبة 26 بالمئة إلى 182 ألفا في الربع الأخير. وتؤكد هذه النتائج صحة توقعات ليز مونفز، الرئيس التنفيذي لشبكة “سي بي إس” بقوله “إن مسار دونالد ترامب للبيت الأبيض قد لا يكون في مصلحة أميركا، لكن من المؤكد أنه أمر رائع لشبكة ‘سي بي إس’!”. وتتوقع شركة “إس إن إل كاجان” لتحليل وسائل الإعلام، أن تحصل أكبر ثلاث شبكات كابل إخبارية في الولايات المتحدة وهي “إم إس إن بي سي” و”فوكس نيوز” و”سي إن إن”، على 1.96 مليار دولار من إيرادات الإعلانات هذا العام. وهذا يعني أن الشبكات الإخبارية التلفزيونية استطاعت أن تسرق جمهور قنوات الدراما والمنوعات والترفيه، بفعل “مفعول ترامب”! وتواجه وسائل الإعلام التقليدية تحديا يتمثل انتشار المواقع الإلكترونية “للأخبار الكاذبة” التي تنشر تقارير زائفة لأغراض الدعاية، إلا أن التحدي الأكبر بالنسبة إليها هو عداء ترامب وإدارته لها ووصفه لتغطيتها الإخبارية بأنها “أخبار كاذبة”، حيث اعتبر ستيفن بانون، المستشار المقرب من ترامب في مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز معه في يناير، “وسائل الإعلام هي حزب المعارضة” لا الحزب الديمقراطي. وأمام هذه التحديات، لجأت الصحف إلى اتخاذ خطوات لاكتساب ثقة المعلنين والقراء، حيث نشرت صحيفة وول ستريت جورنال خلال الحملة الانتخابية إعلانات على خدماتها الإلكترونية وفي الصحيفة المطبوعة للتأكيد على نزاهة تغطيتها الإخبارية. ونشرت الصحيفة إعلانات بعد الانتخابات لتسليط الضوء على أن محتواها الإخباري يحظى بالمراجعة والضوابط اللازمة. وبدورها، ركزت صحيفة نيويورك تايمز على زيادة إيرادات الإعلانات، حيث أطلقت في يناير الماضي حملة بعنوان “الحقيقة” تتألف من إعلانات إلكترونية تحث القراء على الاشتراك في خدماتها تحت شعار “الحقيقة تحتاج لدعمكم”. وقال مدير الشركة التنفيذي مارك تومسون لدى الإعلان عن أحدث نتائجها، إن الصحيفة ترى فرصة سانحة في التأكد من إدراك القراء لنزاهتها ودقتها وتعتزم إطلاق حملة تسويق أخرى في الأسابيع المقبلة. أما صحيفة فاينانشال تايمز فقد نشرت حملة تحت عنوان “حقائق ووقائع” تروج فيها لتغطيتها للانتخابات ولإدارة الرئيس ترامب الآن. وقال آندي يوست، مدير التسويق بشركة جانيت التي اختارت لمنشوراتها اسما تجاريا جديدا هو “يو.إس.ايه توداي نتورك”، إنها استغلت الانتخابات للتأكيد على أن لها صحافيين محليين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. ورأت ناتالي براوت، خبيرة الاستراتيجية في شركة فينومينون، وهي وكالة إعلانية مقرها لوس أنجليس، إن حالة الانقسام التي ولدتها الحملة الانتخابية جعلت المؤسسات صاحبة الأسماء التجارية الكبرى تتجنب المنشورات التي يبدو في الظاهر أنها منحازة سياسيا. وأضافت أن ثمة شعورا متصاعدا بالحذر في أعقاب الانتخابات الأميركية، فعلى سبيل المثال إذا اشترت شركة إعلانا في موقع “هافينغتون بوست”، فمن الممكن أن يفهم القراء أنها تدعم التيار الليبرالي. كما تخشى الشركات صاحبة الأسماء التجارية أن تظهر إعلاناتها وسط ما يتصور الناس أنها “أخبار كاذبة”، ولذلك تتوخى قدرا أكبر من الحرص عند استخدام الإعلانات التي تشتري فيها تلقائيا مساحات لنشر إعلانات إلكترونية من خلال طرف ثالث. وقال باري لوينتال، رئيس شركة ذا ميديا كيتشن ومقرها نيويورك، إن الشركات بدأت تتجه بدرجة أكبر لاختيار المواقع التي تريد نشر إعلاناتها فيها بدلا من ذكر المواقع التي لا تريد ظهور إعلاناتها فيها.
مشاركة :