وسائل التواصل الاجتماعي تخرج الصحافة الشعبية من سوق الكسادلم تفقد الصحف التقليدية هيمنتها السياسية، بحسب ما تؤكد تجربة صحيفة ذا صن البريطانية التي تصر على أن الهدف الرئيسي للصحيفة هو التعبير عن وجهات نظر القرّاء، وليس تشكيلها، لكنها في نفس الوقت تعتبر أن البريكست أقوى دليل على تأثيرها السياسي في البلاد.العرب [نُشر في 2017/08/18، العدد: 10726، ص(18)]الصحيفة في قلب المعركة السياسية لندن – تتباهى صحيفة ذا صن أنها ما زالت تتربع على عرش الصحف المطبوعة في المملكة المتحدة، وتحظى بسمعة قوية في التأثير على المناخ السياسي البريطاني، عززه تصويت البريكست العام الماضي الذي يُنظر إليه كانتصار للصحافة اليمينية، لكن الصحيفة الشعبية تسعى إلى استمرار هذا التأثير عبر منصات التواصل الاجتماعي أيضا. وبدأت ذا صن في إنتاج محتوى سياسي خصص تحديدا لمنصات وسائل الإعلام، مثل فيسبوك وسناب شات. وتقول الصحيفة إنها لا تستطيع إصدار البيانات لمحتواها على سناب شات، لكنها تحظى بـ”مشاركة عالية جداً”. تعاملت ذا صن مع نتائج البريكست كنجاح شخصي بالنسبة إليها، مكملا “لإنجازها” بعد الانتخابات العامة لعام 1992، لترسخ مرة أخرى مقولة “قصص ذا صن أحرزت الانتصار”، وهو ما تفاخر به رئيس تحريرها، توني جالاجر، في حديث لصحيفة الغارديان بعد التصويت قائلا “انتهت خرافة التأثير المتضائل لوسائل الإعلام المطبوعة”، وفق تقرير ديفيد بوند في الفاينينشال تايمز. يبلغ متوسط التوزيع اليومي للصحيفة 1.5 مليون نسخة، وهي الصحيفة الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة، وأصبحت عناوينها المختزلة علامة بارزة لديها، إضافة إلى الشائعات عن المشاهير وصور لفتيات ساحرات. لكن الصحيفة المملوكة لروبرت ميردوخ تعرضت إلى نكسة في الانتخابات العامة هذا العام، فحملة الصحيفة الصارمة ضد زعيم حزب العمال جيرمي كوربين كانت أقل تأثيرا على الناخبين. وتخشى الصحف أن يتجه الشباب أكثر فأكثر للاعتماد على الإنترنت في الحصول على الأخبار، إذ أن نصف الشريحة العمرية بين 18 و24 عاماً قالوا إن وسائل الإعلام الاجتماعية كانت مؤثرة في الانتخابات، فيما قال 15 بالمئة منهم الشيء نفسه عن الصحف. وتدرك صحيفة ذا صن، وفقا لهذه النتائج، أن عليها بذل المزيد من الجهد لاستقطاب الشباب، رغم أنها زادت جمهورها على الإنترنت من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً بمقدار 1.4 مليون، ليُصبح 4.5 مللايين في العام الماضي، بحسب تقارير شركة تحليل وسائل الإعلام كومسكور. وأكد تشارلي بيكيت، أستاذ الإعلام في كلية لندن للاقتصاد “عندما تنشر ذا صن صفحة أولى، تعرف أنها تؤثر على الناس في جزيرة كانفي وأماكن أخرى”.توني جالاجر: انتهت الخرافة المتداولة حول التأثير المتضائل لوسائل الإعلام المطبوعة وأضاف “عندما تقدّم ذا صن محتوى سياسيا، فهي لا تملك سيطرة حقيقية على كيفية تفاعل الناس معه. وإذا أرادت الحصول على تأثير أكبر، خاصة في وسائل الإعلام الاجتماعية حيث هناك الكثير من الناس الصاخبين، فإنها يجب أن تُصبح أكثر صخباً بكثير على الإنترنت”. وكشفت مؤسسة يوجوف لاستطلاعات الرأي، أن 52 في المئة من قرّاء الصحيفة لم يهتموا بالتصويت، ما دفع البعض من النقاد إلى الإعلان عن نهاية عصر الهيمنة السياسية للصحف الشعبية. وعلق آلان روسبريدجر رئيس تحرير صحيفة الغارديان السابق على هذه النتائج في تغريدة قال فيها “الصفحات الأولى المزعجة تثير نفور الناخبين. لم تعُد المسألة لعبة بعد الآن. يجب النضوج وتقديم صحافة حقيقية”. وشكلت نتائج يوجوف صدمة لبعض المسؤولين في الصحيفة، ويقول أحدهم “لقد شعرت بالرعب. وشعرت بالإحباط أن 52 في المئة لم يصوّتوا”، إلا أنهم يلقون باللوم على تيريزا ماي، ويقول أحد المسؤولين “ماذا كانت تقدّم تيريزا ماي فعلاً لقرّاء صحيفة ذا صن؟ نحن لم نُخطئ في قراءة الانتخابات. لقد كانت حملة فاشلة”. ويرفض صحافيو ذا صن فكرة أن ما يكتبونه يُمكن أن يؤثر في الانتخابات. ويصرّون على أن الهدف الرئيس للصحيفة هو التعبير عن وجهات نظر القرّاء، وليس تشكيلها. وذلك خلافا للاتهامات الموجهة لميردوخ بمحاولة استغلال الصحيفة للتأثير في السياسيين. وتشكل وجهات نظر الناس في جزيرة كانفي أهمية قصوى بالنسبة للصحيفة. حيث تُباع نسخ لكل شخص في هذا الجزء من الجنوب الشرقي، أكثر من أي جزء آخر في بريطانيا، لكن المفارقة أن هؤلاء السكان لا يُعيرون أخبار السياسة أهمية كبرى في صحيفتهم المفضلة التي تتباهى بتأثيرها السياسي. ويقول بهافيش أوديدارا، مدير وكالة نيسا نيوز للأنباء في الجزيرة، إن مبيعات صحيفة ذا صن تتجاوز أقرب منافسيها، أي صحيفة دايلي ميل، بمعدل 2.5 مرة في متجره. وأفاد معظم الناس إنهم يشترون الصحيفة من أجل أخبار الرياضة والتلفزيون فيها وتغطية العروض الفنية، وليس من أجل أخبارها السياسية. ويقول موريس ريتشموند، المراسل السابق لصحيفة الجزيرة كانفي إيكو “سكان جزيرة كانفي لا يتأثرون بسهولة بالسياسة، فهم يرون أنفسهم سكان جزيرة، وهم مستقلون جداً ويعرفون ما يريدون. ولا يتعاملون مع صحيفة ذا صن كأنها الكتاب المقدّس”. ولا ينفي هذا أن الصحف التقليدية لم تفقد هيمنتها السياسية، فبحسب استطلاع للرأي أجرته يوجوف الأسبوع الماضي، أظهرت النتائج أن 45 بالمئة من البريطانيين لا يزالون يحصلون على الأخبار السياسية خلال الحملة الانتخابية من إحدى الصحف. وقال 7 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع إن صحيفة ذا صن قد أثّرت في خيار تصويتهم، بينما قال 8 بالمئة إن صحيفة ميل أقنعتهم كيف يصوّتون. ويرى البعض من خبراء الصناعة أن صحيفتي ذا صن وميل هما أكثر قوة مما توحي به استطلاعات الرأي، وأن نهجهما المناهض لكوربين أديا إلى نتائج عكسية. ويقول جورج باسكو واتسون، المحرر السابق في صحيفة ذا صن، وهو الآن كبير المستشارين في شركة العلاقات العامة بورتلاند “كلما انقلبت صحيفتا ذا صن وذا ميل وغيرهما على جيرمي كوربين، أصبح شخصية مناهضة للمؤسسة أكثر. جعلوا حجته أكثر جاذبية لمؤيدي كوربين”.
مشاركة :