تشي التطورات في لبنان ومن حوله بأن ثمة «غيوماً داكنة» تحوم فوق رأسه... فالتسوية السياسية لـ «تعويمِ» مؤسساته الدستورية تعرّضت لأكثر من هزّة في أول مئة يوم من عمرها، في الوقت الذي بدأ يُستدرَج وسريعاً لجعْله «ساحةً لتَبادُل» الرسائل بين إيران والولايات المتحدة في تصعيدهما بـ «مكبّرات الصوت» وربما على طريقة... الحرب أوّلها كلام. ورغم استبعاد أيّ انزلاقٍ دراماتيكي من شأنه «قلْب الطاولة» في لبنان أو عليه، فإن تَدافُع التطورات السلبية يؤشر إلى مرحلةٍ بالغة الحساسية يصعب التكهّن بسيناريواتها في ضوء تحدّياتٍ داخلية وخارجية لا يُستهان بها، وقد تؤدي تفاعلاتها إلى تَرنُّح الستاتيكو الحالي في البلاد. فلبنان، الذي يجتاز أربعة أيام حاسمة، فإما الاتفاق على قانونٍ جديد للانتخابات وإما تَعاظُم خطر سقوط السلطة التشريعية في الفراغ، وجد نفسه مجدداً وجهاً لوجه مع أحد أكثر الملفات الخلافية والمتمثّل بمصير سلاح «حزب الله» الذي أوحت مواقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون برغبةٍ في «شرْعنته». وكان لافتاً في هذا السياق استدعاء الخارجية اللبنانية ممثّلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ والطلب منها التقيّد بالأصول الديبلوماسية، بعدما كانت تولّت الردّ على مواقف عون من سلاح «حزب الله» واعتبرتْها تتعارض مع التزام لبنان بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701. ولم تُخْفِ دوائر مراقبة في بيروت «النقزة» من أن يكون الكلام عن عدم تَعارُض سلاح «حزب الله» مع مشروع الدولة في اللحظة التي تتمّ مناقشة قوانين انتخاب تضمن الغلبة لـ «حزب الله» وحلفائه في البرلمان، في سياق محاولةٍ الهدف منها شرْعنة سلاح الحزب ككيانٍ قائم في ذاته على غرار ما آل إليه «الحشد الشعبي» في العراق. ورغم هذا النوع من التحديات الداخلية المبكرة التي تواجه التسوية السياسية في لبنان، فإن الأخطر كان تطورين على درجة عالية من الحساسية، تزامنا أول من أمس في بيروت التي بدتْ وكأنها «صندوقة بريد» لمواجهة أميركية - إيرانية آخذة بالتصاعُد، هما: • تحذير الولايات المتحدة رعاياها من السفر الى لبنان بسبب «التهديدات الارهابية وتفشي العنف وعمليات الخطف»، والطلب إليهم «تجنب المناطق الحدودية خصوصاً بين لبنان وسورية والحدود الواقعة مع اسرائيل»، معتبرة ان «الحكومة غير قادرة على حمايتهم». • الخطاب «الردعي» الذي شنّه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ضد إسرائيل التي دعاها الى «عدم الخطأ في الحساب»، منوّهاً بموقف الرئيس اللبناني من سلاح حزبه، في الوقت الذي شنّ هجوماً عنيفاً ضد السعودية والامارات وضدّ السلطة الفلسطينية والرئيس اليمني. ورأت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت في «رمزية» تَزامُن التحذير الأميركي وهجوم نصرالله، بداية مبكرة للمواجهة الاميركية - الايرانية انطلاقاً من بيروت المرشحة لدفْع ثمن هذا الاشتباك، بعدما كانت التوقّعات تشي بانفراجاتٍ تشجّع على عودة السياح الخليجيين والاستثمارات الى لبنان. وإذ استغربت دوائر مراقبة توقيت التحذير الاميركي نظراً للاستقرار الأمني الذي ينعم به لبنان الذي يحظى بتنويهٍ لإنجازاته في الحرب الاستباقية على الارهاب، لم تستبعد أن تكون «البطاقة الصفراء» الاميركية رداً على موقف الرئيس اللبناني من سلاح «حزب الله» وأدواره، ومؤشراً الى أجندة أميركية جديدة في مواجهة ما تعتبره واشنطن «أذرعاً» لايران في المنطقة. وتوقّفت الدوائر عيْنها أمام ما اعتبرته تركيزاً أميركياً على ملف «حزب الله» من زاويتين: • دوره في المنطقة كأحد أهمّ الأذرع الايرانية، خصوصاً في سورية. فإدارة الرئيس دونالد ترامب سحبت الاعتراف بدور الحزب في مواجهة «داعش» كما كان الحال مع إدارة باراك اوباما، وهي اشترطت على الروس سحب الحزب والميليشيات الشيعية الاخرى من سورية لقيام واشنطن بالقضاء على «داعش». • الخطر الذي يشكله «حزب الله» بترسانته الضخمة على إسرائيل، وهو ما أثير بالتأكيد في المحادثات التي جرت قبل أيام بين ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أفادت التقارير عن أن الملف الأهم على طاولة الجانبين كان إيران وأذرعها في المنطقة. وإذا كان نصرالله تولى بنفسه توجيه الرسائل في اتجاهات عدة نيابة عن ايران، على غرار ما حدث مع بدء أزمة اليمن، فإن الدوائر المراقبة سجّلت أكثر من ملاحظة على جانبٍ من الأهمية تضمّنتها إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» اول من امس، منها: • رغم براعة نصرالله في الحرب النفسية في مواجهة اسرائيل، فإن جوهر كلامه يوحي بأنه قال كل ما يمكن قوله لتَجنُّب مواجهة مع اسرائيل، لأن «حزب الله» يعتبر أولويته المطلقة هي ضمان تثبيت إيران نفوذها في المنطقة، من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق. • إن هجوم زعيم «حزب الله» على دول الخليج، سيما السعودية والامارات انطوى على قصف مزدوج، أصاب الرئيس الايراني حسن روحاني، الذي قال كلاماً في الكويت عن الحوار وحسن الجوار لا يشبه قط هجوم نصرالله، وأصاب عون الذي يحرص على تطبيع العلاقة اللبنانية - السعودية. وبهذا المعنى، فإن ما يحدث الآن في لبنان ومن حوله يؤشر الى انه عائد الى «عين العاصفة» من جديد على وقع تَعاظُم المخاض الاقليمي وتَعثُّر خطواته في حماية التسوية السياسية الداخلية.
مشاركة :