اقتصاد الولايات المتحدة في أقصى ازدهاره ونشاطه. ثقة المستهلك أعلى مما كانت عليه في أي وقت منذ التسعينيات. والبطالة في أدنى مستوى منذ عام 1969. مستخدما لغة جريئة بالنسبة إلى مصرفي من البنك المركزي، قال جاي باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، "إنه سعيد للغاية بالتوقعات المستقبلية الإيجابية بشكل ملحوظ، التي يتوقع أن تستمر لبعض الوقت". فلماذا في ظل كل هذه الأخبار الجيدة تتباطأ سوق الإسكان في الولايات المتحدة؟ إنه سؤال بالغ الأهمية، لأن المنزل لا يزال هو المكان الذي يحفظ فيه غالبية الأمريكيين معظم ثرواتهم، وهو تقليديا مؤشر رائد يبين اتجاهات الاقتصاد. على الصعيد الوطني انخفضت تصاريح المبيعات والبناء. تراجع عديد من أسواق الإسكان التي كانت مرتفعة ومزدهرة في يوم من الأيام، بما في ذلك مدينة نيويورك، ومنطقة سان فرانسيسكو، ودنفر. كان نشاط البناء بطيئًا أيضًا، وهو أمر مثير للقلق نظرًا إلى الدور غير المتناسب الذي يلعبه بناء المنازل في النمو الاقتصادي الأمريكي. ومن المفارقات أن المشكلة هي نمو سوق الإسكان نفسها، التي تم تقسيمها إلى قسمين وتجاوزت قدرة معظم المستهلكين على دفع ثمن المأوى. مثلما هناك الآن تأثير "النجم الفائق"؛ الذي يحصل على كل شيء في الدول، والصناعات، وحتى الشركات، كذلك هناك تأثير مماثل في سوق الإسكان. إذا نظرت إلى مؤشر كيس شيلر لأسعار المساكن في 20 مدينة ككل، ستجد أن هناك أمورا صغيرة تدعو إلى القلق – يزيد بنسبة 2.4 في المائة فقط عن ذروته التي وصل إليها في عام 2006. ومع ذلك، هناك فجوة كبيرة بين الفائزين والخاسرين. سجلت عشر مدن ارتفاعات جديدة وأصبحت أسعارها أعلى 23 في المائة في المتوسط. الأفضل أداء، وهي سوق الإسكان في دنفر، أعلى 54 في المائة من مستوى ذروتها قبل الركود. في الوقت نفسه، الأسعار في عشر مدن متقاعسة هي في المتوسط أقل 11 في المائة عن مستوى ذرواتها قبل الركود. في الإسكان، كما هو الحال في كل شيء آخر، الولايات المتحدة منقسمة بشكل لا يصدق. السبب وراء ارتفاع أسعار المساكن في المدن المتصدرة هو وجود وظائف في هذه المدن "استحداث فرص العمل أيضا منقسم بشكل غريب إلى قسمين". ومع ذلك، أسعار المنازل في تلك المدن ارتفعت بوتيرة أسرع من ارتفاع الأجور نفسها. وهذا بدوره، جعل من الأصعب والأصعب على الأشخاص من الطبقة المتوسطة العيش في هذه الأماكن. يقول أحد المستثمرين "لو كنت من دنفر، لكنت سآمل ألا تنشئ شركة أمازون متجرا لها في مدينتي". في بعض الأسواق الإسكان الفاخر، مثل مانهاتن، تراجعت الزيادات في الأسعار بفعل زيادة الرقابة الفيدرالية على المشترين الأجانب، وهو اتجاه من المحتمل أن يستمر بالنظر إلى الموقف القومي للإدارة الحالية في البيت الأبيض. ولأن الإحصائيات الإجمالية تميل بشدة إلى أسواق الإسكان الراقية، تستحق تلك التحولات الاهتمام بها. يقول المصرفي الاستثماري، دانييل ألبرت، الذي يدّرس في جامعة كورنيل "لقد عشت أربع دورات اقتصادية، ولم أر قط هبوط أسعار كالذي نراه في سوق مدينة نيويورك، الذي لم ينتشر إلى أسواق باقي البلاد". ومن غير المتوقع أن يتسبب الهبوط الواسع في أسعار المنازل في انهيار شامل، على غرار الذي حدث عام 2008، لأن معظم قروض الرهن العقاري يتم تقديمها الآن بأسعار فائدة ثابتة كما يُطلب من المقترضين إظهار مزيد من الأدلة على إمكانية سداد قروضهم. وقلل ذلك من خطر حبس الرهن الشامل، لكنه يعني أيضا أن كثيرا من المكاسب الاستثمارية من الإسكان في العقد الماضي ذهبت إلى أقدم وأغنى المشترين. يحصل الشباب على قروض طلاب بمتوسط يبلغ 30 ألف دولار، وقد بلغوا سن الرشد في سوق توظيف ضعيفة. هذا يجعل من الصعب بالنسبة إليهم امتلاك سكن أكثر من الأجيال السابقة. إذا انتشر الانخفاض الذي نشهده الآن في المدن المتصدرة في أدائها إلى باقي المدن الأخرى، فقد يكون التأثير كبيرًا جدًا. نمو الأصول، وليس الدخل، هو الذي دفع جزءا كبيرا من الاقتصاد الأمريكي في السنوات الأخيرة. تشير ورقة بحث أكاديمية جديدة تعرض هذا الأسبوع في مؤتمر الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس حول ملكية المنازل، إلى أن مشكلات الديون في سوق الإسكان في الولايات المتحدة لا تزال على قيد الحياة وبصحة جيدة. قبل أربعة عقود، انخفاض أسعار المنازل 20 في المائة أدى إلى إيجاد رصيد سالب في قيمة الأصول يعادل نحو 1 في المائة من إجمالي الدخل. اليوم يصل الانخفاض نفسه إلى 5 في المائة، أو 600 مليار دولار تقريباً من الرصيد السلبي. الزيادة الصغيرة التي شهدناها في معدل تضخم الأجور في الأشهر القليلة الماضية من الممكن أن تزيد، على الرغم من أن الزيادة في أيلول (سبتمبر) انخفضت بعض الشيء في آب (أغسطس). ومن الممكن أيضًا أن يكون قرار جيف بيزوس رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في "أمازون" إلى 15 دولارا في الساعة بمنزلة إشارة إلى اتجاه أوسع. لكني أشك في ذلك. حصة العمل في الدخل وصلت إلى مستوى أدنى من مستواها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بنسبة 60 في المائة، وحتى تلك الشريحة تميل تجاه أشخاص مثل بيزوس. عندما تأتي أكبر الزيادات في الأجور من المليارديرات الذين يعلنون أنهم يريدون أن يكونوا محسنين ونافعين، فذلك ليس علامة على أن النظام يعمل – بل علامة على أنه ليس كذلك. وبغض النظر عما تقوله الأرقام الكلية، فبعد مرور عشر سنوات على الأزمة المالية، لا تزال الولايات المتحدة لا تملك سوق إسكان صحية، أو - بعد كل هذه الديون والزيادات في أسعار الأصول - اقتصادا صحيا فعلا. وبالتأكيد، قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة برفع أسعار الفائدة هي سبب آخر وراء تراجع الإسكان الوليد، لأنهم يزيدون من التكلفة المحتملة لملكية المنازل. يجب أن يراقب المستثمرون الوضع عن كثب لمعرفة أين ستصل أسعار المساكن بحلول الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر)، وما إذا كانت ثقة المستهلك ستظل قوية كما هي عليه اليوم.
مشاركة :