صانع سفن، قهوة عربية وصقر، هي بعض من رسوم جداريات ضخمة تزين المباني في شارع في وسط دبي، نفذها فنانون إماراتيون وأجانب ضمن مشروع يأمل القيمون عليه بأن يحول الإمارة إلى ما يشبه المتحف المفتوح. وعلى مقربة من برج خليفة، أطول مبنى في العالم، و»دبي مول»، أكبر مجمع تجاري في الشرق الأوسط، يحتل 16 رسماً منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي جدران مباني شارع «الثاني من ديسمبر» المنتمي إلى حقبة «دبي القديمة»، ما قبل بناء الأبراج العالية. وتقول شيماء السويدي مديرة مشروع «متحف دبي الفني»: «لدينا في دولة الإمارات كل شيء، من الاقتصاد، إلى السياحة وغيرها، لكننا نريد أن نعكس اليوم ثقافة الإمارة في شكل مبتكر وإبداعي». وتضيف: «يمكن للسياح أن يروا التاريخ في المتحف، لكن اليوم نحن نريدهم أن يروه في كل مكان، حتى في الشوارع». والعمل الفني الممتد على طول الشارع الذي يحمل تاريخ ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة، يمثل المرحلة الأولى من مشروع ثقافي حكومي تحت اسم «متحف دبي الفني» يجري تنفيذه بين «براند دبي»، الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة الإمارة، وبلديتها. ويرمي إلى تحويل المدينة إلى ما يشبه المتحف المفتوح، وفق القيمين عليه. وتوضح السويدي: «بحثنا في كيفية تحويل دبي إلى متحف مفتوح، ففكرنا في أن الجداريات تغير شكل منطقة كاملة وواجهتها، وقد اختير شارع الثاني من ديسمبر لأنه يقع عند تقاطع رئيسي (...) ونظراً إلى التاريخ الذي يحمله». ترتبط الجداريات كلها بالتراث الإماراتي والخليجي، لكنها تحمل أيضاً بعداً سياسياً كون بعضها يصور شخصيات رئيسة ساهمت في بناء الدولة الحديثة النشأة. ونفذ الجداريات 12 فناناً عالمياً، بينهم الألماني كايس ماكلايم والليتواني ايرنست زاتشاريفتش والروسية يوليا فولتشكوفا، إضافة إلى أربعة فنانين تشكيليين إماراتيين، بينهم الشابة أشواق عبد الله. في بداية الشارع الذي كان يعرف باسم «شارع الضيافة»، جدارية لرجل في عبّارة، القارب الخشبي التقليدي الذي لطالما استخدم لعبور مياه خور دبي وللتجارة. والرجل في الجدارية هو سيف القيزي، آخر بناة السفن والقوارب التقليدية في الإمارات، كما تقول السويدي. وقبالة الرسم الضخم، جدارية أخرى قرب مبنى الدفاع المدني للشيخ راشد بن سعيد ال مكتوم، حاكم دبي السابق، ونجله الشيخ محمد بن راشد، حاكم الامارة الحالي ونائب رئيس دولة الإمارات ورئيس حكومتها. وعلى طول الشارع الذي شكل في حقبة سابقة نقطة الاستقطاب الرئيسة لرواد المقاهي والمطاعم، جداريات أكثر محاكاة للتراث الإماراتي والخليجي: رجل يتسلق نخلة، إشعار بالخطوط العربية، رجال يؤدون رقصة العيالة التقليدية، يد تمسك فنجاناً من القهوة العربية، وصقر. ترى الفنانة التشكيلية أشواق عبد الله أن «فن الجداريات يخاطب جميع فئات المجتمع (...) ودائماً يركز على تراث البلد وحضارته والاحتفاء برموزه، فكانت فرصة لأن أعبر عن حبي لبلدي». وتقول أمام جداريتها وهي رسم ضخم للشيخ راشد والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسسي دولة الامارات، إن المشروع عبارة عن «وجهة جمالية للمدينة، ولا بد أن ينتقل إلى شوارع أخرى في دبي». وافتتح في دبي أخيراً متحف يروي تاريخ وحدة دولة الإمارات، بعد أشهر قليلة من افتتاح دار للأوبرا، فيما تنظم على مدار العام حفلات موسيقية يحييها فنانون عالميون، إضافة إلى مشاريع ثقافية متنوعة بينها مهرجان سينمائي دولي، ومهرجان للفن الثلاثي الأبعاد، ومعرض للفنون الحديثة والمعاصرة هو الأكبر في الشرق الأوسط. وتنسحب هذه الاستراتيجية الحكومية على إمارات أخرى، على رأسها أبو ظبي التي تنظم مهرجاناً للموسيقى الكلاسيكية الغربية، وتقدم أرفع جوائز الأدب العربي، وتستعد لحدث ضخم يتمثل في افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي في العام 2017. وتقول السويدي إن «زواراً كثراً يقصدون الشارع، يصورون الجداريات وينشرونها على صفحاتهم وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي. هذا ما نعتبره إنجازاً (...) وهذا هو النجاح الذي نريده».
مشاركة :