قصة أول ثورة في تاريخ مصر: حكم البلاد 70 حاكمًا في 70 يومًا

  • 2/18/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

«كيف أضحت هذة البلاد وأمست؟ أن الشمس قد احتجبت، ولم تعد تشرق ليرى الناس. ونهر مصر قد جف، حتى لا يستطيع المرء أن يعبره ماشيا»، بهذة الحسرات عبر «نفر روهو» في برديته عن ثورة أطاحت بنظام البلاد في عهد مصر الفرعونية. اكتشف الباحثون الأثريون وثيقتين تصفان ما يقرب من 150 عاما من ثورة هائلة زعزعت أمن وحكم الإقطاعيين في مصر القديمة، الوثيقة الأولى هي وثيقة الحكيم إيبور، والثانية هي نبوءات نفر روهو، ومن خلالهما يرصد لنا محمد العزب موسى في كتابه «أول ثورة على الإقطاع»، كيف تحولت الدولة المصرية من دولة قوية متماسكة إلى دولة الإقطاع التي أدت إلى الثورة. كانت مصر في عهد ما قبل الأسرات، أو عهد «الآلهة»، في بداية إرساء قواعد العلم واكتشاف أسرار الدين، عرف فيه المصريون الزراعة، والبناء واستخدام المعادن، وشقوا القنوات، وأوضحت لنا النقوش داخل الأهرامات أن مصر في هذة الحقبة كانت تحكمها الآلهة مباشرة، وانقسمت إلى دولتين حتى توحدت على يد حورس، وفي هذة الحقبة وضع المصريون التقويم الشمسي، ثم انقسمت هذة المملكة مرة أخرى بسبب اتباع حورس وهو ما يسمى بعهد أنصاف الآلهة حتى توحدت مرة أخرى على يد مينا، ليكون بذلك عهد الأسرات. في عهد الأسرتين الأولى والثانية، العهد العتيق، وضعت أول الأسس السياسية والاجتماعية والدينية والعلمية والفنية، وازدهرت فيه الصناعة والتجارة،وعرفوا ضرب الصدف والودع وأدوات الزينة والعطور ومختلف العادات الجنائزية وطرق الدفن، وكان وقتها البيت الكبير أو بيت الملك هو منارة العلم والفن التي يخرج منها إلى بقية أرض مصر، وبانتهاء الأسرة الثانية، قامت الدولة القديمة. وفي عهد الأسرة الثالثة، كان استكمال المجد، عن طريق بناء الأهرامات والتماثيل الشاهقة، آمن فيه المصريين بفكرة الخلود، وتمثلت أهم العقائد الدينية، فقدسوا الشمس «الإلة رع»، والنيل «الإله أوزوريس»، وروت الأساطير الدينية عن صراعات احتدمت بين الإلهين، حتى اضطروا كهنة رع بالإعتراف بأوزوريس، واستمد المصري القديم فكرة الخلود وآمن بها، لما رأى رع يولد مره أخرى في الصباح، وأوزوريس يموت ولكنه يرجع للحياة مره أخرى بمحبة إيزيس، ولهذا رأى القدماء أن الخلود أقوى من الموت، فقدموا القرابين للقرين «كا»، وتركوا فتحة صغيرة في القبر لدخول الروح مرة أخرى للجسد. ورغم اهتمام المصري القديم بالعقيدة والدين، لكنه استطاع في بادئ الأمر أن يفصل الدين عن الأخلاق، وطوعوا بعد ذلك الدين لمبادئ الأخلاق والحكمة، فكان الملك يستخدم الأخلاق بإعتبارها وصايا ألهية، وأصبحت «ماعت» (الفضيلة) هي الدستور الأخلاقي لشعب مصر القديم، واتخذوا «الريشة» رمزا لها، حيث تضع الريشة في إحدى كفتي الميزان، والأخرى يوضع فيها قلب الميت، وبذلك كانت «ماعت» تعيش مع الإنسان وتتبعه بعد موته، وفي هذا العهد أو قبله لم تعرف مصر نظام الرق، وكان العمال يتقاضون أجرهم، وكان الفلاح يدفع جزءا من المحصول لمالك الأرض. وذكرت نقوش حفرت على جدران المقابر ترجع إلى الأسرة الخامسة، نص نقش على مقبرة القاضي «أخت- حرى-حتب»، يقول: «أن جميع من عملوا في بناء هذة المقبرة قد نالوا أجرهم من خبز أو جعه أو ثياب أو زيوت أو قمح بكميات وفيرة، ذلك أني لم أكره أحدا على العمل»، وكانت حقوق الملكية مكفولة للجميع، والمرأة لها الحق في شراء العقارات وإمتلاكها دون وصية أحد، كما كانت ذمتها المالية منفصلة عن الأب أو الزوج، شأنها شأن الأبناء، كما كانت حقوق الإرث متساوية. وتنتهي الدولة القديمة وتنتهي معها ماعت والقانون، بحِكَم «بتاح حتب» لإبنة والتي جاءت في 43 حكمة آخرها: «إن سوء الحظ قد يذهب بالثورة، ولكن قوة الفضيلة «ماعت» هي التي تدوم، طوبى للرجل الذي يتمسك بالفضيلة ويسير على هداها»، ويبدأ بعد ذلك عصر الإقطاع. بدأ نظام الإقطاع بمطالبة حكام الأقاليم بالاستقلال، وبدأت بذور الإقطاع في الأسرة الرابعة، فكان الفرعون بعد بناء هرمه، يكافئ كبار موظفينه بأراضي زراعية معفاة من الضرائب، ومع ضعف الدولة وبداية إنهيارها، استقوت سلطة حاكم الإقليم، وبدأ الملوك بالإنصياع لمطالب الحكام، فأعطوهم استقلاليتهم وبحق توريث الأقاليم لأبناء حكامها، وحق القضاء المستقل، وبتكوين حرس لكل حاكم يشبه الجيش، وأخذ كل حاكم بغلق إقليمه على شعبه بإعتبارها دولته، وتحولت مصر إلى طبقة الأشراف المتمثلة في الحكام والكهنة والقضاه وكبار الموظفين، وطبقة الشعب بكل أطيافه. تجردت المرأه كذلك من كل حقوقها، وأصبحت متبوعة لرب الأسرة، ثم الأبن الأكبر بعد وفاة الزوج، وحرمت من الميراث، وكان للرجل حق الولاية على أبنائة والتصرف في كافة شئونهم، وانتشر فكر تعدد الزوجات، كما أصبح الفلاح مثله مثل الأرض، متبوع للإقطاعي الذي له حق التصرف وبيع أو شراء الأرض بمعداتها ومنشآتها وفلاحينها، وكان الفلاح لا يتقاضى مقابل عمله، فأصبح في هذا الوقت القاضي، والحاكم، والكاهن يورثون عملهم إلى أبنائهم، وكذلك الفلاحين والعمال وبقية أطياف الشعب. وظهرت الإقطاعات الدينية المتمثلة في الإله «رع» وكهنته، والإله «بتاح» وهو إله أصحاب المهن والحرف الذين أصبحوا قوة مؤثرة في المجتمع، واحتدمت الصراعات الدينية، وأصبحت «ماعت» وسيلة لتبرير أفعال الحكام وسلاحهم في وجه الرعية. وبانهيار الأسرة السادسة، عاشت مصر فترة ضبابية، وأصاب تاريخ مصر منذ إنهيار الأسرة 6 حتى قيام الأسرة 11، بعض من الغموض فلم تترك هذه الفترة أي أثر إلا وثيقتين تحكي عن عهد الثورة وآثارها، وهى وثيقة الحكيم إيبور، ونبوءات نفر روهو. ووفقاً لـ«وثيقة الحكيم إيبور» إن هذة الثورة وقعت بين عامي 2280 ق.م، وهو تاريخ إنهيار الأسرة السادسة، و2132 ق.م وهو قيام الأسرة 11، ولكن متى حدثت هذة الثورة تحديدا؟.. هناك رأيا أرجحهما إنها حدثت بعد الأسره السادسة مباشرة، وارجعوا رأيهم إلى أن تاريخ مصر أصيب بإنقطاع مفاجئ ولم يوثق منه شيئا، وبالأخص الأسرة السابعة التي لا نعرف عنها غير ما ذكرة المؤرخ «مانيتون»، أن هذة الأسره حكمها 70 ملكا في 70 يوماً. تقول «وثيقة الحكيم إيبور»، والتي يرجح أن ما قيل فيها كان موجها للملك «بيبي الثاني» آخر ملوك الأسرة السادسة الذي اعتكف في قصره، وغيب عنه حاشيته أحوال البلاد، تصف الوثيقة ما آلت إليه مصر، فكثر الموت حتى أصبح نهر النيل مقبرة، من كثرة القبور، ودفع الخوف من الجوع الناس للإنتحار، ونهبت الدولة وحكمتها العصابات، فجاءت هذه الوثيقه في 14 صفحه، منها: «لقد سلبت وثائق قاعة العدل وأصبح المكان السري مكشوفا، وطرحت سجلات المحاكم أرضا، وصار الناس يطأونها بالأقدام في الساحات العامة، والفقراء يفتحونها على قارعة الطريق.. انظر لقد هوجمت الإدارات العامة ونهبت قوائمها، وأذيعت أسرار التعاويذ السحرية.. لقد امتلأت البلاد بالعصابات حتى ليذهب الرجل إلى الحرث حاملا درعه.. ومن كانت تشاهد وجهها في الماء أصبحت صاحبة مرآه.. إن الرجل ليذبح بجوار أخيه فيتركه وحيدا لينجو بنفسه»، ثم يبدأ إيبور بماهجمة الملك: «إن القيادة والفطنة معك، ولكنك لا تستخدمهما، بل تترك الأرض نهبا للفوضى والخراب». وعلى الرغم من قوة هذة الثورة ودوافعها إلا أنها فشلت، ولكنها خلفت أثارا سياسية واجتماعية، وأحدثت تغيرا فكريا وفلسفيا، وكتب عن هذة الفتره فيما بعد في الأسرة 18، في تأملات الكاهن «خع خبر رع سنب»: «وعندما أريد أن أتحدث عن ذلك ينوء جسمي بحمله، وأشعر بالبؤس في قلبي المحزون، إن الناس يستيقظون على الشر كل صباح والقلوب لاتنبذ الشر منها». وانعكست هذه الأوضاع على الحالة النفسية للشعب، وحفظ لنا التاريخ وثيقة سماها المؤرخون «حوار بين إنسان سئم الحياة وروحه»، لمواطن مجهول، سموه بأيوب المصري للتشابه الكبير بين قصته وبين النبي أيوب، كما أكتشفت نقوش أخرى على ورق البردي وجدار مقبرة لأحد ملوك الأسرة الـ11، وهى إنشودة عازف القيثار، وهو عازف أعمى كبير السن يلف الشوارع ينشد أنشودته، ومنها: «أن أحد لم يأت من هناك ليخبرنا كيف أمسوا ويريح قلوبنا حتى نرحل نحن الأخرين إلى المكان الذي رحلوا إليه».

مشاركة :