المساكنة بالنسبة للمجتمع اللبناني تعتبر فرصة لاختبار الحياة الزوجية تجنبا للفشل عند البعض وحلا لبناء علاقات زوجية مستقبلية ناجحة، لكنها تفجر في المقابل جدلا واسعا. العربشادي علاء الدين [نُشرفي2017/02/19، العدد: 10548، ص(20)] المشاركة تنقذ العلاقات من الفشل يتعامل لبنان مع ظاهرة المساكنة بشكل بدائي. وتطرح الظاهرة في إطار عام يربطها بالدعارة والبغاء، لا سيما في ظل غياب أيّ نص قانوني واضح يجرّمها، ومع ذلك هناك التباس قانوني مدعوم بمناخ أخلاقي وديني واجتماعي، يسمح في العديد من الحالات بالتعامل مع الأشخاص الذين يقدمون على هذا النوع من السكن معاملة الخارجين عن القانون والأعراف. واللافت في هذا السياق أن لبنان طور ازدواجية فصامية في التعامل مع الأمور انطلاقا من متطلبات المشهد السياحي الذي يمثل عصب اقتصاد البلد وخصوصا ما يسمّى بسياحة اللهو، إذ تسمح الفنادق اللبنانية للثنائي الراغب في استئجار غرفة فندقية بالمكوث دون السؤال عن طبيعة العلاقة التي تجمعهما. كما تعمد الكثير من الفنادق والشقق المفروشة إلى تأمين خدمات جنسية لزبائنها بشكل علني ومفضوح، دون أن يشكل هذا الأمر اختراقا لمنظومة القيم العامة. ومن هنا تكمن المشكلة التي تثيرها مسألة المساكنة في كونها تشكل مسألة حريات في المقام الأول، لذلك يكمن تسليط الأضواء عليها والذي تجمع على تبنيه جلّ الفعاليات والأحزاب والتيارات الدينية والسياسية انطلاقا من هذه الخصوصية المرتبطة به. وهذا لا يستهدف الجنس كما تذهب إليه بعض القراءات السطحية، بل على العكس فإن الجنس متاح، إذ أن المنظمات السائدة في البلاد تتيح مخارج غزيرة ومتنوعة لممارسة الجنس بكل الأشكال. أما الممنوع والمستهدف والذي يهدد انتظام السلطات فهو يكمن في ارتباط مسألة المساكنة بمسألة الحريات الشخصية التي يشكل القبول بها وعدم لجمها مدخلا لنشوء مناخ رفض ينعكس على السياسة، ويهدد بنية السلطات الحالية التي تقوم على قمع الحريات. وتعتبر الباحثة الاجتماعية أمل التي ترفض الكشف عن هويتها أن المشكلة مع المساكنة تكمن في أنها تمثل “النقيض التام للمنطق الذي تروّج له برامج تلفزيونية من قبيل برنامج ‘نقشت’، والذي يقوم على فكرة المباشرة والآنية واللحظوية، والترويج لنوع من العلاقات القائمة على معادلة الاستجابة المباشرة والفورية لإغواء متلفز وعلني”. وأوضحت الباحثة الاجتماعية أن “هناك موقفا عاما يسعى إلى تحويل العلاقات بين الجنسين إلى قدر، وإدخالها في نظام من الجبرية التي لا يستطيع المرء فعل شيء حيالها. والهدف من ذلك تعميم خطاب النصيب الذي لا زال يحتل حيزا مهما في التمثلات الاجتماعية”. المساكنة في لبنان عنوان حرية ضائعة لا يزال المجتمع اللبناني بمختلف مؤسساته عاجزا عن استيعابها وتابعت أن منطق النصيب بما يحمله من قدرية “يمهد لمنطق قمع الحريات العام، ويساهم في الحفاظ على الكيانات الأخلاقية والسلطوية القائمة”. وتشرح طبيعة تناقض منطق المساكنة مع منطق النصيب أن “المساكنة هي شكل الصراع الأكثر راديكالية مع كل خطاب النصيب، من يتخذ قرارا بالمساكنة يريد أن يعمل على بناء مصيره وعلاقته، وتحمّل المسؤولية الكاملة عن علاقته. هذا المنطق يمهد لنشوء شخصيات نقدية وحرة، لا يمكن لمنطق النصيب أن يتحكم في حياتها”. وعرضت لارا الصايغ مسؤولة الموارد البشرية بجمعية إنسانية، وجهة نظرها حول ظاهرة المساكنة، معتبرة أن “المساكنة لا زالت تمثل حالة غير مقبولة للعلاقات بين الجنسين. فالمجتمع اللبناني، وعلى الرغم من أنه يقدم نفسه بوصفه مجتمعا منفتحا وعصريا، لا يزال يعتبر الزواج الوسيلة الشرعية الوحيدة للعلاقات بين الجنسين. وتكمن المشكلة في أن الكثير من الزيجات تفشل بسبب غياب القدر الكافي من المعرفة المسبقة. ومن هنا، وحتى ضمن المنظور الاجتماعي الذي يعتبر الزواج الشكل المناسب للعلاقات، فإن المساكنة قد تكون مقدمة مناسبة وصحية للعلاقات”. وتعتبر الصايغ أن لكل شخص الحق في “اختيار شكل العلاقة الذي يناسبه سواء أكان مساكنة أو غيرها، ولكن قد يكون الزواج المدني هو الصيغة الأفضل في ظل غياب صيغة حقوقية وقانونية تحفظ الحقوق خارج هذا الإطار”. وتؤكد أن أهمية المساكنة تتجلى في أنها “تُخضع الحب والعواطف لاختبار العيش اليومي”. وأشار شاب يدعى حسن سبق له أن خاض تجربة المساكنة إلى صعوبات هذا النوع من العلاقة “لقد تساكنت مع الصبية التي أصبحت لاحقا زوجتي لمدة سنتين، وكنا نقيم في حي شعبي في بيروت تسيطر عليه جهة تميل إلى التشدد الديني. لم يكن أحد يعرف أننا غير متزوّجين. وحين قررنا الزواج بعد فترة أصبح البقاء في الحيّ مستحيلا”. وأضاف “أنا وزوجتي الحالية من حملة الشهادات العالية في اختصاصات علمية ولكنّ ذلك لم يعن شيئا للمجتمع المغلق، فكنا نتصرف كما لو كنا هاربين من وجه العدالة”. وأفادت نسرين مرعب الصحافية الشابة بموقع جنوبية اللبناني أن المساكنة تشكل موضوعا إشكاليا، موضحة “أنا على المستوى الشخصي لا أؤيدها ولا أتبناها، ولكنني لا أدين من يمارسها”. وقالت حول فكرة الخطاب الذي يوازي بين المساكنة والدعارة إن “المساكنة تختلف عن الدعارة، لأن الثانية تتبع مبدأ الاتجار بالبشر، بينما المساكنة هي قرار شخصين يختبران علاقتهما قبل الإقدام على خطوة جدية”. وتؤكد مرعب أن المجتمع يعزز منطق “تصرف الناس بشكل يناقض ما يؤمنون به”. كاتب من لبنان
مشاركة :