كتاب «السفور والحجاب» للكاتبة نظيرة زين الدين، وكتاب «نظرات في كتاب السفور والحجاب» للشيخ مصطفى الغلاييني، كتابان أعادت مكتبة الإسكندرية إصدارهما في طبعة جديدة في مجلد واحد، في إطار مشروع (إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين). نبعت فكرة المشروع -الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية- من الرؤية التي تتبناها بشأن ضرورة المحافظة على التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة، والمساهمة في نقل هذا التراث إلى الأجيال المتعاقبة تأكيداً لأهمية التواصل بين الأجيال، كما أوضح إسماعيل سراج الدين في تقديمه سلسلة إصدارات المشروع. ويجيء اختيار القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين على وجه الخصوص، رغبةً من المكتبة في تصحيح الانطباع السائد بأن المساهمات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون توقفت عند فترات تاريخية قديمة ولم تتجاوزها. فالحقائق الموثقة تؤكد أن عطاء المفكرين المسلمين في الفكر النهضوي التنويري إنما هو تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة والمعاصرة التي تشمل القرنين الأخيرين. «السفور والحجاب» لنظيرة زين الدين كان طبع للمرة الأولى عام 1928، وما أن خرج إلى النور حتى استشعر العديد من الكُتاب في مضمونه وتوقيته أنه حلقة تستهدف بث الشكوك في الأفكار والممارسات الإسلامية، وهو ما كان ماثلاً بوضوح في ذهن أرز معارضيها، وهو الشيخ الغلاييني، الذي طُبع كتابه «نظرات في كتاب السفور والحجاب» للمرة الأولى عام 1928 بعد صدور «السفور والحجاب» بشهرين، وقد شكك في سند الكتاب إليها، وأسنده إلى المبشرين. ويتناول الكتابان قضية الحجاب، وهي القضية التي طرحت ذاتها على خارطة الفكر النهضوي الإسلامي، وامتزجت بأبعاد دينية وسياسية واجتماعية. يناقش كتاب نظيرة جملة من القضايا المتعلقة بالمرأة ووضعيتها الاجتماعية، بينما لم يتطرق الغلاييني في كتابه للقضايا كافة التي طرحتها نظيرة، فاستبعد ما أثارته حول مسائل الطلاق والتعدد وشهادة المرأة، التي عالجها من قبلُ في كتابه «الإسلام روح المدنية»، وآثر أن يركز على القضايا المركزية في الكتاب، وهي الدعوة إلى السفور، واختلاط الجنسين، وخروج النساء للعمل. تعالج نظيرة زين الدين ركائز مشروعها الفكري ومعالم أطروحتها بشان نهضة المرأة، وتشكل الحرية المفهوم المركزي في هذا السياق، بحيث تتخذ الحرية مدخلاً للبحث، وتناقش حق المرأة في العمل، والمساواة مع الرجل. ثم تتناول «الأدلة العقلية على وجوب السفور»، فتعالج ثلاث قضايا أساسية تتعلق بالسفور، وهي: الدواعي العقلية لترجيح السفور، والقوامة، وعلاقة الحجاب بالشرف والسفور بالاختلاط. وتقارن بين أحوال واقع العالم السافر وواقع العالم المحجب، وتبحث في الأدلة الدينية، وتتخللها أدلة عقلية اعتقاداً منها بتلازم العقل والدين وعدم افتراقهما. وتتناول وجهات النظر المخالفة للسفور والرد عليها تحت عنوان «المعارضات والردود»، وتقدم فيه آراء خمسة من معارضي السفور، وجميعهم من الشيوخ، ويغلب على هذه المناقشات الطابع السجالي. أما كتاب «نظرات في كتاب السفور والحجاب»، فجاء تقسيمه إلى افتتاحية ومقدمة، واثني عشر فصلاً وخاتمة. وسمح هذا التقسيم للشيخ الغلاييني بأن يبحث ويفند في كُل نظرة فصل قضية واحدة من القضايا التي أثارتها نظيرة، فأثبت قدرة على التصنيف وبلورة الأفكار ومنع التداخل بينها. ويمكن تصنيف هذه النظرات إلى ثلاث مجموعات: تركز الأولى منها على الأفكار السياسية ونظرة الكاتبة إلى دور السلطة المحلية والانتدابية، أما المجموعة الثانية فتقوم بتفنيد مقاربات الواقع الاجتماعي والآراء الفكرية، وتتناول المجموعة الثالثة دحض الأخطاء التفسيرية التي وقعت فيها نظيرة، وتضم النظرات من الثامنة إلى الثانية عشرة، بالإضافة إلى النظرة السادسة. أما خاتمة الكتاب، فقد أراد الشيخ أن يُحدد فيها وجه الخلاف بينه وبين نظيرة وغيرها من مؤلفي الكتاب -المفترضين-، فهو يفترض أن كتاب «السفور والحجاب» مؤلف جماعي وضعه عدد من المؤلفين المختلفين في الانتماءات الفكرية والعقدية، وحصر وجه الخلاف في أنهم يريدون إخراج المرأة من بيتها إلى معترك الحياة، سافرة مختلطة بالرجال، فتفسد فطرتها وتنسى ما خلقت لأجله. أما هو، فيريد أن تظل المرأة تعمل ما يناسب فطرتها ويلائم غريزتها. مقدمة الكتاب وضعتها فاطمة حافظ.
مشاركة :