متى نعترف بغرورنا؟!

  • 2/20/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في السابق كان هناك عدد كبير من علماء المسلمين يعتبرون أن مجرد الدعوة لإعادة النظر في بعض القواعد أو الضوابط التي بُنيت عليها العلوم الإسلامية، وفق قراءة أو رؤية علمية حديثة تستحضر روح العصر، هي دعوة لهدم الدين. كانت أغلب الحُجج التي تُطرح من قِبل هؤلاء العلماء للرد على تلك الدعوات تستند إلى منطق التعصب لفهم الأولين من السلف الصالح، بقولهم شريعة الإسلام أدلتها نقلية وليست عقلية، وفق القاعدة الشهيرة: لا اجتهاد في مورد النص. وأحب أن لا يُفهم أنني هنا أحاول التشكيك بفهم الأولين أو العلماء العدول، فهم عُدول بكل ما تحمله الكلمة من معنى. أقول هذا وأنا أستحضر كلاماً جميلاً للدكتور أحمد خيري العمري، وهو كاتب عراقي مشهور مهتم بالإصلاح الديني، يقول فيه: "إن الإصلاح الحقيقي يجب أن تتبناه المؤسسة الدينية التقليدية نفسها، يجب أن يخرج من عندها.. ولنكن صريحين فالناس في النهاية لن تسمع لكلام طبيب أسنان أو مهندس، الناس تريد أن تسمع لرجل دين". وهنا تكمن المشكلة مع علمائنا اليوم، أو بالأحرى من هنا بدأت، بمعنى أن المشكلة في التركيب العقلي المعرفي لرجل الدين نفسه، وهذا ليس كلامي أنا فقط، وإلا كيف تفسر عدم الاعتراف والتشكيك بإنجازات علمية حديثة اكتشفها العلماء أخيراً؟! ويعتذرون بالقول: هذه اكتشافات موجودة في الآية القرآنية كذا، أو في الحديث الشريف الفلاني كذا، بحيث باتت تلك "التشكيكات" مثاراً للسخرية من قِبل بعض المسلمين قبل غيرهم، ولكن بعد أن فعلت بعقول المسلمين أنفسهم ما فعلت. أقول أيضاً: نحن كمسلمين علينا أن نعترف وألا نخجل من الاعتراف بأن محاولة منح بعض التفسيرات للآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو حتى النصوص الشرعية "قيمة" بالاستناد إلى حقائق علمية أثبتها العلم مؤخراً، هي محاولة لن تضيف إلى تلك التفسيرات أي قيمة إضافية، ما لم يكن صاحبها مُلماً من حيث المبدأ بالعلوم الطبيعية والتطبيقية؛ بل إن إقحام العلوم الطبيعية في التفسيرات الدينية لا يقلل من قيمة تلك التفسيرات فحسب؛ بل ستكون تلك التفسيرات وصاحبها عرضةً للسخرية أيضاً، وهنا يحضرنا المثل العامي "أراد يكحلها عماها". من باب التذكير: العلوم الطبيعية -كما يعرفها صاحب الويكيبيديا- هي العلوم التي تهتم بدراسة النواحي الفيزيائية الطبيعية المادية غير البشرية لكل الظواهر الموجودة على الأرض والكون المحيط بنا. قد يعترض أحدهم ويقول: إن الخلاف أو الاختلاف موجود هو أيضاً بين علماء العلوم الإنسانية في الغرب، هذا صحيح لكنه خلاف لا يصل في حدته بأي حال من الأحوال إلى حدة الخلافات بين علماء العلوم الإنسانية الذين ليست لديهم جذور معرفية بالعلوم الطبيعية. لهذا وخصوصاً بعد عصر النهضة الأوروبية، كانت العلوم الإنسانية والاجتماعية تصب في صالح العلوم الطبيعية والتطبيقية، وليس العكس، أي ليس كالذي يحصل عندنا، والسبب هو أن أغلب رواد الحركة الفكرية هم بالأساس علماء في الطب أو الهندسة أو الرياضيات.. إلخ من تلك العلوم. قصارى الكلام، علماؤنا اليوم بمجرد أن يكتشف الغرب حقيقة علمية في أي مجال، لا يهدأ لهم بال حتى يثبتوا -بمنطق المغرور أو المتكبر- أن تلك الحقيقة موجودة في خانة براءات الاختراع الإسلامية التي بيَّنها القرآن المجيد أو الحديث الشريف، أو أحد علماء المسلمين. العجيب في منطق علمائنا اليوم أنك إن حاججتهم بقول أو مفهوم فكرة جديدة خارج منطق الاستدلال الذي يحتكمون إليه، يكون المهرب بأن هذا الاستدلال غير مبني على ضوابط العلم الشرعي، وأن المتكلم ليس متخصصاً في العلوم الشرعية، وأن التصدُّر للتنظير لمسائل الدين وقضاياه وإصدار الفتاوى والأحكام الدينية من دون مراعاة القواعد والضوابط التي بُنيت عليها العلوم الإسلامية أو الشريعة الإسلامية المقدسة هو أمرٌ مرفوضٌ، وكأنهم نسوا أنهم من بدأ بالكلام عن تلك (الاختراعات والاكتشافات العلمية) التي لا يعلمون عنها إلا أماني وإن هم إلا يظنون، كأنهم نسوا عندما وظّفوا الكثير من تلك الإنجازات في تفسيراتهم للعلوم الإسلامية، وكأنهم نسوا أيضاً إنكارهم وتشكيكهم وعدم اعترافهم ليس بقول أو فكرة خارج منطق الاستدلال الذي يحتكمون إليه فحسب؛ بل نسوا فضل إنجازات واختراعات أمم وشعوب في شتى المجالات والعلوم الإنسانية والسياسية والاجتماعية والثقافية، لمجرد أن تلك الإنجازات قد تُضعف من كبريائهم أو تكشف حقيقة عجزهم وغرورهم. كأنهم نسوا عاقبة مَن وصفهم القرآن الكريم بأولئك الذين يحبون أن يُحمَدوا بما لم يَفعلوا.. فتأمَّل رعاك الله. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :